"العالم لا يريد نساء صاخبات"

أمل المثلوثي تؤدي عرضاً بفستان وردي اللون.
آمال المثلوثي خلال مشاركتها بمهرجان دورشلوفتن في برلين، 2024. (Photo: Lidia Edith)

لطالما عُرفت المغنية التونسية آمال المثلوثي كرمز للنضال خلال الربيع العربي في عام 2011. وبعد ألبومها الجديد "مرة"، تكشف في هذه المقابلة، عن إحباطها من التحيز الجنسي ضد النساء في مجال الموسيقى.

الكاتب، الكاتبة : عطيفة قازي

لقد أصبحتِ رمزًا للنضال من خلال الأغنية الشعبية "كلمتي حرة" خلال احتجاجات الربيع العربي في تونس في 2011، كما أُطلق عليك لقب فيروز الجيل الجديد، كيف يمكنكِ تصنيف موسيقاكِ؟

مازلت أحاول أن أجد إجابة على هذا السؤال، نظرًا لنشأتي ومكان ميلادي حتى جيناتي، فأنا دائمًا أشعر أنّ لدي أكثر من شخصية وهوية. لقد نشأت استمع إلى موسيقى بيتهوفن ومقطوعات موزارت، لذا أجد أن الموسيقى الكلاسيكية تُشكّل جزءًا مهمًا للغاية من تكويني وهويتي. 

هذا هو الجانب الغربي من شخصيتي. لكن في الوقت نفسه، هناك أيضا جزءًا مني يحاول التعرف على جمال آلاتنا الموسيقية التراثية وإيقاعاتنا. بالنسبة لي، كشخص يعيش في العالم العربي وشمال أفريقيا، لم يكن سهلًا أن تكوني بعيدة عن تلك التأثيرات، وأن تكوني مقبولة خارج التنميط الغربي للتونسيين العرب. لقد ألهمتني السيدة فيروز؛ لأنها استطاعت أن تمزج بين أنواع موسيقية مختلفة، وخلقت موسيقى حديثة عميقة ومثيرة في الوقت ذاته.

أمل المثلوثي ترتدي قفازات فضية وسماعة رأس أثناء البث المباشر لتلفزيون رووداو الكردي
اشتهرت المثلوثي، المولودة في العاصمة تونس عام 1982، خلال الربيع العربي عام 2011 بعد أغنيتها "كلمتي حرة". تعيش الآن في باريس، وتركز في غنائها على العدالة الاجتماعية وحقوق المرأة. كما تمزج موسيقاها بين الأصوات العربية التقليدية والأنواع الحديثة مثل الموسيقى الإلكترونية والميتال. (Photo: Picture Alliance / M. Masum)

كانت أول فرقة موسيقية أكونها لموسيقى الميتال، لشعوري بالميل لها وكذلك لموسيقى الروك، حيث يُمكنك أن تعبر عن المنبوذين والمتمردين الذين يقولون لا. يمكنني تصنيف موسيقاي بأنها موسيقى مقاومة أو ثورية. إذ تدعو كلمات الأغاني وسياقها وحتى إيقاعاتها إلى التحرك والتغيير.

هل تشعرين بمسؤولية التعبير عن رأيكِ من خلال موسيقاكِ، أم أنّ السياسة هي جزء متوارث في أعمالكِ، ما يجعل من الصعوبة الفصل بينها وبين نتاجكِ الموسيقي؟

لا أنظر للأمر على أنه مسؤولية، بل كأمر غريزي. كل عام يمر أتعلم المزيد عن شخصيتي. كنت دائمًا ما أشعر بضرورة تغيير الأشياء من حولي. نحن جميعًا نبحث عن هدف، عن سبب للحياة. وهدفي هو أن أصبح مفيدة لمن هم حولي، ومساعدتهم على فهم الحقيقة، والسعي لتحقيق مجتمع أكثر عدلًا.

نحن الآن نشهد أحداثًا من حولنا عنيفة وغير عادلة على الإطلاق في العالم. بالنسبة لي فإنّ صوتي وموسيقاي هي الوسيلة لطرح هذه الأحداث، في محاولة لتسليط الضوء على الحقيقة، وتحقيق التعاطف مع ما يحدث.

