المقاهي الثقافية بجدة ـ مقاهٍ بطعم الثقافة ورائحة الأدب
في جدة تشكل المرافق الثقافية ملجأ ومأوى لكل من يهتم بخلق جو ثقافي مثالي ولكل من يفضل عالم الكتب والنقاشات الثقافية. ووجود المقاهي الثقافية في البلاد العربية ليس بالأمر الجديد، فمصر احتضنت العديد منها على رأسها مقهى ريش ومقهى الفيشاوي. واحتضنت مقاهي بيروت، عاصمة الثقافة العربية، العديد من مثقفي العرب وشكلوا من خلالها صورة تحكي مميزات عصرهم. والآن تأتي جدة لتعيد هذا التراث العربي بوجود أكثر من مقهى ثقافي فيها وهو ما شكل تغيرا ملحوظا من خلال استقطاب الشباب المهتم بالقراءة والثقافة والفكر. وتعتبر مساهمة الشباب من الجنسين خطوة ملفتة، خاصة في ظل سيطرة التيار الديني والاجتماعي المتشدد.
ملجأ ثقافي آمن
وترى الأكاديمية والصحافية أميرة كاشغري أن المقاهي الثقافية "أشبه بالمؤسسات المدنية، والتي تدل على ثقافة المدينة التي تحتويها، وهي من الأماكن الأساسية التي لابد أن تحتوي عليها المدن الكبرى بالذات، وجدة احتضنت مثل هذه المقاهي وأرى بأنها ظاهرة مهمة لابد من تبنيها ودعمها". ويشاركها بالرأي رائد صالح، منسق ثقافي بأحد المقاهي الثقافية، بالقول: "هدفنا الأول هو توفير مكان للشباب، يجمع بين تنمية العقل وقضاء وقت ممتع. كما ننظم ندوات داخل المقهى لما يساهم في نشر التوعية والتثقيف".
وتهتم المقاهي الثقافية بخلق حلقة وصل بين النخبة المثقفة والشباب الذي يسعى للثقافة. فوجود قاعة للندوات في كل مقهى يعتبر مطلبا أساسيا في المقاهي بشكل عام. وتتنوع المواضيع المطروحة في هذه المقاهي بين تطوير الذات واللقاءات الفكرية والفنية والأدبية. فأحد المقاهي يسجل لديه أعلى برامج تطوير الذات من خلال لقاءات مختلفة، في حين يأتي الآخر في المرتبة الأولى في مناقشة القضايا الفكرية والدينية، وإقامة محافل لتوقيع الكتب للكتاب ودعم الكتاب الصغار في طرح أفكار كتبهم والاستفادة من المكان ببيعها من خلاله .
الشباب غيّر مفهوم الثقافة
وساهمت المقاهي الثقافية في إيجاد نخبة من الشباب المثقف، وعن هذا تقول أميرة كاشغري في حوار مع دويتشه فيله "غيرت هذه المقاهي مفهوم الثقافة لدينا، فجدة مثلا لديها النادي الأدبي الرسمي ولكن يوشك أن ينعدم وجود الشباب فيه، لسبب بسيط أن التعامل مع الثقافة لدى الشباب اختلف عن النخبة القديمة من المثقفين. وبدأ الشباب يتعامل مع الثقافة من خلال الندوات والأفلام واللقاءات الأدبية وليس من خلال قراءة الكتاب فقط، وهنا تأتي المتعة التي ساعدت على استمرار الشباب في الحضور والعطاء بعيدا عن الروتين". وتقول فاطمة نقيب، وهي منسقة ثقافية: "لدى الشباب طاقة كامنة تحتاج لمن يوفر لها الجو المناسب لإخراجها. فمن خلال المقهى وجدنا مكانا نتعلم ونكبر فيه وننمي ثقافتنا من خلاله أيضا. وجود البرامج المتنوعة في الطرح تساعد على تنوع الأفكار ووجهات النظر، وهذا من صالح مجتمعنا".
وترى الإعلامية حنين بغدادي بعض المزايا التي لابد من توفرها في المقاهي الثقافية فتقول في حديث لدويتشه فيله: "الكتاب والمكان المناسب للقراءة هما أهم الخصائص المتوفرة في المقاهي الثقافية، إضافة إلى حضور الندوات واللقاءات الثقافية ومناقشة كل طرح ثقافي جديد، بما يثري رواد المقهى بشكل عام. لم تعد الثقافة شيئا مملا يقتصر على الكتابة والقراءة. هناك أمور مؤثرة أخرى أيضا توفره لي هذه المقاهي بحضور مهتمين من الشباب متقاربي التفكير والمختلفين في أسلوب الطرح، بما يدعم التنوع والاختلاف". وتذهب الطالبة الجامعية بشائر بن سميدع في نفس الاتجاه وتقول: "يعتبر الحفاظ على الأجواء المناسبة كالهدوء، من أهم ما يجب تقديمه في هذه المقاهي، إضافة إلى الحفاظ على الخدمة المناسبة لروادها".
مساهمة الفتاة السعودية
ويؤكد المنسق الثقافي رائد صالح بأن المرأة هي الأكثر حضوراً في المقاهي الثقافية وتضيف "المرأة موجودة بكثافة في الملتقيات والندوات. ومن خلال عملي في التنسيق الثقافي وجدت أن المرأة مبادرة ومشاركة في كثير من اللقاءات".
وتضيف أميرة كاشغري أن دور "المرأة في التغيير كبير جدا في مجتمعنا وذلك يتضح من خلال تواجدها في المحافل رغم الصعوبات التي تواجهها من رفض لوجودها. فمن تجربتي وجدت العديد من النساء والشابات قادرات على مناقشة الفكر والثقافة بشكل مبهر ويدل على أن التغيير في مجتمعنا سيكون على يد المرأة لو آمنت بذلك. ووجودها في المقاهي الثقافية واضح من خلال التنظيم والتنسيق وإقامة الندوات وغيرها من المحافل الثقافية الشبابية".
المقاهي الثقافية والصعوبات الاجتماعية
تواجه المقاهي الثقافية بجدة صعوبات تكمن في الأنظمة والتصريحات الرسمية، فوجودها جديد على المجتمع السعودي. فمن ضمن الصعوبات التي أثار جدل حولها، هو التصريح للأفراد بإقامة الندوات، في الوقت الذي تحرص عليه مراكز التدريب بشكل عام على انتقاء المدربين أو المتحدثين للجمهور، ولعل هذه المساحة من الحرية جعلت تقبلها للشباب أكثر من غيرهم. ومنعت هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بجدة لقاء من اللقاءات الفكرية التي تقام في المقاهي الثقافية بجدة، وما أثار ضجة في الأوساط الشبابية وأثر على نسبة ارتياد المقهى. وتقول عن ذلك منسقة اللقاء يومها فاطة نقيب: "مواجهة النشاط الثقافي بهذا المنع لا يجدي. فلدى الشباب طاقات لابد من إخراجها في أماكن قادرة على استثمارها. أثر المنع فترة، ولكنه في آخر الأمر ساعدنا على مواجهة ذلك لمعرفة الإجراءات التي يمكن اتخاذها. سيظل الشباب المحرك الأساسي لهذه المقاهي".
بيان الجهني ـ جدة
مراجعة: أحمد حسو
دويتشه فيله 2012