رحلة فوتوغرافية في ربوع الماضي

افتتح في إمارة الشارقة معرض "محور الشرق" الذي يضم ما يزيد عن مائتي صورة فوتوغرافية تاريخية من العالم الإسلامي كله. هذه الصور قام بالتقاطها مصورون أوروبيون في نهاية القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين وهي تتنوع بين العمارة الشرقية ومناظر الحياة اليومية. غيورغ أوسنباخ يعرفنا بهذا المعرض وموجوداته.

يتمهل الشيخ عبد الله بن سالم القاسمي أثناء تجوله في أروقة المعرض. بعناية يتأمل كل صورة من صور الشرق التاريخية البالغ عددها 225 صورة، ويصغي إلى كل ما يقوله المقتني توماس فالتر، ثم يبدي ملاحظاته. لقد افتتح الشيخ لتوه - وهو الرجل الثالث في الإمارة المطلة على الخليج العربي – معرض "محور الشرق" في متحف الشارقة للفنون.

"لماذا صور بوغول الصياد العجوز مع صقرين؟"، يتساءل الشيخ. هذا وضع غير معتاد، ولعله مصطنع. فالتر يومئ موافقاً. قبل مائة عام أو مائة وخمسين عاماً – عندما التقطت هذه الصور في المنطقة العربية – كان فن التصوير أمراً شاقاً يتطلب انتظار طويل لضبط الإضاءة. لم تكن الواقعية هي التي تتصدر اهتمامات المصورين الأوروبيين.

إمارة الشارقة هي الإمارة الثالثة في اتحاد الإمارات العربية، غير أنها لا تتمتع بالثراء الباذخ الذي تتمتع به الإمارة الجارة دبي، ناهيك عن إمارة أبو ظبي التي تمتلك أكبر حقول احتياطي البترول في الإمارات العربية. ويحكم الشارقة منذ عام 1972 الشيخ سلطان بن محمد القاسمي ذو الحس الفني المرهف الذي درس في مصر وإنكلترا ونال درجتي دكتوراه. طويلة هي قائمة المؤلفات التي نشرها الشيخ، وهي تبين اهتمامه المتنوع بالتاريخ السياسي والاجتماعي للبلدان المطلة على الخليج العربي. ومن بين ما نشر كتاب عن الأساطير التي تحوم حول القراصنة في الخليج العربي.

صور خالية من البشر في الكرنك والأقصر وأبو سمبل

الابنة شيخة حور قاسمي هي المختصة بالفنون التشكيلية في الشارقة، وهي تتلقى المشورة من بريغيته شينك، المختصة بالمعارض الفنية من مدينة كولونيا. تقوم شينك منذ سنوات بعرض لوحات الفن التشكيلي المعاصر في الإمارات، ومن آخر تلك المعارض بينالي الشارقة الذي فتح أبواب الترشح له أمام الفنانين منذ فترة قصيرة.

حققت العارضة سَبقاً كبيراً بعرضها لمجموعة فالتر التي تُعرض على الجمهور لأول مرة: ربما يثير الانتباه خبر إنشاء فرع لمتحف غوغنهايم و متحف اللوفر في أبو ظبي ويتسبب في عناوين ضخمة في الصحف، ولكن العودة إلى التراث الثقافي العربي هو تكملة مهمة لهذا الصعود الصاروخي نحو الحداثة. قبل خمسين عاماً كان المرء يرى في دبي الأكواخ الطينية لغواصي اللؤلؤ، أما اليوم فإن أبصار الزائر تنجذب إلى الأبراج والفنادق التي يبلغ ارتفاعها 800 متر. وهناك مشروع آخر تحت التخطيط سيبلغ ارتفاع البرج فيه 1000 متر.

بعد عشرين سنة من اختراع الفوتوغرافيا حدثت تطورات كبيرة في فن التصوير. المصور الشاب ماكسيم دو كامب كانت بحوزته آخر التطورات التقنية عندما صاحب عام 1849 الأديب غوستاف فلوبير في "الرحلة إلى الشرق" التي استغرقت عاماً ونصف عام. بينما كان فلوبير ينظر إلى الناس نظرة دقيقة، كان دو كامب يركز بصره على الطبيعة والمعالم التاريخية. في صور المعابد الفرعونية في الكرنك والأقصر وأبو سمبل لا يكاد يظهر بشر، وإن ظهروا يكونون مجرد "كومبارس" حتى تبدو للرائي النسب الهندسية للمباني. كان المصور يحتاج إلى وقت طويل جداً لضبط الإضاءة قبل أن يلتقط الصورة – وبالطبع كانت الأهرامات تستطيع الانتظار دون أن تحرك ساكناً.

الصور الفوتوغرافية كتذكارات سياحية

في عصر كان الأدب والتأريخ يجسد الجمود الفكري والأزمة الحياتية في وسط أوروبا، أثارت الصور الأولى التي جاءت من الشرق موجة من الحماس. كان التشوق والحنين إلى الغرابة والروحانية في المنطقة التي شهدت مهد الديانات السماوية الثلاث يدفع برجال عديدين لأن يضطلعوا بمهمة توريد مثل تلك الصور إلى الجمهور المتعطش لها.

اختار الفرنسي فيلكس بونفيل بيروت ليستقر فيها. كان يلتقط الصور في البداية وحده، وبمرور الوقت درّب مصورين آخرين أخذوا يصورون بأسلوب بونفيل. أما الثمرة فتم نشرها في فرنسا، وفي الغالب كان يتم نقش هذه المناظر على لوحات من الصلب. كان بونفيل يبيع الصور التي يلتقطها للمدن والأشخاص في المقام الأول كتذكارات للسياح الذين كانوا يتدفقون بأعداد كبيرة إلى الأراضي المقدسة. في عام 1860 استقر المصور البرليني هامرشميت في القاهرة. تخصص المصور في اللوحات الكبيرة التي تصور الشوارع والميادين، وبعضها معروض ضمن مجموعة فالتر المعروضة في الشارقة.