تغنين بعدة لغات ليس فقط بالعربية ولكن أيضًا بالإنجليزية والكردية أو الفرنسية. لماذا الغناء بلغات مختلفة؟

يرتبط الأمر بوجود تأثيرات عديدة. نشأت في تونس حيث نتحدث العديد من اللغات. كوننا على البحر الأبيض المتوسط، لدينا تاريخ من مختلف الثقافات والشعوب التي تمرّ عبر تونس. لغتنا في تونس هي العربية، ولكنها تتضمن العديد من الكلمات الأجنبية من التركية والفرنسية والإسبانية.

نحن أيضًا نتحدث اللغة الفرنسية، التي على الرغم من أننا لم نخترها، هي لغتنا الثانية وهي موجودة في المدارس وفي حياتنا اليومية. لا أغني كثيرًا باللغة الفرنسية، لأنها تبدو لي أكثر ملاءمة للأدب والشعر والكتابة بدلًا من الغناء.

بدأت الغناء باللغة الإنجليزية لأول مرة مع فرقتي لموسيقى الميتال. لم أكن أرغب في الغناء بالعربية، لأن الموسيقى العربية، بالنسبة لي، كانت مرتبطة بنوع معين من القمع، الناجم عن الديكتاتوريات في العالم العربي، بما في ذلك بلدي.

يمكن ترميز الموسيقى العربية إلى حد بعيد، وبما أنني لم آت من مدرسة موسيقية رسمية، لم أحب صورة المرأة وهي تغني على المسرح، حيث يقوم الرجال بالتأليف لها بينما هي تغني فقط وتتبع القواعد. أردت أن أكتب موسيقاي الخاصة. لقد كانت الحرية التي كنت أبحث عنها في الموسيقى.

 لكنك الآن تغنين بالعربية...

مؤخراً بدأت الغناء بها؛ لأن كلا من اللغة والموسيقى جميلتان. لكنني ابتكرت طريقتي الخاصة بالغناء بالعربية. فلن تجدني أغني بطريقة أم كلثوم أو فيروز. كوني تونسية، فإني أضفي لأسلوبي لمسة مختلفة. لدينا مزيج من التأثيرات الغربية والأفريقية، لهذا طورت أسلوبًا جديدًا للغناء والكتابة بالعربية، والآن عدت لدمج الإنجليزية بها.

Here you can access external content. Click to view.

ألبومك الحالي وهو الرابع يحمل اسم "مرة"، وتعني امرأة باللهجة التونسية، من إنتاج نسائي خالص. كيف حدث ذلك؟

لقد وقعت عقدًا مع شركة تسجيل، ولم يعرفوا بالضبط ما يجب فعله معي. لقد حاولنا العمل معًا، لكنهم اختاروا منتجًا لم يعجبني عمله. لقد تساءلت لماذا يجب أن يكون دائمًا منتجًا ذكرًا. فكرت، ماذا لو عملت مع منتجة بدلاً من ذلك؟ وعندما بدأت بالبحث حولي عن هذه المنتجة، كان الأمر بمثابة تحدٍ إلى حد ما. لكنني عنيدة، ورفضت تصديق فكرة كون المرأة غير قادرة على خوض هذا المجال مثل الرجال. واصلت البحث حتى وجدت من تتعاون معي واحدة تلو الأخرى، وأرى أنّ كل منهنّ قد تركت بصمتها الخاصة على ألبومي.

نحن مجموعة متنوعة، حوالي 30 سيدة من حوالي 20 دولة مختلفة بينها الصين، أما مساعدة المنتجة الرئيسية فكانت هندية-ألمانية، وأخرى نصف برازيلية. بالإضافة إلى مؤدية الرابر"ناعومي"، وهي عراقية-سويدية، وأخريات من أوكرانيا وإيران.

أحببت ذلك التنوع، حتى أنّ الفتيات بدأن بإلقاء النكات عن هذا الموضوع، وأطلقن على أنفسهنّ اسم "اتحاد ألوان آمال"، وأنا هكذا أرى الموسيقى.

