"لا أنأى بنفسي عن القتلة كمسلمة، بل كإنسانة"
مجرمان أخذا يصيحان "الله أكبر" ويطلقان النار بشكل مباشر على الناس. لم يكد ينتشر خبر الهجوم على هيئة تحرير صحيفة "شارلي إيبدو" الفرنسية الساخرة، حتى تم تصنيفه على أنَّه هجوم على حرِّية الصحافة وحرِّية التعبير عن الرأي. وهذا التفسير منطقي - ففي آخر المطاف لقد قتل الإرهابيون موظفين في هذه الصحيفة، التي لم تكن تأبه قطّ لجرح مشاعر المسلمين والمسيحيين واليهود (بسبب سخريتها من مقدساتهم).
بيد أنَّني - وعلى العكس من جميع الزملاء الصحفيين - لم أفسِّر على الفور وبصورة رئيسية هذا الهجوم في باريس باعتباره هجومًا على القيم الديمقراطية الأساسية، بل باعتباره هجومًا على المسلمين. وعندما أدركت ملاحظتي المختلفة هذه، بدأت أشكّ في قدرتي على التمييز. ولم ترِحني سوى حوارات مع أمثالي، فقد أدركت أنَّني - كصحفية ذات أصول مسلمة - لست الوحيدة بأفكاري هذه:
وبعد فترة قصيرة من هيمنة هذا الهجوم على نشرات الأخبار في جميع وسائل الإعلام، باتت لديّ فكرة أخرى مفادها: أنَّ نظريات المؤامرة سوف تنتشر في الأوساط الإسلامية. وهكذا كانت الحال أيضًا! حيث شاعت في شبكات التواصل الاجتماعية مزاعم تفيد بأنَّ المسؤول عن هذا الهجوم هو جهاز المخابرات الإسرائيلية، وأنَّ هذه الاغتيالات تم تلفيقها للمسلمين. أمَّا أنَّ هناك صحيفة جادة افتتحت عددها الصادر يوم الأحد بنظريات المؤامرة التي يتحدَّث حولها المسلمون، فهذا لا يدهشني أقل مما يدهشني اتِّهام الموساد بالوقوف خلف هذه الاغتيالات.
ليس لأحد الحقّ في الحكم على حياة الآخرين
اثنا عشر شخصًا قتلوا في هذا الهجوم وذلك بسبب… أجل، ما هو السبب يا ترى؟ هل لأنَّ هناك أخوين كانا متَّفقين على عدم السماح بالسخرية من الإسلام وعدم السماح بجعل النبي محمد موضوعًا للضحك؟ أجل ولمَ لا؟ فكيف ولماذا تنشأ مثل هذا الحساسية العالية فيما يتعلق بالدين؟ لديَّ أسئلة أكثر من الأجوبة.
لا أعلم ما الذي كان يدور في رأسيّ الشقيقين عندما كانا يخططان لهذا الهجوم، وما الذي دفعهما في الواقع إلى مثل هذا العمل. فأنا لست طبيبة نفسية ولا توجد لديَّ قدرة على التنبُّؤ ومعرفة الغيب، كما أنَّني لست خبيرة في شؤون الإرهاب. لذلك فسأترك التفسيرات حول دوافعهما وخلفياتهما للمختصين، بيد أنَّني أريد الكشف هنا عن مشاعري وأفكاري.
دين يدعو إلى محبة الآخرين والرحمة
لقد تم نقل الإسلام لي من قبل والداي وفي المسجد باعتباره دينًا يدعو إلى محبة الآخرين وإلى الرحمة. حتى وإن كان من الممكن العثور في القرآن الكريم على ترخيص للانتقام والقتل: فأنا سوف لن يخطر على ذهني أن أقتل الناس، حتى وإن كنت سوف أتمكَّن من إيجاد آلاف الأسباب التي من الممكن أن تُبرِّر ذلك.
وعقلي يقول لي إنَّني لا أملك الحقَّ لأقرِّر مَنْ يستحق أن يعيش ومَنْ لا يستحق ذلك. فما الذي يميِّزني عن الآخرين الذين يجعلون أنفسهم قضاة؟ ولماذا يعتبر هؤلاء الأشخاص متوحشين إلى هذا الحدّ، بحيث أنَّهم يلجأون إلى استخدام السلاح باسم الله؟ ومَنْ الذي يقوم بتحريضهم؟ ولماذا يفعل مشعلو الحرائق الفكرية ذلك؟ وبالتالي مَنْ الذي يستفيد من فظائع المسلمين المفترضين؟
ومن جديد أسئلة أكثر من الأجوبة! لا بدّ من أن تكون هناك قوى لا تريد لنا - نحن المسلمين والمسيحيين واليهود وغير المؤمنين (الملحدين) - أن نعيش مع بعضنا البعض في سلام. ولا بدّ من أن تكون هناك قوى تريد الصراع بين الثقافات وبين الأديان، مهما كان السبب...
على مستوى واحد
وبناءً على ذلك فمما لا شكّ فيه بالنسبة لي: أنَّنا نحن المسلمين ضحايا الإرهاب الإسلاموي، وتتم مطالبتنا مرة أخرى بأن ننأى بأنفسنا عن أعمال العنف المُقترفة باسم الله. وضمن هذا السياق فأنا أشعر بالغضب من ممثِّلي الجمعيات والاتِّحادات الإسلامية ومن المسلمين الحريصين وظائفهم الذين يدَعون أنفسهم يُساقون ويفعلون ما يُنتظر فعله منهم: أي أن ينأوا بأنفسهم صراحة كمسلمين عن هذه الأعمال.
ولذلك فأنا أشعر بالانتهاك واليأس وألجأ إلى استخدام "سلاحي"، أي الكلمة لكي أوجِّه هذا النداء لكم: لا تدَعوا المحرِّضين يخدعونكم، ولا تخلطوا بيننا نحن المسلمين وبين المُضلل بهم، بل ميِّزوا وفرِّقوا وانظروا إلينا على مستوى واحد، بصفتنا أفرادًا! ولا تقوموا باختزالنا في ديننا ولا في قيمة فائدتنا للمجتمع. ولا تسمحوا بأن يتم تقسيمنا لأسباب أيديولوجية وسياسية حزبية، وأن يصل مشعلو الحرائق الفكرية على كلا جانبي الجبهة إلى هدفهم.
جنان توبتشو
ترجمة: رائد الباش
حقوق النشر: قنطرة 2015
جنان توبتشو صحفية ذات أصول تركية مسلمة، تركِّز اهتمامها منذ أعوام عديدة على قضايا الهجرة والاندماج والإسلام في ألمانيا. وتعيش في مدينة هاناو الألمانية وتعمل لصالح وسائل إعلام مختلفة.