التوجه التجاري للمصورين – صور "مصنوعة"

أحد المصورين الذين هجروا المدينة آنذاك قام برحلة حاملاً معه أمتعة تزن حوالي 1000 كيلوغرام: آلة التصوير الضخمة، المواد الكيميائية الكثيرة والألواح، خيمة خاصة يستخدمها كغرفة تحميض. المصور الذي كان يستطيع أن يأخذ معه كل هذه الأدوات كان يكتشف عالماً مجهولاً. وربما تكون النساء السافرات اللائي يدخنّ علناً – كما التقط بوغول صورهن – بالفعل اكتشافاً بالنسبة للمشاهد في الشارقة التي يسود فيها منع التدخين منعاً باتاً.

أما المصور البريطاني فرانسيس فيرث فكان ذا توجه تجاري، استطاع أن يحول ما التقطه من صور فاقت الخمسمائة في مصر وفلسطين من عام 1857 حتى 1859 إلى كتب مصورة ناجحة؛ على خلاف هنري بيشار الذي أثار فضوله أبناء الطبقة العاملة من السكان، من سقائين وحمالين. إنها صور تبدو للرائي اليوم "قريبة" للغاية. بالطبع تم اختيار الأشخاص ووضع التصوير بعناية فائقة، غير أن ذلك لا ينتقص من قيمتها الوثائقية.

قضى توماس فالتر سنوات طويلة في أسواق الأشياء المستعملة وفي محلات الأنتيكات ولدى جامعي التحف حتى استطاع أن يجمع هذه الصور المعروضة في الشارقة والتي يبلغ عددها 225 صورة، أما مجموعته الكاملة فتضم عشرة أضعاف هذا الرقم.

العالم المنقضي ما بين مراكش ودمشق

وفالتر نفسه يمارس مهنة التصوير، وهو يقول إن السحر الذي ينبعث من العالم الشرقي قد اجتذبه أثناء الدراسة في سنوات السبعينيات. آنذاك قام برحلات بـ"الأتوستوب"، من سويسرا إلى الصحراء الكبرى وإلى المغرب. ويقول فالتر إنه تأثر كثيراً بدفء الناس هناك، والطبيعة الرحبة التي لا تحدها العين.

سواء كانت الصور ناجمة عن الفضول التاريخي والثقافي لمصوري تلك الفترة، أو نابعة من الحس التجاري لناشري البطاقات البريدية، أو نتيجة النظرة الكولونيالية السطحية على الأشياء: المهم هو أن يتعرف الناس في الإمارات على العالم القديم الذي كان يعيش فيه العرب، من مراكش حتى دمشق. هذه هي رسالة المعرض في رأي هشام المظلوم، مدير إدارة الفنون في دائرة الثقافة والإعلام، والخبير الفني والمحرك الفعلي للمشهد الثقافي في الشارقة.

وعموماً: إن الصور المعروضة في المعرض أنتجت فناً معاصراً، وبالتالي فهي تستحق العرض في المتاحف - الآن على أقصى تقدير، مثلما ترى بريغيته شينك من مدينة كولونيا التي تولت الإشراف على المعرض وتصميمه. والأفضل أن يتم شراء الصور وأن تبقى في الشارقة. لن يمانع فالتر ذلك، إذ أن جمع الصور الفوتغرافية هَوَس مكلف للغاية.

على كل حال فقد بدا على الشيخ عبد الله، ابن أخ الحاكم، الإعجاب البالغ بالمعرض. لم يهتم أحد من المصورين آنذاك بالإمارات العربية الاهتمام الكافي. هذا صحيح. لم يتغلغل مصور في القرن التاسع عشر حتى الإمارات. يريد الشيخ عبد الله أن يلتقط الصور للشارقة حتى يعبر الناس عن دهشتهم بعد 200 عام، ويبدون إعجابهم بها كما تبدو اليوم.

غيورغ أوسنباخ
ترجمة: صفية مسعود
حقوق الطبع: قنطرة 2008

معرض صور "محور الشرق" في الشارقة مفتوح للجمهور حتى يناير (كانون الثاني) 2009.

قنطرة

"الانتماء"-عنوان الدورة السابعة لبينالي الشارقة الدولي للفنون التشكيلية:
واحة للثقافة في صحراء الإستهلاك
في دورتها السابعة تُعْرَضْ بينالي الشارقة أعمال سبعين فناناً من أربعين دولة، في مركز اكسبو وفي متحف الشارقة للفنون، وتعرض بعض الأعمال فرادى في الفضاءات الشبه رسمية لمساحات المتحف. تقرير صاموئيل هورتسوغ.

إصدار جديد
"بدون" – منبر لجيل الفنانين الصاعد
غلاف العدد الأول من "بدون" "بدون" اسم مجلة ثقافية جديدة تُعنى بفنانين شرق أوسطيين يعيشون في المنطقة أو في المغترب. وتهدف إلى جمع المواهب الفتية والتعريف بأعمالهم. يوسف حجازي تحدث مع عليا ريان إحدى محررات هذا الإصدار الجديد.

روز عيسى تتحدث عن صفقة "اللوفر" مع أبو ظبي:
مركز عالمي جديد للثقافة في الخليج
عقد متحف اللوفر مؤخرا صفقة بالملايين مع أبو ظبي. لكن النقاد في فرنسا يخشون أن يؤدي ذلك الى تصفية تراث الأمة. المنسقة المستقلة والناقدة الفنية روز عيسى ترد على هذه المخاوف في حديث صحفي أجراه معها لويس جروب.