هل دخل الكتاب المغربي خريفه المقفر؟
كانت نتيجة فيها شيء من الغواية، وجانب من السريالية، حين تسلم ماهي بنيبين في 6 تشرين الثاني/ نوفمبر من العام الماضي بفندق المامونية، ذلك الفندق المغربي الأسطوري الفاتن، الجائزة الأدبية التي أطلقها الفندق حديثاً عن روايته "ملاك سيدي مامون"، والتي تدور أحداثها في الأحياء الفقرية من الدار البيضاء وتتناول قصة انتحاريي اعتداءات 16 أيار/ مايو 2003. وتسلط الرواية الضوء على تناقض ليس غريباً عن المغرب.
وليس لأن المرء لا يتمنى النجاح لبنيبين، الحاذق الطيب القلب، في بلده، والذي باتت تُعرض لوحاته منذ وقت طويل في متحف غاغينهايم للفن الحديث بمدينة نيويورك. ومن الطبيعي أن يبدو حتى الطاهر بن جلون نفسه، الحائز على عدد أكبر من الجوائز، متأثراً للغابة، حينما حصل في الرباط عام 2010 على أول جائزته الأدبية المغربية الأولى، وهي جائزة الأركانة العالمية للشعر. لكن من المدهش أن كل الكتاب تقريباً المرشحين لجائزة المامونية نشروا أعمالهم في دور نشر فرنسية، وقد يتساءل المرء هنا كيف تطمح المامونية إلى دعم الأدب المغربي، إذا لم تكن هناك دور نشر مغربية مشاركة فيها.
كتاب من دون قارئ؟
من جانب آخر نجد أنفسنا أمام سؤال آخر: لماذا يجب أن ينجح الفندق الفاخر في تحقيق ما تعجز عنه تماماً وزارة الثقافة المغربية والسفارة الفرنسية منذ عقود طويلة؟ صحيح أن الجوائز الأدبية التقليدية لكلتا المؤسستين، فجائزة المغرب للكتاب الحكومية تُمنح منذ عام 1986، والسفارة الفرنسية تمنح الجائزة الكبرى للأطلس للكتاب منذ عام 1991، وفي الغالب لكتاب تُنشر أعمالهم في المغرب، لكن هذا وجده لا يكفي لتعزيز سوق الكتاب المغربي بإصداراته التي لا تتجاوز الألفين سنوياً وقلة عدد نسخها، إذ نادراً ما تتجاوز نسخ الإصدار الجديد حاجز الألف نسخة.
وعلى الرغم من تنظيم معارض عالمية للكتاب في طنجة والدار البيضاء، إلا أن كبار الناشرين عبد القادر رتناني (دار نشر ملتقى الطرق La Croisée des Chemins) ورشيد شرايبي (دار مرسم للنشر) وليلى الشاوني (دار الفنيق للنشر) يشكون الخمول الحكومي، فليس هناك أي دعم مالي ما يدفع متاجر الكتب إلى إغلاق أبوابها، كما لا توجد إحصائيات شفافة لسوق الكتاب، وذلك على الرغم من أن وزير الثقافة المغربي الحالي بن سالم حميش كاتب هو الآخر.
ناهيك عن البنية التحتية المتهالكة، فعوضاً عن الأربعة آلا مكتبة الموعودة، لا يوجد على أرض الواقع من هذا العدد سوى 500 مكتبة عامة فقط. وحتى في مدن المغرب الكبيرة، التي يتجاوز عدد سكانها المليون نسمة، لا يوجد أكثر من 10 إلى 12 متجراً للكتاب، وفي الغالب لا يعتمد أصحابها على أرباحها فقط في معيشتهم. متاجر الكتب مثل "كليلة ودمنة" في الرباط أو "Carrefour des Livre" في الدار البيضاء كانت تبدو حتى وقت قريب كواحات لمتعة القراءة وسط صحراء من الأمية.
يقول الكاتب المغربي أحمد بوزفور إنه يشعر بالخجل من حكومة بلاده العاجزة ومن تدهورها الثقافي والاجتماعي والاقتصادي. وكان بوزفور قد رفض في عام 2002 بوزفور جائزة المغرب للكتاب في صنف الإبداع،التي قدمتها له وزارة الثقافة المغربية وتبلغ قيمتها 7000 دولار، احتجاجاً على ما وصفه بتردي الأوضاع السياسية والاقتصادية والثقافية في المغرب. ويتساءل بوزفور: لماذا يتم منح جوائز عن كتب، لا تُباع، لأن نصف المغاربة عاجزون عن القراءة والكتابة، وترتفع النسبة في المناطق الريفية لتصل إلى تسعين بالمائة بين النساء؟
عن قوافل الناس وقوافل الكتب
ومنذ ذلك الوقت تم بذل جهود جبارة، من أجل الحد من معدلات الأمية المرتفعة. وبمناسبة يوم العلم العالمي في الثامن من أيلول/ سبتمبر اجرت وسائل الإعلام المغربية موزانة عن واقع الأمية في المغرب: فمنذ عام 2003 تم تعليم خمسة ملايين مغربي من أصل 32 مليون خارج إطار المدرسة، وكشفت هذه الأرقام أن 68 في المائة من المغربيين بات يمكنهم الآن القراءة والكتابة، وترتفع النسبة بين الفئة العمرية 15 إلى 24 عاماً، لتصل إلى 84 في المائة.
