واحة للثقافة في صحراء الإستهلاك
في دورتها السابعة تُعْرَضْ بينالي الشارقة أعمال سبعين فناناً من أربعين دولة، في مركز اكسبو وفي متحف الشارقة للفنون، وتعرض بعض الأعمال فرادى في الفضاءات الشبه رسمية لمساحات المتحف. تقرير صاموئيل هورتسوغ.
كان تركيز الدورات الخمس الأولى لبينالي الشارقة منصباً تماماً على أشكال الفن الكلاسيكية والمحلية، وعلى رأسها فن الرسم والتصوير. لكن ذلك تغيّر في عام 2002 عندما عُيِّنَتْ سمو الشيخة حور القاسمي، إحدى بنات الأمير، مديرةً للبينالي.
وكانت الأميرة حور قد تخرجت من كلية "سليد" للفنون الجميلة في لندن، ونظمت العديد من المعارض قبل عملها في البينالي. فشغلت الى جانب بيتر لويس مهمة القيَّم العام (Curator) لبينالي الشارقة السادس في العام 2003 وأحدثت تعديلات على برنامج المعرض أدى لإنفتاحه، ليتناول أساليب أحدث، مثل فن التركيبات Installation والفيديو والتصوير الفوتوغرافي والعروض الحية (Performance) وفنون الإنترنت.
ولم يكن هدف الدورة السادسة أن ترقى بمستوى البينالي فحسب، بل أن تعلن عن إنطلاقة شاملة لـ "عهدٍ جديدٍ للفن المعاصر في منطقة الخليج".
بينالي عالمي
بقي السؤال مفتوحاً: هل استطاعت الدورة السادسة للبينالي أن تفتتح بالفعل، بفنانيها المائة والعشرين من أكثر من عشرين دولة، عهداً جديداً؟ لكن مع احتفالات افتتاح الدورة السابعة، بلغت بينالي الشارقة، على كل حال مستويات البينالي العالمية.
فكان تعيين جاك برزيكيان، الفلسطيني المقدسي ذا الشهرة العالمية الفائقة، قيَّماً عاماً على المعارض، حيث حقق بالإشتراك مع كين لوم وتيرداد زلغدر معرضاً جمع أعمال فنانين مشهورين عالمياً، مع مساهمات من المنطقة بأسلوب ماهر، واتخذ المنحى المعتاد للبينالي، البعيد نوعاً ما عن التيارات الفنية الكبيرة.
تداخل الفن بالتاريخ
كما ويتلاءم موضوع المعرض مع المعايير العالمية، إذ يتسم بالإلتزام ولكن مع المحافظة على العمومية بذات المقدار أيضاً، بحيث يترك للقيَّمين على المعرض حيزاً واسعاً من الحرية.
"في هذه اللحظة التاريخية وفي هذا المكان، يسعى بينالي الشارقة، بإنتقاءه لـ "الإنتماء" شعاراً، لمعالجة مسألة تداخل الفن بالتاريخ، ولكيفية إشتغال الفنانين في فضاءاتنا، من أجل تمكيننا من التفكير المتعدي للحدود الثقافية وللتباينات القائمة بيننا".
هذا هو لسان حال البيان الرسمي. وتتجلى أيضاً في تصريحات أخرى بين الفينة والأخرى، موضوعات عامة عن الهوية والهجرة، تحمل صبغة التعقيدات المحلية كما جرى تناولها، في السنوات الأخيرة، في إطار المعارض الكبيرة المختلفة.
ربط شائك لكن متناسق
بغض النظر عن الربط الشائك لمواضيع متباعدة، نسّق جاك برزيكيان، بكثير من الإحترام لكل عمل فني بمفرده عرضاً يمكن مقارنته بندّية كاملة، مع أي معرض آخر من هذا النوع. حيث تُعْرَضْ أعمال حوالي سبعين فناناً من أربعين دولة تقريباً، في مركز اكسبو الفخم وفي متحف الشارقة للفنون، كما وتعرض بعض الأعمال فرادى في الفضاءات الشبه رسمية لمساحات المتحف.
ويتشكّل القسم الأكبر منها من منحوتات أو تركيبات تعيد تشكيل الفراغ، ومن عروض فيديو متعددة وعروض فوتوغرافية تركيبية. وعُرض جل الأعمال منفرداً، في أركانٍ أو فراغاتٍ منفصلة تقريباً، إلا ما ندر. ويحول هذا فعلياً دون التأثير والتأثر المتبادل للمساهمات بين بعضها البعض، بيد أنها تتمكن في المقابل من أن تتجلى بجوانبها المتعددة.
رصد التغييرات المكانية
أما العدد الكبير للأعمال التي تناولت بشكل مباشر أو غير مباشر أوجه محلية فيبدو مثيراً للدهشة، نظراً لأن موضوع البينالي لم يكن ملزماً للفنانين. ولم يقتصر التنقيب الإختباري الفني في الخليج على المساهمين المحليين بل تعداه ليطال الفنانيين من مناطق أخرى.
فتناولت سلسلة كبيرة من الأعمال التغيرات السريعة في صور طبيعة منطقة الخليج. يُبْدي محمد كاظم من دبي، بصوَره المعروضة في صناديق مضاءة، كيف تقزم ناطحاتُ السحاب المنبثقة من الأرض حجم الإنسان على سبيل المثال.
