صوت المؤذن يعلو في ألمانيا!

ظهرت حدة جديدة في الجدال حول الاسلام في ألمانيا، وهذا مما يعد خبرا طيبا. إننا خرجنا من عصر الصبر الخاطئ مباشرة إلى الحوار حول مجتمعنا الجديد. والاعتراف الرسمي بالاسلام في ألمانيا لا يعني نهاية الصراع الحضاري ولكنه يعتبر بدايته، حسب رأي يورغ لاو

عندما يزداد تقارب الناس من بعضهم تصبح الفروق بينهم ملفتة للنظر وموضوعا للنقاش. ويجب على كل الأطراف أن يروا في ذلك نوعا من الإيجابية. في الوقت الحاضر تسبب مشروع بناء مسجد في كولونيا في تهييج مشاعر الجمهورية كلها.

إننا نختلف حول ارتفاع المآذن والقباب والمواقف الضرورية للسيارات. ولكن الحقيقة لا تتعلق بشيء بسيط مثل هذا، بل تتعلق بتجنيس إحدى الديانات. ومنذ شهور يوجد خلاف بين الكنيسة الانجيلية والجمعيات الإسلامية حول مستقبل الحوار. والآن يرفض كبير الأساقفة الكاثوليك في ألمانيا الكاردينال ليمان مساواة الإسلام بالمسيحية قانونيا. وقال إنه لمن "التسامح الخاطئ" المساواة بين الأديان بغض النظر عن حجم أتباعها وتاريخها.

إن كل ما اعتبره المرء حتى الآن تسامحا كان في الغالب لا معنى له. فلم يكن لدى المرء رغبة في التعرف على عقيدة الآخر. والآن تلحّ ديانة غريبة على الاعتراف بها، وتريد أن تخرج من أفنية المباني إلى مجالس إدارة الإذاعة. تقوم هذه الديانة ببناء مساجد فاخرة لتُظهر طموحها في الاشتراك في تغيير صورة المدينة. هذه المطالبة بالاعتراف تسبب ضغطا للكنائس لأنها سوف تقلل من احتكارهم للشراكة الدولة الخاصة بهم.

كما أن ردود أفعال المواطنين غير المنتمين إلى الكنيسة أو ديانة أخرى مصحوبة بحساسية. إن الأمور كانت تسير على ما يرام، وانتهى زمن صراع الحضارات. والآن بدأ من جديد الصراع الديني من أجل الاعتراف الرسمي بالآخر. والتنافس الحيوي للإسلام يظهر تأثيره الفعال على الكنائس التي يجب عليها إظهار أهميتها مرة أخرى.

قداس في المملكة العربية السعودية؟

لقد أصاب الكاردينال ليمان في تحذيره من اللامبالاة في التعامل مع حرية العقيدة. فبدون هذه الحرية لا يمكن أن تظل الدولة الدستورية الليبرالية قائمة. ولهذا فإنه من الخطأ حرمان المسلمين من حق المساواة بحجة الإشارة إلى المساهمة الكبيرة التي قامت بها الكنائس في تشكيل "الهوية الثقافة الأوروبية".

لقد صرح الكاردينال قبل فترة قصيرة أنه يتمنى لو استطاع إقامة قداس في المملكة العربية السعودية. إن من يبذل جهده للدفاع عن الكنائس في البلاد الإسلامية لا يمكن أن يمنع المسلمين حقهم في هذا البلد. والمسلمون ينبغي أن تتاح لهم في يوم من الأيام فرصة الاعتراف الرسمي بهم مثل الكنائس كهيئة خاضعة للقانون العام بما يحمل ذلك من امتيازات من ناحية قانون العمل والضرائب. وحتى ذلك الحين – والكنائس تعي ذلك - هناك مشوار طويل ذات نهاية غير محسومة.

هكذا يجب أن تكون الصفقة: إننا نقدم الإدماج في النظام القانوني العام، وفي المقابل نطالب بالاهتمام بشكوكنا وتحفظاتنا وألا تأخذ على أنها "خوف من الإسلام". بناء على هذه القاعدة سوف تُطرح كل الأسئلة - التي تحاشها المرء أمدا طويلا - في مؤتمر وزير الداخلية شويبله عن الإسلام وفي حلقات الحوار مع الكنائس، مثل:

كيف ترون حقوق المرأة؟ كيف يتم التعامل مع حرية تغيير الديانة للمسلمين هنا وفي مواطنهم الأصلية؟ هل الشريعة أهم من الدستور؟ هل لديكم استعداد دائم للعيش في مجتمع متعدد المذاهب مبني على المساواة بين الجميع؟ هل تعترفون بهذه التعددية المذهبية فقط مؤقتا وبنفس كارهة تحت وطأة الأقلية الدينية، أم أنكم تستطيعون وجود مبرر في ديانتكم للموافقة على هذا النظام؟

سوف يفسر المسلمون هذه الأسئلة في بعض الأحيان تفسيرا عدائيا. ولكن يجب عليهم أن يفكروا في كل ما سمعه الكاثوليك في صراعهم الحضاري.

التعلم من صراع الكنائس مع الدولة

لا يجب على الدولة الألمانية إنكار جذورها الثقافية والدينية حتى وإن كان الدستور يفرض عليها الحيادية في النظرة الدينية. إن نظامنا الحكومي ذو الصبغة المسيحية أيضا يتضمن الحرية الكاملة للعقيدة. وبدون النظرة الصريحة تجاه المعتقدات الأخرى فسوف تكون هذه الحرية بمثابة التظاهر النفاق.