ولم يكن للدولة المغربية أن تنجح في تحقيق ذلك وحدها، من دون معونة البنك الدولي والمؤسسات الثقافية والسفارات الموجودة في الرباط وآلاف المنظمات غير الحكومية، التي تبلور فيها النشاط الاجتماعي للطبقة الوسطى الأكاديمية. وفي طليعة هذه الطبقة تأتي الناشر المراكشية جميلة حسون، التي بدأت منذ عام 1996 بملء سيارتها الرينو بالكتب وزيارة المدارس القروية في جبال الأطلس الكبير. وفي عام 1999 أطلقت بالاشتراك مع المرنيسي مبادرة "القافلة المدنية". وفي عام 2006، وهو العام الذي منحت فيه منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "اليونسكو" المغرب جائزة كونفوشيوس للمشاريع التعليمية المبتكرة في المناطق الريفية- أطلقت مبادرة "قافلة الكتب": رحلات استكشافية للكتاب والفنانين ولتربويين في قرى المناطق الجبلية أو الواحات الصحراوية البعيدة، وتقدم هذه الرحلات الاستكشافية ورشات عمل في القص والرسم والكتابة والمسرح.
ويمكن للقارئ أن يكون الآن صورة عن حجم المواهب التي تقف خلف هذه المساعي: صدر عن دار نشر كينتسلباخ صدر مجلد فاخر بخطوط جميلة تحت عنوان "أمثال مغربية عربي-ألماني"، وما هذا الكتاب إلا ناتج عرضي لدورات محو الأمية للنساء المغربيات، المدعومة من مؤسسة زاكورة للتعليم. ويوضح هذا العمل بشكل واضح للغاية كيف يمكن أن يكون العمل الاجتماعي متلازماً مع تقدير الثقافة الشعبية والتنمية الفنية الفردية.
مسابقات أدبية متنوعة
في موازاة ذلك أُطلقت بين عشية وضحاها تقريباً مجموعة من الجوائز الأدبية الجديدة، جوائز تشجيعية موجهة في المقام الأول للكتاب الشباب، تمنحها قنوات تلفزيونية ودور نشر ومؤسسات ثقافية ومجلات وحتى بعض المصارف. في عام 2002 أطل بيت الشعر أولى الجوائز للشعر العربي، وفي عام 2005 تبعته مجلة تيلكيلTel Quel، هي أسبوعية مغربية باللغة الفرنسية، بجائزة القصة القصيرة، وفي عام 2006 أطلقت القناة المغربية الثانية جائزتها للكتاب الشباب في الآداب العربية والفرنسية والأمازيغية.
وفي دار مراسم صدر المجلد الرابع من Côté Maroc: Nouvelle Noire: وهو ناتج مسابقة للقصص البوليسية، يجريها المعهد الثقافي الفرنسي في مراكش منذ عام 2007. وفي عام 2010 أطلقت المجلة الأدبية المغربية Magazine littéraire du Maroc بالتعاون مع المعهد الثقافي الفرنسي في طنجة جائزتين أدبيتين وورشة عمل للكتابة الإبداعية، وهما: جائزة للقصة القصيرة المكتوبة بالفرنسية، والتي فازت بها الكاتبة المغربية وصال عبد اللاوي الأندلسي عن قصتها "البرنس" Le Bournous. وجائزة كبرى لأفضل رواية باللغة الفرنسية أو العربية أو البربرية، والتي منحها الروائي المغرب الطاهر بن جلون شخصياً في المكتب الوطنية الجديدة في الرباط.
ثقافة شبابية نابضة بالحيوية
يطلق المغاربة على هذه الدينامكية الجديدة، التي عمت الوسط الفني الشبابي منذ تسعينات القرن الماضي وانتقلت الآن إلى الأدب، تسمية "موفيدا": فباتت تقام المهرجانات والصالونات الأدبية على مختلف أنواعها، كما بدأت تنتشر أيضاً المقاهي الأدبية، وهي موضة جديدة، أطلقتها المغربية-الفرنسية كنزة الصفريوي في نيسان/ أبريل 2009.
وعلى الرغم من أن البرامج الأدبية في وسائل الإعلام تعتبر قليلة للغاية، لكن مقابل ذلك بات يوجد عدد أكبر من المؤلفين والكتب، وإضافة إلى ما قُيل سلفاً، قامت مجلة Magazine littéraire du Maroc، وهي أقرب المجلات الأدبية للقارئ المغربي، بتجربة، بدأت باللغة الفرنسية في بادئ الأمر، ومن المقرر أن تتبعها قريباً نسخة عربية وأمازيغية فيما بعد.
