مندمجون ظاهريا فقط

تعتبر بلجيكا ذات الأقاليم المتحدثة باللغات الفرنسية والفلامندية والألمانية والتي تُحكم من عاصمة ثنائية اللغة في نفس الوقت موطنا لما يزيد عن نصف مليون مسلم، وهذا ما يعادل خمسة بالمائة. تقرير عن حال المسلمين في بلجيكا من دانيلا شرودر.

​​تعتبر بلجيكا ذات الأقاليم المتحدثة باللغات الفرنسية والفلامندية والألمانية والتي تُحكم من عاصمة ثنائية اللغة في نفس الوقت موطنا لما يزيد عن نصف مليون مسلم، وهذا ما يعادل خمسة بالمائة من تعداد السكان البالغ عددهم 10,4 مليون نسمة. تقرير عن حال المسلمين في بلجيكا من دانيلا شرودر.

لقد اكتسب ما يزيد عن نصف المسلمين الجنسية البلجيكية، و37 في المائة من المواطنين ينحدرون من بلاد إسلامية، أما البلجيكيون الذين اعتنقوا الإسلام فيبلغ عددهم ما بين عشرة إلى خمسة عشر آلف مواطن. والبقية هم أطفال وُلدوا في بلجيكا وينتمون لعائلات مسلمة.

ويمثل المواطنون ذوو الأصول المغربية والتركية أكبر مجموعتين داخل المجتمع البلجيكي المسلم المتعدد القوميات. فهم يشكلون حوالي 88 في المائة من مجموع المسلمين الذين اكتسبوا الجنسية البلجيكية و67 في المائة من مجموع المهاجرين من البلاد الإسلامية.

وما يفوق على 35 في المائة من المسلمين ذوي الأصول التركية والمغربية في بلجيكا تقل أعمارهم عن ثمانية عشر عاما، بينما تمثل هذه الفئة العمرية من المسلمين بلجيكيي الأصل نسبة 18 في المائة من مجموع السكان.

يعتبر قانون اكتساب الجنسية البلجيكية الذي خضع لخطوات إصلاحية من أفضل القوانين الليبرالية في أوروبا. فكل الأطفال الذين ولدوا في بلجيكا لوالدين مهاجرين وكل الأطفال الذين ينتسبون لأب بلجيكي أو أم بلجيكية وكل الأطفال الذين عاشوا أكثر من سبع سنوات في بلجيكا لهم الحق في اكتساب الجنسية البلجيكية. وكل من يقيم في بلجيكا أكثر من ثلاث سنوات بصفة شرعية له الحق في المشاركة في الانتخابات المحلية دون أن يكون حائزا على جواز السفر البلجيكي.

التمثيل الرسمي للمسلمين

جميع محاولات التمثيل الرسمي لكل مسلمي بلجيكا باءت بالفشل بسبب معارضة الأحزاب البلجيكية التقليدية التي ترى في التمثيل الرسمي للإسلام تمهيدا للأصولية الدينية.
منذ العام 1998 تتصرف "الهيئة التنفيذية لمسلمي بلجيكا" – وهي هيئة تضم ممثلين منتخبين عن كل الجاليات المسلمة في الدولة – كممثل رسمي لهم أمام الحكومة. ويعيب عليها المنتقدون المسلمون أنها كجمعية قوية لا تهتم بحقوق المسلمين المقيمين في بلجيكا ولا تناضل ضد العنصرية.

في الحقيقة تقوم "الهيئة التنفيذية لمسلمي بلجيكا" بالاشراف على تدريس الدين الإسلامي لـ55 ألف تلميذ ودفع أجور - من قِبل الدولة - لحوالي 700 إمام وإدارة المعونات المالية التي تقدمها الدولة للمساجد المعترف بها رسميا.

لكن العلاقة بين الحكومة و"الهيئة التنفيذية لمسلمي بلجيكا" تتسم بالتعقيد منذ البداية. فقد المرشحون لأول هيئة لاختبارات عن ميولهم الأصولية من قبل الدولة، وبعد تسعة أعوام أجرى البرلمان البلجيكي انتخابات جديدة مبكرة.

