حينما تزحف رموز إسلامية بقوة إلى الأماكن العامة

يتناول باحثون في مقالات مختلفة حضور العنصر الإسلامي في الأماكن العامة من خلال المساجد والحجاب والجمعيات الإسلامية الثقافية والقهاوي أو الأدب، في إيران، تركيا، فرنسا أو ألمانيا. مراجعة إينيس براونة

فيما يخص قوة ظهور الإسلام نجد مؤلفي المقالات يتحدثون عن "المرحلة الثانية للإسلام السياسي". ومما يثير الدهشة هنا أن الإسلام السياسي مرتبط في الأذهان بالمجموعات السياسية المتعصبة، وهذه المجموعات كانت – حسب رأي الكتاب – من سمات المرحلة الأولى للإسلام السياسي.

أما في بداية التسعينيات من القرن الماضي فقد بدأت شخصيات مسلمة جديدة في الظهور على الساحة، مثل المفكرين ورجال الأعمال والشباب. ولم تكن مطالبهم موجهة ضد النظام، ولكنهم أرادوا الاشتراك في الحياة العامة. وهنا تطور "المسلم" بالفطرة إلى "الإسلامي" الذي اختار الإسلام عن قناعة مقارنة بالمسلم بالمولد، وأصبح يتقبل في الوقت نفسه تقاليد الحياة العصرية.

البحث عن مكان

والإسلاميّ لا يتقبل كل ما يحدث حوله، بل يبحث عن مكانة له في العالم المعاصر عن طريق الرجوع إلى الإسلام. وفي هذه الحالة نجد الإسلام يدخل في التركيب الإجتماعي للحياة اليومية، وهو عكس مطالب "الإسلاميين من المرحلة الأولى" والتي كانت بعيدة عن النظام. وهذا لا يعني بأي حال من الأحوال أن مطالب "الإسلاميين من المرحلة الثانية" أقل من أن تكون سياسية.

و"صور الإسلام" التي نتجت عن ذلك والتي تمارس حاليا تعتبر متعددة لدرجة أنها لا تنطوي تحت وصف جامع لـ"لهويات الإسلامية". ولإظهار تعددية "الهويات الإسلامية" وكيف نشأت تم تقسيم الكتاب إلى ثلاثة أقسام.

وفي الفصول الأولى من الكتاب تم عرض المفاهيم الأساسية، مثل الإسلام والمدنية (نيلوفر غوله) والمجال العام في صوره المختلفة (كرستيان غويلن Christian Geulen) والعلاقة بين الخصوصية والعمومية في الإسلام (لودفغ أمان).

ولب الكتاب يكمن في الإستشهاد بحالات من جمهورية تركيا العلمانية وجمهورية إيران الإسلامية وأوروبا التعددية. وتلك الحالات – التي تعتبر نتاج دراسات تجريبية – تدل على ظهور الرموز الإسلامية في المكان ولدى الأفراد.

الرأي العام في الإسلام

ويتمم الكتاب فصول ثلاثة أخرى: الأول للكاتب شموئيل ن. أيزنشتادت Shmuel N. Eisenstadt يعرض فيه دور الرأي العام في التاريخ الإسلامي، والثاني للكاتبة سيمونته طبوني Simonetta Tabboni تشير فيه إلى التأثير المتبادل بين الهوية الشخصية وما يخالفها، والثالث للكاتب شارلز تايلور Charles Taylor يلقي فيه الضوء على دور الدين في صراع الهوية في العصر الحديث.

ومن خلال ذلك يتضح لنا حجم التنوع والإسهاب الذي وجهه المؤلفون لهذه الإشكالية، ولهذا يعتبر نقد الكتاب من الصعوبة لعدم وجود المكان الذي يتسع لهذا الكم من المعلومات. وحتى لا أعالج الموضوع بطريقة عامة، فسوف ألقي الضوء على موضوع واحد من الحالات الاستشهادية ألا وهو التعايش مع المسلمين في البيئة الأوروبية.

العقيدة والذات

وقد وصفت المقالات بدقة كيف أن العقيدة تعطي توجيها وثقة ذاتية "في الدخول إلى مجتمع تعددي غير إسلامي". وعندما يتم وصم المسلمين بـ"الأتراك" ويقلل من شأنهم، فسوف تلعب الديانة دورا هاما في "تحويل هذا الوصم إلى مصدر للسلطة الذاتي" وفي التصرف بفاعلية.

ويعتبر الرجوع إلى الإسلام إمكانية لاستيعاب التجارب الشخصية كأقلية موصومة في مجتمع تعددي، كما أن وظيفة الديانة لم تأخذ شكلا محددا، ولكنها تتغير حسب المواقف الخاصة حتى يمكنها أن تتعامل مع الأمور اليومية.

