عندما حاولت "القاعدة" تحويل الإسلاميين إلى "رهائن"!

يرى صلاح الدين الجورشي أن الحركات الإسلامية المعتدلة في العالم العربي استطاعت الاستفادة من التوجه الغربي الجديد بعد الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001، ونجحت في كسب الاعتراف كلاعب سياسي رئيسي.

​​يرى الكاتب والصحفي صلاح الدين الجورشي أن الحركات الإسلامية المعتدلة في العالم العربي استطاعت الاستفادة من التوجه الغربي الجديد بعد الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001، ونجحت في كسب الاعتراف كلاعب سياسي رئيسي.

لم تكن عملية الحادي عشر من سبتمبر/أيلول موجهة فقط ضد الولايات المتحدة الأمريكية، ولكن أيضا كانت رسالة قوية مضمونة الوصول إلى الحركات الإسلامية التي لا تؤمن بالعنف، وتعلن عن تمسكها بالخط الإصلاحي. بمعنى آخر، كانت سنة 2001 تاريخا فاصلا بين استراتيجيتين، مختلفتين في الأسلوب، رغم التقاء أصحابهما على بعض المنطلقات والأهداف والمضامين الدينية.

ولهذا لم يكن من الصدفة أو مجرد التكتيك أن تسارع بعض قيادات حركات الإسلام السياسي إلى إدانة تلك العملية التي تبناها تنظيم القاعدة، وحرصت على أن تتخذ مسافة واضحة نسبيا من تلك الحادثة التي زلزلت الجميع. فارتباطها بالإسلام والإسلاميين، كاد أن يحول الصراع إلى مواجهة شاملة بين الغرب والمسلمين، وأن يقض على مكاسب عديدة تحققت لهذه الحركات في أكثر من بلد.

بعد الحادي عشر من سبتمبر/أيلول، شعرت الحركات الإسلامية الموصوفة بالاعتدال بمخاطر جرها إلى معركة لم تخترها أو لم تستعد لها. لهذا أدان معظم قادتها عملية تفجير برجي التجارة العالمية في نيويورك، مع تحميل الغرب وأمريكا مسؤولية توفير عدد من المبررات لذلك العمل.

بعد ذلك عملت هذه الحركات على الاستفادة من الحدث بطريقة لم يتوقعها الذين سارعوا، بمن في ذلك عديد المختصين الغربيين في شؤون الحركات الإسلامية، إلى الإعلان عن نهاية مشروع "الإسلام السياسي".

مخاطر التعميم

لقد عمدت هذه الحركات إلى مطالبة الغرب بعدم التعميم، وخلط الأوراق، واتخاذ ما أقدمت عليه "القاعدة" مبررا من أجل "تصفية حسابه التاريخي مع الإسلام". وهو خطاب وجد صداه في داخل الغرب، حيث حذر مثقفون وخبراء وسياسيون غربيون من مخاطر عدم التمييز بين المسلمين والإسلاميين من جهة، وبين الراديكاليين والمعتدلين في الساحة الإسلامية من جهة أخرى.

واعتبر بعضهم، بمن في ذلك باحثون مقربون من مراكز القرار الأمريكي، بأن المصلحة الأمنية والسياسية، تقتضي عزل "جماعة القاعدة" وذلك بتعميق الفجوة بينها وبين التنظيمات الإسلامية غير العنيفة، حتى لو اشتركت معها في الخلفية الأيديولوجية مثل الجماعات السلفية غير المقاتلة.

وقد وضعت لذلك مقترحات ودراسات أكثر تفصيلا. وتزامنت هذه المقترحات مع مشروع "الشرق الأوسط الكبير"، الذي طرحته الإدارة الأمريكية بحجة "نشر الديمقراطية في المنطقة" وإعادة تشكيلها سياسيا.

