"الصحراء تطالب بأن يراها الناس بأساليب جديدة"
مناظر صحراوية خلابة، وتراكيب صخرية طبيعية ضخمة وفيما بينهما أعمال فنية كبيرة بألوان وبأشكال صارخة. لقد كان معرض صحراء إكس العلا الفني في الهواء الطلق -والذي أقيم في المملكة العربية السعودية- أكثر من كافٍ لإرضاء التخيلات الصحراوية الأكثر جموحاً لدى الجميع. وفي نسخته الثالثة -التي أقيمت في الفترة بين 9 شباط/فبراير إلى 23 آذار/مارس (2024)- قدَّم المعرض -الذي أقيم سابقاً في أمريكا- سلسلة من الأعمال التركيبية المثيرة للعواطف في صحراء وادي الفن.
يقول مارسيلو دانتاس، القيِّم الفني المشارك على معرض صحراء إكس مع مايا الخليل: "كانت هذه المنطقة من العالم مهجورة نسبياً لفترة طويلة جداً، لذلك لم نفسرها فنياً. أود القول إنه في أي مدينة في العالم، سيشكِّل أي جبل من هذه الجبال رمزاً، وهنا لدينا المئات منها".
وكان الموضوع الذي اختاره القيِّمان هو "في حضرة الغياب"، وقد تمكنا من تحقيق توازن بين فنانين عالميين وسعوديين وإقليميين. تقول مايا الخليل: "كان هدفنا التركيز على الصحراء وكل ما تحتويه. فهو منظور يتمحور حول المناظر الطبيعية وليس حول الإنسان، مما يجعل استخدام اللغة مستحيلاً".
وتضيف مايا الخليل أنَّ الفنانين المدعوين قد كافحوا من أجل التعامل مع آثار الصحراء: "تفشل التصورات البشرية عند التفكير في النطاق الزمني والقوى التي شكَّلت هذا المشهد الطبيعي. فهذه القوى لا يمكن تصورها بالنسبة لنا نحن البشر. الصحراء تجبرنا على رؤيتها بطرق جديدة".
ومن الأمثلة: عمل كالين عون التي تناولت "مسألة ما لا يمكن رؤيته" على حد تعبيرها، فمن خلال الحد الأدنى من التدخُّل بصقل الحجارة على الأرض أنشأت دائرة حجرية أكثر إشراقاً: "أردتُ إنصاف المناظر الطبيعية وبالنسبة لي فإنَّ الصقل هو عمل حماية".
ويرى مدير معرض الصحراء إكس -القيِّم الفني البريطاني نيفيل ويكفيلد- أن هذا المعرض -بنسخته في العلا- عبارة عن فصل جديد من تاريخ الفن الإقليمي، والذي سيتوسَّع في السنوات القادمة، ويقول: "تتمثَّل رؤيتنا في أن نصبح المهرجان الأكثر شهرة في العالم للفن في المناظر الطبيعية".
ويدرك المدير تماماً التزام الحكومة السعودية بالتغيير الكامل لصورتها. وفي الواقع في السنوات الثلاث الماضية كانت البلاد -التي كانت مغلقة أمام السياحة حتى الوباء- تستثمر بشكل كثيف في الفنون.
تحوُّل كامل
الشيء الوحيد الأكثر جاذبية من خيال الصحراء تغيير الحياة، وهذا بالضبط ما تشهده المملكة العربية السعودية. وبدلاً من تحدي اليوتيوب "غير حياتك في ستة أشهر" للأفراد المتعطشين للتنمية الذاتية، فإنَّ هذا التحدي عبارة عن "تغيير اقتصاد البلاد بالكامل في 10 سنوات".
ويُطلق على المشروع الطموح لولي العهد محمد بن سلمان اسم "رؤية 2030"، وقد أُطلِق في نيسان/أبريل من عام 2016، بوصفه خطة استراتيجية لتحقيق ثلاثة أهداف متشابكة: "تنويع الاقتصاد السعودي بعيداً عن النفط، وتحديث المجتمع بما يتناسب مع التقاليد الثقافية وتعزيز مكانة المملكة عالمياً.
والقطاع الثقافي من بين الأكثر تأثراً بهذا التغيير: معرض صحراء إكس العلا هو المحور، إلى جانب العديد من الفعاليات الأخرى الموازية؛ مهرجان النحت، وبينالي الدرعية بالقرب من الرياض، وبينالي الفنون الإسلامية الذي سيقام العام المقبل في جدة، والعديد من المبادرات الصغيرة والكبيرة التي تملأ التقويم الفني والثقافي السعودي.
تقول مؤسِّسة معرض الصحراء إكس (ديزرت إكس)، سوزان ديفيس، والذي انطلق لأول مرة في وادي كوتشيلا في كاليفورنيا/الولايات المتحدة الأمريكية: "منذ بدايته في عام 2020، لعب معرض صحراء إكس دوراً أساسياً في تسليط الضوء على العلا بوصفه موقعاً فنياً راسخاً، عمل على جذب جماهير محلية ودولية على مدى السنوات القليلة الماضية، نحن نقدم فرصة لا مثيل لها لتجربة الفن المعاصر بالحوار والتفاعل مع الطبيعة".
