دعوة إلى إسلام متعدد القيم

Muslim men stand around several tables eating food together.
مسلمون في "مؤتمر السلام الإسلامي" التابع لجماعة الأحمدية في أغسطس/آب في راينلاند-بفالز بألمانيا. (Photo: picture alliance/dpa|T. Frey)

يشير تيسيو لا ماركا إلى أن النقاش حول قضايا الإسلام في ألمانيا عالق بين طرفين متطرفين. ويرى أن المزيد من التمييز والتفصيل في النقاش يمكن أن يسلب المتطرفين أرضًا خصبة. ومع ذلك، للأسف، لا يفي المؤلف دائمًا بالمعايير التي يطالب بها بنفسه.

مقال: جيداء نورتش

هل يعتبر الإسلام جزءًا من ألمانيا؟ أم ينتمي إليه المسلمون فقط؟ وهل يمكن الفصل بين الأمرين؟ وما هي مظاهر الدين الإسلامي المرغوب فيها بألمانيا؟ هذا النقاش قديم قدم التواصل الأول للألمان غير المسلمين بالعالم الإسلامي، وقد اكتسب زخمًا متزايدًا في العقود الأخيرة.

يُدلي الصحفي النمساوي تيسيو لا ماركا بدلوه في هذا النقاش الآن عبر مساهمة جديدة، ففي كتابه "النقاش المغلوط حول الإسلام وتداعياته" يتناول النقاش الدائر حول الإسلام في ألمانيا، ويُخضعه، كما يشير العنوان الفرعي لكتابه، إلى "اختبار الواقعية".

يشير لا ماركا إلى أن النقاش يشوبه الكثير من الخلل، إذ يظلّ محصورًا بين رؤيتين متطرفتين: أحكام مسبقة معادية للإسلام من جهة، ومحاولات تسطيح حسنة النية من جهة أخرى، فلا مكان فيه للوسطية. وهكذا يوفّر هذا النقاش أرضًا خصبة ينمو فيها التطرّف الإسلامي، وتتوارى الأصوات العاقلة، ويهيمن صانعو الرأي المتشددون على النقاش الداخلي بين المسلمين.

ويقول لا ماركا إن ألمانيا لم تتعلم بعد "كيف تتحدث عن الإسلام بطريقة نقدية ومحترمة في الوقت نفسه"، ومن هنا يدعو إلى اتباع نهج ثالث، ووجهة نظر متباينة: "تكون ودّية وبعيدة قدر الإمكان عن الأحكام المسبقة، من دون أن تغفل في الوقت نفسه الحقائق المقلقة داخل الإسلام".

Book cover by Teseo La Marca black book cover with orange, white, and green lettering
(Photo: Westend Verlag)

أسئلة قديمة – إجابات معروفة

يتبع المؤلف، الذي ذكر في كتابه أنه اعتنق الإسلام لأسباب براغماتية بالأساس – نهجًا شخصيًا. تحمل صفحات الكتاب في طيّاتها مشاهد تصويرية، أحيانًا طريفة، حيث يروي لا ماركا معايشاته الخاصة مع العالم الإسلامي، وانطباعاته وتأملاته خلال رحلة بحثه التي قادته إلى إيران، ثم إلى "زيارة الأربعين" في العراق، وإلى العديد من المساجد في ألمانيا.

ويتألف الكتاب من ستة فصول ويركز على نقطتين رئيسيتين؛ في القسم الأول يسعى المؤلف للإجابة عن الأسئلة التي تؤرقه، باحثًا عن تفسيرات تاريخية وعقائدية لها. بيد أن هذه الأسئلة ليست جديدة في النقاش حول الإسلام ولا في الدراسات الإسلامية:

هل للتطرّف الإسلامي الأصولي حقًا علاقة بالإسلام نفسه؟ ولماذا يظلّ الإسلام عرضةً لتفسيرات لا تتوافق مع الديمقراطية والعلمانية؟ وهل يتوافق الإسلام الذي يُمارس في الواقع مع المجتمع المنفتح؟

لا تُقدّم إجابات لا ماركا أيّ جديد أيضًا. فهو يُؤكّد، -خلافًا لرأي العديد من المسلمين المعتدلين وغير المسلمين المؤيدين للإسلام في أوروبا-، أنّ للأصولية الإسلامية علاقةً بالإسلام.

وتهيمن التفسيرات الأصولية للدين على العالم بأسره اليوم، ووفقًا لما ذكره لا ماركا استنادًا إلى عالم الاجتماع رود كوبمانز، فإن المهاجرين ينقلون المشاكل الموجودة في بلدانهم الأصلية إلى الغرب أيضًا.

عدم مراعاة الاختلافات في الإسلام

يملك لا ماركا الحق في انتقاد جوانب مثل الوضع المزري لحقوق الإنسان، وغياب حرية الصحافة، وغياب الديمقراطية التي يعاني منها الناس في البلدان ذات الأغلبية المسلمة.