ذلك لأن بعض أعضاء "الهيئة التنفيذية لمسلمي بلجيكا" استغلوا الهيئة لمصالحهم الشخصية، حتى أن الرئيس السابق انتهى به المطاف إلى السجن. واتهمت سلطات الأمن البلجيكية الهيئة بأنها على علاقة بالأصوليين. ولكن "الهيئة التنفيذية لمسلمي بلجيكا" دافعت عن نفسها ضد التهم الموجهة إليها. وفي أوائل سبتمبر / أيلول 2007 تم إغلاق مكتب الهيئة مؤقتا بتهمة الاحتيال.

النزاع البلجيكي حول الحجاب

إن ما حدث أخيرا أعطى الدافع لأولئك الذين يقفون ضد لمسلمين في البلاد. فقد لاقى المسلمون في بلجيكا صعوبات جمة بسبب الحجاب على وجه الخصوص. وقد أدى الجدل الذي أثير في فرنسا عام 2003 و2004 إلى مناقشات حامية خاصة في بروكسل وإقليم والونيا الناطق باللغة الفرنسية.

وقررت بعض المدارس في العاصمة عدم قبول التلميذات المرتديات الحجاب. وقد تُرك الأمر للمدارس في اتخاذ قرار بهذا الخصوص لأن الآراء المختلفة للبلجيكيين الفلامنديين والناطقين بالفرنسية كانت حائلا دون الإتفاق على تسوية وطنية بخصوص الحجاب.
وفي سوق العمالة البلجيكية لا توجد قاعدة ملزمة بهذا الخصوص، إلا أن الحجاب يعتبر عائقا واضحا لصعود السلم الوظيفي.

تعتبر سياسة الإندماج في بلد غاية في التعقيد في التركيبة السياسية من مهام المجالس المحلية. وكانت لحكومات الأقاليم الناطقة بالفرنسية والفلامندية محاولات مختلفة للتعامل مع مسألة الإندماج. كما أن إقليم والونيا الناطق باللغة الفرنسية لا ينفق على سياسة الاندماج إلا قليلا من المال.

أما الشمال الناطق باللغة الفلامندية فيولي التعدد الثقافي اهتماما كبيرا حيث يعترف بالأقليات العرقية الثقافية ويدعمها في نشاطها السياسي. وأحد أسباب ذلك هو محاولة اكتساب المهاجرين المقيمين في بروكسل إلى جانبهم حتى يتسع التأثير الفلامندي على العاصمة التي تغلب عليها اللغة الفرنسية.
هذه المحاولة يحركها المنهج التي تتخذه حكومة إقليم فلاندرن للإدماج وكذلك أيضا شعبية الجماعات المتطرفة، وخاصة حزب "فلاميس بلامج" الذي اكتسب شعبية كبيرة في أماكن كثيرة.

وفي الانتخابات البرلمانية في يونيو / حزيران حصل حزب "المصلحة الفلامنكية" على 19 في المائة من الأصوات في موطنه. ويتحدث المسؤلون عن الحزب عن "الغزو الإسلامي" ويحذرون من "حرب أهلية" مع المهاجرين، كما يريدون ترحيل مكتسبي الجنسية البلجيكية المحتفظين بجنسيتهم الأصلية عند اقترافهم أي جُرم صغير.

وقد قام أحد مسؤولي حزب "فلاميس بلامج" بتسريح جِمال في شوارع مدينة أنتورب احتجاجا على التأثير الدخيل البالغ على الميناء العصري المنفتح.

تمثيل سياسي بدون مساواة

لقد ساهمت سلسلة من أعمال العنف ذات الدوافع العنصرية خلال السنوات الماضية على تصدع التعايش بين المواطنين الأصليين والمهاجرين في بلجيكا. وتصف الدراسات العالمية المقارنة هذه الدولة التي لم يبلغ عمرها 180 عاما بعد أنها الأشد عداء للأجانب بين دول غرب أوروبا.

في الحقيقة، يشغل بعض المسلمين أرفع الوظائف السياسية كما توجد أسماء لها وقع إسلامي على قائمة المرشحين للانتخابات. ولكن حين يتعلق الوضع بالمساواة في سوق العمالة والبحث عن المسكن فان المسلمين البلجيكيين يشكون باستمرار من التمييز العنصري، حتى أن كثيرا من المسلمين المولودين في البلد يقولون بأننا مندمجون ظاهريا فقط. فعلى الرغم من أننا نمارس السياسة إلا أننا منبوذون في الحياة الاجتماعية العادية.

بقلم دانيلا شرودر
ترجمة عبد اللطيف شعيب
حقوق الطبع قنطرة 2007