إن النص على اللغة الأمازيغية في الدستور المغربي، كان في تسعينات القرن الماضي ضرباً من الطوباوية البحتة، حين كانت عقوبة السجن تهدد كل من يدافع عن ثقافة البربر. لكن في 17 تشرين الأول/ أكتوبر 2001 تم إنشاء المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية. وفي هذا المركز أُطلقت عام 2005 أولى الجوائز للإبداعات في الأدب الأمازيغي، وذلك بعد تثبيت أبجدية تيفيناغ، وهي أبجدية قديمة تستخدم في شمال إفريقيا بين الأمازيغ والطوارق.
وعلى حين غرة بات أن يكون للمرء أصولاً بربرية، من الأشياء اللائقة، ومنذ الاستفتاء على الدستور في الأول من تموز/ يوليو 2011 أصبح ذلك الاصطلاح، الذي يعتبره نصف سكان المغرب جزءا من لغته الأم، منصوصاً على في الدستور: لغة رسمية إلى جانب اللغة العربية. لكن ماذا بشأن النصف الآخر من سكان المغرب؟ أليس بعيداً عن العربية الفصحى في واقع الأمر، ولا يتحدث سوى اللجة المغربية الدارجة، وهي خليط من العربية والبربرية مطعم بكلمات فرنسية-إسبانية، قاسية على المصف، لكنها قريبة إلى روح متحدثيها من العامة واحتلت وسائل الإعلام من خلال النصوص الدعائية وموسيقى الراب ومنتديات الإنترنت.
لكن الجائزة الوحيدة حتى الآن لأعمال مكتوبة بالدارجة هي "بلدي بلدنا"، التي أطلقتها الأمريكية إلينا برنتس عام 2006، وهي ناشرة من طنجة، تصدر منذ عام 2002 جريدتها الأسبوعية المجانية "أخبار بلدنا" وتلقى رواجاً كبيراً، لأنها تقرب بين جانبي الهوة بين المتعلمين وأشباه الأميين بشكل كبير. يوسف أمين العلمي، الأمين العالم لنادي القلم المغربي أصدر في جريدة إلينا برنتس عام 2006 أول نص أدبي بالمغربية الدارجة، وهي رواية "تقرقيب الناب" (ثرثرة).
إشكالية الازدواجية اللغوية
في الثاني من تشرين الأول/ أكتوبر تم منح جائزة المامونية الأدبية للمرة الثانية، ومن جديد كان المرشحون فقط من الكتاب المغاربة الذين ينشرون أعمالهم بالفرنسية، ومن بينهم أيضاً فؤاد العروي عن مقاله le drame linguistique marocain " "الدراما اللغوية في المغرب"، والتي يدعو فيها إلى زيادة الاهتمام باللغة الدارجة، وللاعتراف بها لغة وطنية وتدوينها بحروف لاتينية، كما أجمع مجتمع الإنترنت المغربي منذ زمن طويل. وقد يكون هذا نهاية لوضع ازدواجية اللغة المعرقل، وثورة حقيقية- بموازاة المطالب رفعها بالنسبة للجزائر بوعلام صنصال، الفائز بجائزة السلام الألمانية لهذا العام في مقالته Postlagernd: Algier.
لكن كما قل اكتشاف مقال صنصال غير التقليدي في الجزائر، قلت توقعات أن تعالج لجنة تحكيم المامونية، المكونة من ممثلي الفرانكفورتية من السنغال وحتى كيبيك الكندية، بهذه المشكلة الأكبر بين مشاكل العربية. وعلى الرغم من ذلك أثبتت لجنة التحكيم شجاعة، فقد كانت الجائزة من نصيب الكاتب المغربي الراحل محمد لفتح (1946-2008) عن روايته الحادية عشر "المعركة الأخيرة للكابتن نعمت" Le dernier combat du Captain Ni’mat، التي تصور بوح أحد أبطال الحرب المصريين في خريف العمر بمثليته الجنسية على نحو شجاع بشكل غير معهود، وبتجسد لغوي ممتاز، وشاعرية كبيرة، وهروبه من غيتو برجوازية المجتمع القاهري. وهنا كانت رغبة في وضع إشارة، كما قالت الجنة التحكيم، ضد الاضطهاد وعدم التسامح وجنون الذكورية المبالغ فيه. وهذا يعد أيضاً مساهمة في الربيع العربي بالتأكيد، الذي يناسب صورة مراكش بلا ريب.
ريغينا كايل-زاغافه
ترجمة: عماد غانم
مراجعة: هشام العدم
الحقوق: قنطرة 2011
ريغينا كايل-زاغافه: ناشرة ومترجمة في مدينة هايدلبيرغ الألمانية، متخصصة بالثقافة المغاربية. كما تعد أحد المبادرات في التوأمة بين هايدلبيرغ والصويرة المغربية.