لكن في النقاش الدائر في ألمانيا، لا يمكن أن يكون هذا النقد كافيًا إذا لم يأخذ في الاعتبار التطورات السياسية أو الاجتماعية أو البُنى الأبوية لهذه المجتمعات، بل يُرجِع لا ماركا الاختلالات وكذلك تطرّف المسلمين في ألمانيا بالدرجة الأولى إلى الدين، مستعينًا في ذلك بترجمة غير معروفة للقرآن الكريم دون الإشارة إلى تقاليد التفسير، الذي يشكل مرجعية أساسية لفهم النصوص الإسلامية.

بينما ينتقد لا ماركا – عن حق – عدم مراعاة الاختلافات في الإسلام بألمانيا، فإنه لا يفي بما يطالب به هو نفسه؛ عندما يذكر في موضع آخر في الكتاب الأصولية الإسلامية في باكستان وإيران والمملكة العربية السعودية وتركيا ونيجيريا وأفغانستان في جملة واحدة، دون الخوض في الاختلافات بينها.

وكذلك عندما يطالب بنظرة من زاوية مختلفة للإسلام، ولكنه يكتب في الوقت نفسه عن "العقلية الإسلامية" التي ينسب إليها، من بين أمور أخرى، صفات مثل كرم الضيافة والكرم والتسامح ومحبة الجار.

المطالبة بإسلام أوروبي

دعوة لا ماركا إلى إصلاح الإسلام على الطريقة الأوروبية ليست جديدة، وهي في الوقت نفسه مثيرة للجدل. فقد بيّن الصحفي البريطاني كريستوفر دي بيللايغ أن عملية التحديث في العالم الإسلامي حدثت بالفعل، لكن الغرب لا يراها بوضوح بسبب تحيّز في نظرته التاريخية.

كما أن قول لا ماركا بأن النقاش الداخلي بين المسلمين قد توقف ليس بجديد أيضًا، ولا يمكن أن ينشأ إسلام اجتماعي وليبرالي إلا في أوروبا، هو أمر تحدث عنه عالم الاجتماع الألماني السوري بسام طيبي في مطلع الألفية. ويرى لا ماركا أن هذا مستحيل الحدوث حاليًا في البلدان التي نشأ فيها الإسلام تاريخيًا.

وصحيح أن الفيلسوف الفرنسي من أصول جزائرية محمد أركون قد طور كتابه "نقد العقل الإسلامي" في فرنسا، ولكن هناك أيضًا حركات جديرة بالذكر في البلدان ذات الأغلبية المسلمة، من بينها الحركة التي يقودها العالم الديني والاجتماعي التركي علي بولاج، الذي يحاول الجمع بين الإسلام والحداثة، وحركة "المسلمين المناهضين للرأسمالية" في تركيا، والالتزام الحالي للأئمة الإندونيسيين بحماية البيئة، بالإضافة إلى الحركة النسوية الإسلامية في تركيا. جميع هذه الحركات تشكل جزءًا من النقاشات الداخلية بين المسلمين في بلدانهم.

فصل نقاش الهجرة عن الإسلام

لكن لماذا لا يتميز النقاش الداخلي بين المسلمين في ألمانيا بالحيوية التي يمكن أن يتحلى بها؟ هذا هو موضوع القسم الثاني من الكتاب، وهو قسم أكثر تحديدًا ودقة.

يصف المؤلف بوضوح التحديات التي يواجهها المسلمون في ألمانيا، التي غالبًا ما تكون تغطية إعلامية منحازة حول هذا الموضوع، والمشاكل المتعلقة بحماية الدستور، والعنصرية الهيكلية في المؤسسات، والخطاب العام الذي يزداد ضيقًا، بالإضافة إلى إخفاقات وعبثية النقاش الذي يلتقي فيه اليسار المتطرف واليمين المتطرف.

يطالب لا ماركا بالحق في "إزالة الإسلام من النقاش حول الهجرة والاندماج، والتركيز على الاختلافات السياسية وليس الدينية"، لكنه يترك القرّاء يتساءلون عمّا إذا كان هو نفسه قد فعل ذلك في الفصل الافتتاحي من كتابه.

ورغم ذلك، يثري لا ماركا النقاش في ألمانيا من خلال طرحه في القسم الأول من الكتاب مجموعة من الأسئلة التي لا تزال مرتبطة بوقتنا الحالي، التي لا يمكن مناقشتها إلا من خلال تبادل الحوار المستمر. 

وفي القسم الثاني، تقدم اقتراحاته خارطة طريق ملموسة لما يمكن أن يكون عليه، كما يسميه، طريق "الهدوء اليقظ" لتعزيز وجود إسلام متعدد القيم.

وبينما ينتقد لا ماركا عن حق الفهم العقائدي والسياسي للدين – ويمكن أن نضيف: الفهم الأبوي للدين على مستوى العالم – فإنه يتمنى أن يكون هناك تعليم عام عن الإسلام أكثر انتشارًا وترسخًا بين الناس، سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين.

قنطرة ©