إن ألمانيا طورت من خلال حروبها الدينية والحضارية نظاما للتعاون بين الجماعات الدينية والدولة. من اختصاص هذا النظام تقليل الشكوك العقائدية في مواجهة الحداثة. كما طالب هذا النظام من الكنائس تحولا هائلا وأعطاهم مقابل ذلك نفوذا قويا. وليس هناك ما يدل على أن هذا النظام لا يستطيع احتواء العقائد الأخرى أيضا. هذا النظام يتيح للمسلمين فرصة الاعتراف الرسمي بهم في مقابل الإذعان للقانون.

لا يستنبط من ذلك أن المرء يجب عليه منح المسلمين فورا المساواة الشرعية الكاملة مع الكنائس دون الاستفسار عن أشياء أخرى. إن الكنائس لم تحصل على امتيازاتها دون مقابل ولكن بعد "تطور" شاق للطرفين. ويعتبر ليمان أفضل مثال على ذكاء قدرة هذا النظام الألماني، فبدون الكفاءة التربوية لهذا النظام ما أصبحت الكنيسة في هذا البلد ليبرالية بهذا القدر (وما أصبح ليمان كاردينالا).

هناك كثرة تشك في مقدرة المسلمين على مثل هذا التطور. كما أنه ليس من نوع الحكم المسبق الغربي: فهناك كثرة من المسلمين يشكون في قدرة الإسلام على الفصل بين الدين والدولة. على الرغم من ذلك فليس هناك سبب لحرمانهم من هذا التطور بحجة التنويه أنهم أولا وقبل كل شيء لن يلحقوا بالركب.

إن الكنائس قد يمكنها أن تتصرف كما لو كانوا دائما من أتباع الدولة الدستورية الليبرالية. ولكنهم اضطروا إلى قبول الإغراء قبل أن يوافقوا في النهاية على دعم الدولة الدستورية. والكنيسة الكاثوليكية لم تبدِ رأيها في حرية العقيدة حتى 1964، أي حتى مجلس الفاتيكان الثاني.

مِن حُسن الحظ أن هذا الجدل قد تجاوز ما يوحي به الجدل حول الحجاب والاحتجاجات ضد بناء المساجد. إن مَن يرى أن حظر الحجاب لا يتلاءم مع مفهوم الدولة الحر يمكنه على الرغم من ذلك أن يرفض الخمار على أنه رمز لظلم المرأة. ومَن يؤيد مساواة المسلمين بخصوص بناء دور العبادة يمكنه رفض بناء مسجد معين بسبب وجود مجموعة مريبة وراءه أو أنه سوف يغير صورة الحي كاملة.

احترام الديانات الأخرى

لقد تخطت السياسة الألمانية حلول الوسط الخاطئة المبنية على اللين من ناحية أو التفريق من ناحية أخرى. وظهر نموذج ألماني لإدماج الإسلام، وبدأت أوروبا تهتم به. هذا النموذج يكترث بمحاولات الأسلمة ويعتز بالولاء القانوني، ومع ذلك فإنه يحترم جوهر الديانات الأخرى.

إن الدولة الحرة لا يكفيها الولاء القانوني وتحتاج الى ردود فعل إيجابية من طرف الديانات، كما يقول يورغن هابرماس "الشرعية تقوم على الإقناع". يجب على المسلمين أن يتقبلوا الشك في ردود فعلهم ويأخذوه بعين الاعتبار. فلن يستطيع أحد أن يجنبهم صراع الولاء. ولكن السكان الأصليين لا يمكن أن يجنبهم أحد الحياة في جو مليء بكم ديني محير، بما في ذلك المآذن.

بقلم يورغ لاو
ترجمة عبد اللطيف شعيب
حقوق طبع النسخة العربية قنطرة 2007
صدر المقال في جريدة دي تسايت

يورغ لاو صحفي ألماني يعمل في جريدة دي تسايت

قنطرة

مكافحة التمييز ضد الأقليات في ألمانيا
كيف تتجسد العنصرية في الحياة اليومية في ألمانيا؟ وهل تمكن "قانون المساواة العامة" من مكافحة الممارسات العنصرية في ألمانيا؟ حوار مع أندرياس هيرونيموس مدير معهد هامبورغ لأبحاث الهجرة والعنصرية

الانصهار أم الإندماج
رسالة بريدية من نيويورك تقول: الإندماج في الحياة العامة في الولايات المتحدة أهون في التطبيق مما عليه في أوروبا المتمسكة بتقاليدها، ذلك لأن الهوية الأميركية ترتكز على المشاركة الإجتماعية، لا الإنصهار الإجتماعي.

الدستور الألماني يضمن الحق في ممارسة الطقوس الدينية
هناك مخاوف متزايدة لدي مواطني ألمانيا حيال ما يسمى "هيمنة طبيعة الأجانب" على الحياة في هذا البلد. لكن هذا الشعور لا يعفي الدولة حسب رأي بيتر فيليب من مسؤولية تكريس حق الأفراد بمختلف خلفياتهم في ممارسة أديانهم بحرية

نتائج المؤتمر الألماني الثاني للإسلام
طالما لم يتوفر في ألمانيا استعداد للاعتراف بالإسلام على نحو مجتمعي شامل حقيقي فإن مؤتمر الإسلام سيظل، بناء على وجهة نظر الباحثة في شؤون الهجرة، الغر بولات، سائرا في دائرة مفرغة