إثارة للجدل حول النسخة الأولى
بينما أطلِق معرض صحراء إكس لأول مرة في وادي كوتشيلا في كاليفورنيا في عام 2017 أثارت نسخته الأولى في السعودية جدلاً منذ البداية. قوبل الحدث بانتقادات شديدة من الصحافة الدولية وقاطعه الكثير من المجتمع الفني الدولي.
أدت المخاوف بشأن حقوق الإنسان وحرية التعبير والسياق السياسي السعودي العام إلى استقالة ثلاثة أعضاء من مجلس إدارة صحراء إكس (ديزرت إكس) البالغ عددهم 14 عضواً في عام 2019، وهم الفنان إد روشا ومؤرخة الفن يائيل ليبشوتز والمصممة تريستان ميلانوفيتش. وبعد ثلاث سنوات حصل المهرجان على إجماع شبه كامل من عالم الفن الدولي.
وجدت ريبيكا آن بروكتور -مؤلفة كتاب "الفن في المملكة العربية السعودية: اقتصاد إبداعي جديد؟"- أنَّ النسخة الأخيرة نجت من الجدل، تقول: "كانت النسخة الأولى إشكالية للغاية، وقاطع المجتمع الفني الدولي الحدث، وأشار فنانون سعوديون إلى أنهم ليسوا آلات دعاية. بينما كانت النسخة الثانية أكثر هدوءاً بالفعل، كانت الصحافة الدولية موجودة، وفي هذه النسخة الثالثة لم أسمع عن أي جدل على الإطلاق".
حتى أنها رصدت صحفيين من مجلات كانت لديها في السابق سياسة عدم تغطية المملكة العربية السعودية: "لقد حدث تحول كبير على مدى السنوات القليلة الماضية. كان الناس متشككين حقاً، بيد أنهم الآن يأتون ويتفاعلون مع البلد".
بالنسبة لبروكتر، فيعود ذلك بشكل أساسي إلى الأنشطة الثقافية العديدة في المملكة، تقول: "من المهم بالنسبة للاستراتيجية السعودية عدم التركيز فقط على رفع مستوى عمل الفنانين السعوديين والشعب السعودي من خلال الفن والثقافة. إنهم يدعون أيضاً فنانين عالميين إلى المملكة العربية السعودية. لذلك يوجد حوار حقيقي بين الثقافات. وأعتقد أنَّ هذا ما ساهم في التغيير".
في نهاية المطاف يمكننا أن نرى كيف يبدأ المجتمع الفني الدولي بالنظر إلى المملكة العربية السعودية على أنها أرض الإمكانيات اللانهائية. بالطبع ضمن حدود ما هو ممكن ثقافياً في بلد لا يتوافق بشكل قاطع مع الغرب فيما يتعلق بالقوانين والحقوق والثقافة، ولكنه مهتم جداً بالمشاركة في عالمه الفني.
إنَّ رغبة المملكة العربية السعودية في دخول الاقتصاد العالمي وعالم الفن على وجه التحديد يمكنها تشجيع هذه السلوكيات والممارسات غير المقبولة على الاختفاء من البلاد. ومن ناحية أخرى يقدِّم عالم الفن الغربي التنازلات على أمل أن تتوافق البلاد بشكل متزايد مع القيم الإنسانية.
يقول أحد الزائرين: "في عالم الفن المحروم من التمويل، من الطبيعي اتجاه العالم إلى من يعتقد أنَّ الفن يمكن أن يُحدِث تغييراً. يصحِّح السعوديون الآن خطوتهم، وتغير الثقافة طريقة نظرهم إلى العالم، وتمنحهم وجهات نظر جديدة".
ويدرك بعض الفنانين المحليين تماماً الفجوة الموجودة بين المملكة العربية السعودية قبل بضع سنوات فحسب، والدولة اليوم. على الرغم من أنَّ الأعمال الفنية في معرض صحراء إكس لا تتناول ذلك فإنَّ الفنانين جميعاً مُطَّلِعُونَ حتماً على هذه التجربة الجديدة تماماً لبلدهم والانفتاح غير المسبوق.
تقول فلوة ناظر من جدة بينما تقف أمام عملها "جسر في وسط اللامكان" المستوحى من هيكل عظمي متحجِّر لثعبان: "نشأنا في "السعودية السابقة"، سمعنا الكثير من القصص حول الجن، وهو مخلوق أسطوري يسكن المناطق الصحراوية مثل العلا، ويمكن أن يتخذ شكل ثعبان".
تختتم الفنانة حديثها قائلةً: "عبر مقاربة الجسر/الثعبان تمنيت أن يشعر الزوار وكأنهم يسيرون عبر رحلة من الظلال. إنها استعارة للتغلب على الرحلة المظلمة".
نعيمة موريلي
ترجمة: يسرى مرعي
حقوق النشر: موقع قنطرة 2024