تلك المرة لم أرغب في إظهار نفسي فقط، لأنك إذا اعتبرت نفسكِ ناشطة نسوية، فهذا ليس كافيّا لعرض صورة جميلة عن كونك سيدة مستقلة، ومبدعة وقوية. إن النسوية الحقيقية أشمل من ذلك، فهي تعني منح الفرص لسيدات أخريات، ومشاركة منصتك مع الأخريات.

ما مدى الإحباط الذي يمكن أن يحدث عند القيام بكل هذا وسط هياكل أبوية متحيزة جنسيًا؟ 

من وجهة نظري الساذجة، كنت أعتقد أن العالم سوف يندهش من حقيقة أنه ألبوم من صنع النساء بنسبة 100%، بمشاركة أكثر من 30 امرأة من جميع أنحاء العالم.

لكن لم يُحتف بنا في أيّ مكان، وهذا يلقي الضوء على مشكلة أكبر، وهي أن العالم لا يرحب بسيدات قويات صاخبات، بل يُفضل المرأة التي تشبه الرجل بتفكيرها. هناك الكثير من السيدات الرائعات ممن قمن بأعمال مدهشة وحققن تقدمًا ملحوظًا، مقارنة بما تحقق قبل عشر أو عشرين سنة، لكن رغم هذا المجهود والتقدم، إلا أنه لايزال غير كافٍ.

Here you can access external content. Click to view.

أدُرك أننا، دون وعي، لا نشعر دائمًا بالأمان عندما تكون هناك امرأة خلف المقود. لقد اعتدنا على رؤية موسيقيات، مثل عازفات الأوتار، لكن المنتجات ومغنيات الراب أقل شيوعًا، كما أن المنتجات ومغنيات الراب ذوات البشرة الداكنة أكثر ندرة. بالنسبة لي، كان من الضروري استخدام منصتي لضمان تمثيلهنّ.

فالنساء في مجال صناعة الموسيقى نسبتهم قليلة للغاية، وكذلك فرصهم للعمل بالمجال ضعيفة. ويصبح الوضع أكثر تحديًا للموسيقيات ذوات البشرة الملونة. ولقد تعاونت مع امرأة متحولة جنسيًا الذي يزيد الأمر الوضع تعقيدًا. إذ تواجه النساء غير ذوات البشرة البيضاء صعوبات في المجال، حيث الأمور لا تسير بتلك السهولة وهذه التعقيدات حقيقية جدًا.

في ألبومك قُمتِ بمزج ألوان موسيقية مختلفة مثل الروك والتراب الأفريقي، والريغاتون العربي والراب، فهل كان ذلك اختيارًا متعمدًا أم كان نتيجة التعاون مع فنانين مختلفين؟

تلقيت العديد من الانتقادات في السابق بسبب اختياري لموسيقى عميقة لألبوماتي. لذا أحب أن يكون كل ألبوم مختلفًا عما عُرض بالسابق. ولهذا الألبوم، اخترت أن يكون ألبومًا بطابع موسيقى البوب. كنت أرغب في تقديم شيء سهل الوصول إليه، رغم أنني لم أكن واثقة من معنى ذلك. بالنسبة لي "سهل الوصول" يعني وصوله إلى القلب. هذه المرة، أردت لعب أكواد موسيقية مختلفة، وكان لدي قائمة بأهم أغاني البوب المفضلة لدي.

كانت تايلور سويفت بهذه القائمة، وكذلك تشارلي إكس سي إكس، وكذلك "يي"، الذي كان معروفًا بكاني ويست، بالإضافة إلى مغنين آخرين. أدركت أنني لا أكره كل ما يتعلق بالتيارات الرئيسية للموسيقى.

أنا أحب مدى كفاءة بعض المسارات الموسيقية. أحب الإيقاعات والتناغم الصوتي، وفي بعض الأحيان، قد تكون أبسط المقطوعات الموسيقية هي الأكثر فعالية، مما يجعلك تتحرك بطرق لا يمكنك تفسيرها تمامًا. هذا ما كنت أسعى لتحقيقه، كنت أرغب في عمل أسلوبي الخاص، ولكن في نفس الوقت أن أصنع موسيقى تلمس الناس حقًا وتحفزهم وتحمسهم.

نشرت هذه المقابلة للمرة الأولى في موقع Kulturaustausch.de.

© Kulturaustausch