بدوية تطوف ما بين المغرب وأوروبا
ولدت هذه الفنانة الأمازيغية التي يبلغ عمرها ثلاثين عامًا في جنوب المغرب، في مدينة خريبكة، وهي تصف نفسها بأنَّها بدوية أصيلة، وتقول: "منذ نعومة أظافري كنت أسافر مع وأبي وأمي عبر البلاد، وبالتالي كنت في كلِّ يوم أحفظ كلَّ أنغام الموسيقى المغربية من أغناني النساء البربريات وأغاني الكناوة وحتى موسيقى الروك. وكذلك كنت مولعة بموسيقى الطوارق وبالموسيقى المصرية وكنت أحب خاصة موسيقى بوليوود". وفي هذه السيمفونية كان صوت أمِّها أساسيًا - وذلك لأنَّ الغناء يعتبر عند البربر من اختصاص النساء، وفي كلِّ عائلة توجد على الأقل امرأة تغنِّي.
الإعجاب "بسيِّدات الأمزجة الحزينة"
وزهرة هندي تقول بحيوية وانفعال إنَّ هذه الجذور منحتها في طريقها قدرًا كبيرًا من ثقتها بنفسها، هذه الثقة النسوية والداخلية والقوية في الوقت نفسه. وهكذا أيضًا فإنَّ جميع الأشخاص الذين ينالون إعجابها هم من النساء، مثل إيلا فيتزجيرالد، والمطربة المصرية الكبيرة أمّ كلثوم وكذلك أعجوبة البيرو الغريبة، يما سوماك Yma Sumac ذات الصوت خماسي الطبقات. "وجميعهن يعتبرن سيِّدات الأمزجة الحزينة"، مثلما تقول زهرة هندي مؤكِّدة.
وفي سن مبكرة انتقلت زهرة هندي إلى باريس. وكانت تعي تمامًا أنَّها تريد الانسلاخ عن الوطن، من أجل التعرّف على ثقافات أخرى. غير أنَّ ذلك لم يكن سهلاً، مثلما تتذكَّر وتقول:"من الصعب بالنسبة لكلِّ من يذهب إلى المنفى توطيد قدمه في الوطن الجديد، وخاصة إذا كان المرء في مقتبل عمره؛ في حين أنَّ البالغين يكونوا مستعدين عقليًا أكثر للتغيير. ولكن عندما يقدم المرء على هذه الخطوة في سن المراهقة، فإنَّ ذلك يطغى عليه مثل مفاجأة كبيرة. وبالنسبة لي كان الاعتياد على مدينة كبيرة صعبًا، لأنَّني لم أكن أعرف إلاَّ السفر".
وطن في مكان ما
ولأنَّها نشأت كفتاة بربرية في بلد تسود فيه الثقافة العربية ويتم فيه استخدام اللغة العربية وليس اللغة البربرية، فإنَّ ذلك كان يمنحها دائمًا شعورًا يُشعرها قليلاً بأنَّ الوطن في مكان ما. ولكن هذا الشعور سهَّل عليها أيضًا التكيّف في كلِّ مكان - وكذلك في باريس. وفي البدء كانت تغنِّي في باريس، وكان صوتها يسمع في الخلفية. وتقول متذكِّرة: "لقد كنت حقًا أشعر بالإحباط لأنَّني لم أكن أعمل إلاَّ مع موسيقيين غربيين. وفي ذلك أدركت ما هو حجم الثراء الموجود في داخلي. وكنت أريد رفع ثقافة وطني الغنائية إلى مستوى آخر، والعمل بآلات موسيقية أخرى، وخاصة بالبيانو والغيتار الكهربائي، وكنت أرغب في خلق مثل هذا المزيج والربط من خلال ذلك بين عناصر موسيقية مختلفة".
والآن تعرض هذه المغنية الشابة في ألبومها الجديد "صناعة يدوية" (Hand Made) نتائج اكتشافها لذاتها. ويضم هذا الألبوم مجموعة أغاني بلوز بربرية وأغنيات قصيرة مذهلة، اعتمدت على موسيقى الجاز الخاصة بفترة الثلاثينيات والأربعينيات، ويتم أداؤها باللغتين البربرية والإنكليزية.