معادلة الإسلاميين "الوسطيين"

بالرغم من انتقاد السياسة الأمريكية تجاه العراق وفلسطين وأفغانستان، إلا أن معظم الحركات الإسلامية "الوسطية" عملت على الاستفادة من التوجه الأمريكي والأوروبي الجديد، وسعت إلى توظيف الضغوط الدولية على الأنظمة العربية من أجل اكتساب مزيد من المواقع، ودفع الجميع إلى الاعتراف بها كلاعب سياسي رئيسي.

وهكذا وضعت هذه الحركات جميع الأطراف، وخاصة الإدارة الأمريكية أمام خيارين: إما القبول بها وإشراكها في عملية الانتقال الديمقراطي، أو مواجهة خيار "القاعدة"، أي خيار العنف. بمعنى آخر، عملت هذه الحركات على تحويل " استراتيجية القاعدة " التي ألبت عليها جميع حكومات العالم، إلى وسيلة ناجعة لإثبات "مشروعيتها".

وبفضل هذه المعادلة الجديدة، تمكنت هذه الحركات من تحقيق مكاسب سياسية لم تكن متوقعة في المرحلة الماضية. ويمكن الإشارة في هذا السياق إلى ثلاث مكاسب :

اضطرار الغربي، في ضوء قراءته لمصالحهم القريبة والبعيدة، إلى استبدال سيناريو المواجهة مع جميع الإسلاميين بآخر يعيد صيغة تقسيمهم إلى "متشددين" و "معتدلين". وبالتالي، العمل على حشر الأوائل في الزاوية، ومحاورة الأكثر "اعتدالا" من أجل تشجيعهم على " التكيف " والاندماج في المنظومة الدولية الراهنة، حتى لو كانت لهم اعتراضات على بعض السياسات الغربية.

تفويت الفرصة على الأنظمة التي تصورت بأن عملية الحادي عشر من سبتمبر/أيلول ستمكنها من التخلص نهائيا من " حركاتها الإسلامية المحلية " من خلال محاولة إقناع الغربيين بأن كل الإسلاميين يحملون بذور الإرهاب، وأن ما يظهره بعضهم من اعتدال، ليس سوى مناورة وخداع. ورغم الجهود التي بذلتها هذه الحكومات لإقناع الغربيين بمنهج الاستئصال الشامل، إلا أنها فشلت في ذلك.

استثمار تردد الأنظمة، وسماحها بقدر من الحريات، لتحقيق مكاسب سياسية على الأرض من خلال المشاركة في عدد من الانتخابات. وهكذا، بدل أن يأخذ الإسلام السياسي طريقه نحو الاندحار والتراجع كما توقع بعض الباحثين الغربيين والعرب، إذا بالتطورات الجديدة تمنحه فرصة تاريخية للصعود بشكل غير مسبوق. وقد حدث ذلك بعدد من الدول مثل المغرب، والجزائر، ومصر، وفلسطين، والعراق، والبحرين، والأردن، وغيرها.

تدخل في الشؤون الداخلية

رفضت قيادة تنظيم "القاعدة" التسليم بهذا الواقع الجديد، واستمرت في تنفيذ إستراتيجيتها دون تعديلات جوهرية. فالظواهري، من خلال تعاليقه على الأحداث السياسية التي يرسلها عبر أشرطة الفيديو، يحاول أن يتدخل في شؤون جميع الحركات الإسلامية، ل" يصحح ما يعتبره خطأ في مواقفها وسياساتها "، أو ليهددها بإفساد ما يراه مناقضا لاعتقاداته وخططه.

يظهر ذلك جليا في العراق، حيث سبق لمجموعة الزرقاوي أن عملت على إفشال كل الجهود التي ترمي إلى دعم العملية السياسية. كما حاولت " القاعدة " التأثير في الساحة الفلسطينية. وسبق لها أن كادت أن تنسف مسار الإصلاح السياسي في المغرب من خلال عملية تفجيرات الدار البيضاء، التي كادت أن تدفع الحركة الإسلامية المغربية بشقيها ثمنا باهظا، وهو ما حاول أن يدفع إليه التيار الاستئصالي داخل النخبة المغربية لولا إرادة القصر وبعد النظر لدى الملك محمد السادس.