ويروي اوتوبونغ نكانغا من نيجيريا، برسوماته كيف تذكِّره "دبي لاند" بإلحاح بـ "ديزني لاند". ويُظهر فؤاد الخوري من باريس، من خلال صور معلقة بجانب بعضها البعض، أن العوالم المعمارية الخيالية لدبي ولاس فيغاس لا يمكن أبداً تفرقتها عن بعضها البعض بسهولة.
أما ما يمكن أن يطرأ على الأبنية الفخمة إذا ما نفذت ذات يوم ثروات الغاز والبترول، فيُُطِلُّ من الصور الفوتوغرافية للفنانة الفرنسية آن مري فيليير، حيث قامت بتصوير مبان عالية مهجورة أو لم يتم إكمال بناءها في فلسطين.
حياة سرية
وتُذَكِّر الفنانة الجامايكية ناري وارد، التي صنعت منحوتة "بيت طير الشارقة"، مستخدمةً مواسير العادم الصدئة، بفوضى السير الدائمة التي سببتها أيضاً مليارات البترول في المنطقة (وبشكل غير مباشر في كافة أنحاء العالم).
وتصوِّر مينيرفا كويفاس من المكسيك، عبر جدارياتها، كيف أن ازدهار البناء في الخليج يهدد أيضاً حياة الحيوانات المحلية. وصوَّر السويسري بيت سترويلي بورتريهات كثيرة في المنطقة، مشيراً بذلك بشكل غير مباشر إلى أن حوالي ثمانين بالمائة من سكان الإمارات العربية البالغ عددهم أكثر بقليل من ثلاثة مليون نسمة هم من الأجانب، وأغلبهم عمال وافدين من الهند أو باكستان.
أيضاً الفنانون السويسريون الآخرون في هذا المعرض استلهموا من المكان بشكل مباشر أو غير مباشر: بيتر شتوفل، سان كلر، كريستوف بوشل وجيوفاني كارمينه، كوم وكوم و كذلك السويسرية المولودة في ايران شيرانا شاهبازي.
اليوم الغاضب
وتتطرق الفنانة الايرانية غزال لموضوع شرق أوسطي في مشاهد فيديو، حيث تصور نفسها، مرتدية التشادور، أثناء تأديتها لأدوار متعددة في عروض حية مختلفة. فمرة تلعب الكريكيت بالمطرقة أو ترمي بصحناً باتجاه الجدار، وتارة تضفي على وجهها زينة مثل نقوش الحرب مستخدمةً أحمر الشفاه في عملها "اليوم الغاضب"، أو تهز بخارطة للعالم لتبرِّد نفسها شيئاً "احتباس حراري".
روايات غنية بالرموز عن الحياة السرية تحت الثوب الأسود، هذا الزي الموحِّد لكل شيء.
صحراء الإستهلاك
كان عمل الألماني اولاف نيكولاي "قيد التنشيف"، من أكثر الأعمال البصرية اللافتة في المعرض، ففي شارع خلف المتحف مباشرة شد مابين جدران المبان حبالاً لنشر الغسيل وعلّق عليها سراويل وأغطية طاولات وجرابات و قمصان، معيداً الصورة التي نراها في أزقة بلدان الأبيض المتوسط.
ويخلق نيكولاي بهذا الإقتباس من كتاب ايطاليانيتا للشوق الكبير، مطابقة غير معقولة لمصابيح الشوارع في الشارقة، المصنوعة على شكل شمعدانات الشارع الباريسي شامب إليزيه. تماماً كحال هذا البينالي الذي يصطبغ بنمط غربي واضح رغم التلوينات المحلية.
وهذا ما يترك أثراً مفهوماً ومألوفاً وموثوقاً به. بينالي الشارقة هو واحة للثقافة في صحراء الإستهلاك البراقة في الخليج الفارسي. ولكن بعد الترحال المتعطش عبر عالم الفن، يكاد المرء أن يكون خائباً للظن، إذ يصل المرء مرة أخرى إلى مجرد واحة.
صاموئيل هرتسوغ
ترجمة يوسف حجازي
حقوق طبع النسخة العربية قنطرة 2005
صدر المقال في صحيفة نيوه تسورشر تسايتونغ
قنطرة
منى حاطوم
من يزور معرض الفنانة البريطانية الفلسطينية الأصل منى حاطوم يجد نفسه وكأنه يتحرك على أرض غامضة. ومن أجل التعرف على تجربتها الفنية أجري أورس شتاينر وصاموئيل هرتسوك معها الحوار التالي
"بدون "-منبر لجيل الفناني الصاعد
بدون" اسم مجلة ثقافية جديدة تُعنى بفنانين شرق أوسطيين يعيشون في المنطقة أو في المغترب. وتهدف إلى جمع المواهب الفتية والتعريف بأعمالهم. يوسف حجازي تحدث مع عليا ريان إحدى محررات هذا الإصدار الجديد
التجربة المشتركة لجدار برلين والحرب الأهلية
عرض عشرة فنانين ألمان أعمالهم في بيروت تمحورت حول تجربة مدينتين عاش سكانها انقساما سياسيا ولّى ظاهريا. حسين بن حمزة زار المعرض وكتب لنا التقرير التالي.