وبناء على هذه الخلفية تؤدي الجمعيات الإسلامية الثقافية وظائفها المختلفة، فهي مركز يلتقي فيه الشباب لتبادل الحديث عن مطالب الحياة اليومية في المجتمع التعددي، وتكوين الشعور الجمعي يمنح الفرد قوة نفسية من ناحية ويمكن من الإفصاح عن المصالح والاحتياجات – كما هو الحال بالنسبة للجمعيات الإجتماعية.

وفي هذا يطالب المسلمون بالاعتراف القائم على قاعدة المساواة (مع أجزاء من المجتمع التعددي) عن طريق تكوين جماعات دينية. والجمعيات الإسلامية الثقافية تعتبر مكانا بديلا يتوسط بين المجتمع الخاص والعالم الخارجي، كما أنها لا تعتبر فقط وسيلة للحصول على المطالب الدينية، بل تمكّن من القيام بمساعدات إجتماعية أخرى.

أماكن بديلة أم أماكن معادية؟

وهنا لا بد من السؤال: ماذا يحدث لو أصبحت هذه "الأماكن البديلة" "أماكن معادية"؟ وماذا يحدث لو كان الأمر لا يتعلق بالاندماج ولكن يتعلق بالانعزال والشعور بالاستعلاء؟

إنها خطوة جيدة أن يبدأ المسلمون في الظهور، عندئذ يمكن المرء أن يتصل بهم عن طريق مطالبهم العامة. ماذا لو حدث ذلك كي ينعزل المسلمون عن المجتمع التعددي وبناء عليه ينتحون بعيدا؟

الاعتراف بالفوارق يخفي - من وجهة نظري – المشكلة المنطوية وراء الصراع على السلطة الأولى في الفضاء الثقافي. ويعد غويلن الوحيد الذي يشير في مقاله إلى هذه المشكلة ويتساءل عما إذا كان من الأفضل الاعتراف المتماثل للمجموعات المختلفة أم إذا كنا نحتاج إلى مبادئ أخرى لكي نحقق التعايش في المجتمع.

وهذه الأسئلة لم يطرحها المؤلفون، ومن ثم بقيت بدون إجابة. أما ما يجب التغلب عليه بدقة وتفصيل هو الوداع النهائي من الإسلام "المخيف". إن الإسلام كمصدر للتغلب على الحياة اليومية وكتوجيهات في المجتمع التعددي يظهر في صور عديدة في المجتمع.

وبناء على هذه الخلفية تصيغ نيلوفر غوله نظريتها:

"إن ظهور الإسلام في الأماكن العامة وما يتعلق بهذا الظهور من أعمال خاصة تولد تصورات جديدة عن الهوية الكلية وعن المكان المشترك، وهذه التصورات تختلف اختلافا واضحا عن الهوية الليبرالية وعن سياسة التقدم".

الخوف من الإسلام

ويعتبر الكتاب دعوة موجهة إلى المجتمع التعددي، حيث أن مبادئ الاتفاقيات الدولية تتعرض للزعزعة والشك إذا ما عاد المسلمون أو الإسلاميون إلى الإسلام رجوعا يجعلهم قادرين على التعامل.

وعلى المجتمع التعددي أن يفكر الآن في طريقة التعامل مع الأقليات من جديد وأن يحاول إدماجها في منظومة المجتمع الحديث. ولن يفيد الخوف من "الإسلام" في محاولة الإندماج، كما أن أولى المواجهات القوية مع "أشكال الإسلام" تقع بين طيات هذا الكتاب.

بقلم إينيس براونة
ترجمة عبد اللطيف شعيب
حقوق الطبع قنطرة 2005

الإسلام آت – ظهور المسلمين في الأماكن العامة: نيلوفر غوله Nilüfer Göle ولودفيغ أمان Ludwig Amman، بيليفيلد 2004

قنطرة

الهوية الإسلاموية
أينما تطلعت في هذه الأيام، تجد أن الإسلام يستعمل ( ويساءُ استعماله) كقوةٍ سياسية. بعض المسلمين يستعملونه كدعوةٍ للفعل، و الكثيرون في الغرب ( وفي أماكن أخرى ) ينظرون الى الإسلام على أنه "الآخر" مما يستدعي الإحتواء والنبذ. وأنا، بوصفي امرأة تركية، أتعاطف بشكل مباشر مع كلا الجانبين في هذا الجدال.

الجدل حول الحجاب
مناقشات حامية تدور حول اللباس الإسلامي للمرأة، ليس في المانيا فقط بل في أوربا والعالم الإسلامي أيضا. نقدم في الملف التالي خلفيات ومواقف مختلفة وأمثلة من دول شتى