بحارة يبحرون في رحلة إلى المجهول
ومجلة "Wire" الإنكليزية وصفت أغنيتها المميَّزة، "تانغو جميل" (Beautiful Tango) بأنَّها تمثِّل تقاطعًا بين جانغو راينهارت Django Reinhardt وبيلي هوليداي Billie Holiday. وزهرة هندي تعلّق بقولها وهي تبتسم: "أوافق على ذلك، فالإيقاع يعتمد بكلِّ وضوح على التصفيق براحات اليدين الخاص بالبربر. ولكن موسيقى البلوز الخاصة بالبربر لها صلات بموسيقى الغجر الرحَّالين في فرنسا، ولا عجب من ذلك لأنَّ كلا الشعبين من البدو الرحّل. كما أنَّ موسيقى الجاز القديمة هي التي سحرتني منذ الطفولة وأثَّرت علي. وبالنسبة لي يعتبر موسيقيو الجاز بحارة يبحرون في رحلة إلى المجهول، وأنا أيضًا أبحر في هذه الرحلة بصوتي".
وأغنيات هذا الألبوم الأحد عشر تعتبر عفوية للغاية وذات طابع غير رسمي، كما أنَّها تبدو أحيانًا مثل رسومات منمنمة صغيرة وأحيانًا مثل تراتيل في الليل. وزهرة هندي تحب بالإضافة إلى ذلك الموسيقى التي تنشِّط الرؤى والأحاسيس؛ وعلى سبيل المثال من المفترض أن تعكس أغنية "Set Me Free" أجواء الليل في الصحراء عندما ينظر المرء في سكون الليل إلى السماء وينعم النظر والتأمّل في الطبيعة البشرية وفي معنى الحياة.
ومثلما تقول زهرة هندي فإنَّ الغيتار الكهربائي يحمل المرء إلى النجوم. ولكن في المقابل هناك أغنيات أخرى تعالج موضوعات محدَّدة، مثلما هي الحال على سبيل المثال في أغنيتها "Oursoul" (وهي كلمة بربرية يمكن أن تكون بصورة عشوائية أيضًا إنكليزية)، وهذه الأغنية تتحدَّث بقدر كبير من التعاطف حول الزواج القسري.
وقد تم إنجاز ألبومها "صناعة يدوية" في أستوديو كبير، وذلك من أجل تطوير الطبيعة الحرفية في التسجيلات؛ إذ إنَّ الموسيقيين يعملون من دون شكّ بأيديهم، وبالتالي هم حرفيون، على حدّ قول زهرة هندي التي ينتظم صوتها الماكر طائفًا بين طبقات النغمات إلى جوقات رائعة في بعض الأغنيات، مثل أغنية "أصدقاء قدامى" (Old Friends) وأغنية "لا تنسى" (Don't Forget).
وبكلِّ تأكيد تقول زهرة هندي: "أنا أتخيَّل التوزيعات الموسيقية وشكل النغمات. والألحان تظهر في وعيي، من دون أن أفعل شيئًا كبيرًا من أجل ذلك، وأنا أعمل بصورة غريزية من دون كتابة أي شيء". وهكذا فإنَّ زهرة هندي التي تطوف متنقلة بين المغرب وباريس وبروكسل ولندن، تبقى إذن في عملها في الأستوديو امرأة بدوية.
شتيفان فرانتسن
ترجمة: رائد الباش
حقوق الطبع: قنطرة 2010
قنطرة
الفنانة الجزائرية الأمازيغية حورية عايشي:
سفيرة الأغنية الشاوية وعاشقة الفرسان الأسطوريين
تعمل الفنانة الجزائرية الأمازيغية، حورية عايشي، في مشروعها الموسيقي الجديد على نقل التقاليد البربرية القديمة بجرأة إلى عصرنا الحديث. شتيفان فرانتسين تحدَّث إلى هذه الفنانة الموسيقية في فرنسا حول فنها ومسيرتها الموسيقية.
الهيب هوب الجزائري:
ثورة على الصمت
الهيب هوب باعتباره ثقافة شباب احتجاجية حاضر اليوم في معظم المدن الجزائرية الكبرى. ولا يزال همُّ موسيقيي الراب الجزائريين حتى اليوم هو الاحتجاج العلني على الأوضاع السياسية المزرية وكسر حاجز الصمت. تقرير أريان فريبورز
رواية للكاتب المغربي محمد خير الدين:
وقائع أسطورة مغربية
ظهرت الآن باللغة الألمانية آخر رواية كتبها الكاتب المغربي محمد خيرالدين تحت عنوان "صراعه الأخير". رواية تدور أحداثها حول شخصية أغون شيش الأسطورية وتزخر بالذكريات الشخصية والذاكرة الجماعية. مراجعة للرواية كتبتها رغينا كايل.