كما حاولت الجماعة السلفية المقاتلة أن تحول دون استسلام جميع حاملي السلاح في الجزائر لإفشال سياسة " الوئام المدني ". ويندرج في نفس السياق، ما حدث في الكويت حين تمت مداهمة عدد من المنازل واعتقال "متشديين" قاموا بقتل عدد من رجال الأمن.

وقد أرعبت تلك العملية الحركة الإسلامية الكويتية بجميع فصائلها، التي قررت الدخول في حوار معمق بينها من أجل " وضع آلية مشتركة تميزها عن معتنقي الأفكار المتطرفة ونقدها استنادا على الأدلة الشرعية ".

كما وجدت "جبهة العمل الإسلامي" في الأردن نفسها في مشكلة سياسية خطيرة، عندما نفذت مجموعة تابعة لتنظيم القاعدة عملية انتحارية في قلب عمان، ثم تكررت المشكلة عندما حظر بعض كوادرها عزاء الزرقاوي بعد مصرعه، حيث وصفه أحدهم بالشهيد. وبالرغم من أن "حزب الإصلاح اليمني" قد حسم موقفه بوضح تجاه " المجوعات التكفيرية"، إلا أنه يتابع بقلق ما تقوم به الخلايا النشيطة لتنظيم القاعدة داخل اليمن

الإرهاب الإسلاموي في أوربا

هكذا يبدو المشهد، حيث اتضحت الخطوط بين "المعتدلين" ومن الإسلاميين وبين "المتشددين". وقد تجلى ذلك في عديد المناسبات، خاصة بعد سلسلة العمليات الإرهابية التي شهدتها العواصم الأوروبية. تلك العمليات التي ألحقت ضررا فادحا بالجاليات الإسلامية وبصورة الإسلام، كما خلقت صعوبات كبيرة للإسلاميين الذين يعيشون في أوروبا منذ سنوات طويلة، أو يتمتعون باللجوء السياسي.

لكن رغم التميز في الخطاب، ومواقف التنديد التي تتخذها الحركات ذات "المنهج الوسطي"، فإن هذه الأخيرة لا تزال تتجنب الدخول في معركة كسر عظم مع مجموعات "السلفية الجهادية". فهل يعود ذلك إلى اعتبارات فكرية وفقهية، أم أن مرده خوف من أن تتهم هذه الحركات بأنها قد استدرجت لتحقيق ما عجزت السياسة الأمريكية على تحقيقه؟

الإجابة تحتاج إلى تمهل، لكن المواجهة بين الطرفين قد تكون مرهونة بما سيؤدي إليه الصعود القوي للتيارات السلفية المتشددة في المنطقة العربية من نتائج ملموسة على أرض الواقع داخل كل قطر.

بقلم صلاح الدين الجورشي
حقوق الطبع قنطرة 2006

صلاح الدين الجورشي كاتب وصحفي من تونس.

قنطرة

مغامرات المتطرفين
الحادي عشر من أيلول/سبتمبر العالم ورسم خارطةً سياسيةً وروحية جديدة، مثلما شكل مؤشرا لتبني منطق التصعيد. يعرف جيلنا كيف تبدأ حال كهذه وكيف تتنامى الاضطرابات. أما كيف يمكن أن ينتهي ذلك‘ فهو ما لا نعرفه حتى اليوم. مقال كتبه روبرت ميزيك

الحركات الإسلامية وتطبيق الشريعة
بعد فشل العديد من التجارب لتطبيق الشريعة في السنوات الماضية، نلاحظ خلو برامج الكثير من الحركات الإسلامية من المطالبة الصريحة بتطبيق الحدود، وأصبح الخطاب السياسي الحركي يركز أكثر على القضايا السياسية والاجتماعية. تحليل بقلم الكاتب والصحفي صلاح الدين الجورشي.