سلام إسرائيلي أم حرب أبديّة؟

Small plane flying the message ‘Thank you, President Trump’ up the Hudson River over Jersey City.
طائرة تحمل رسالة شكر إسرائيلية فوق نيويورك بعد الهجوم الأمريكي على المنشآت النووية الإيرانية. (Photo: Picture Alliance/ZUMAPRESS.com | M. Hess)

تروج الحكومة الإسرائيلية بقيادة بينيامين نتنياهو، لما يُسمى "الشرق الأوسط الجديد" بدعم من الولايات المتحدة، وعلى الرغم من أنها تُقدم هذه الاستراتيجية كطريق نحو الاستقرار، إلا أنها قد تُغرق المنطقة في صراع دائم.

الكاتبة ، الكاتب: عاصم الدفراوي

يبدو أن إسرائيل اليوم بصدد تحقيق الشعار القديم الذي حمله المحافظون الجدد في إدارة جورج دبليو بوش عام 2003، وهو إنشاء "شرق أوسط جديد"، يتضمن تغييرات في الأنظمة الحاكمة. وقتئذ، فشلت الولايات المتحدة فشلًا ذريعًا في غزوها للعراق، الذي انتهك القانون الدولي، وانزلق بسببه العراق إلى حرب أهلية دموية أودت بحياة مئات الآلاف من الأرواح.

أدى ذلك بدوره إلى انتشار الحركات الجهادية، وبلغ الإرهاب ذروته مع صعود تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) وخلافته المزعومة في العراق وسوريا. ففي عام 2014، ارتكب مقاتلو داعش إبادة جماعية بحق الإيزيديين في العراق، كما صدّر التنظيم الإرهاب إلى أوروبا بهجمات كبيرة في باريس وبروكسل وبرلين.

لاحقًا، قاد تحالف دولي حملة عسكرية انتهت بهزيمة داعش واستعادة مدينة الموصل، ولا يزال العراق في طور الاستقرار مرة أخرى، ولم يتمكن من تشكيل حكومة ممثلة بشكل معقول إلا مؤخرًا.

إسرائيل تحقق العديد من أهدافها

حقق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، من خلال انتصاراته العسكرية ضد حزب الله، تغييرًا فعليًا في لبنان، حيث لم يعد "حزب الله" قادرًا على الهيمنة على الحكومة أو السيطرة الفعلية على جنوب البلاد. 

وقد تتمكن حكومة انتقالية براغماتية بقيادة قائد الجيش السابق جوزيف عون،الذي يحظى باحترام شعبي واسع، ورئيس الوزراء نجيب ميقاتي، الذي يُنظر إليه على أنه مدعوم، خاصة في الغرب، من استعادة السيطرة على كامل الأراضي اللبنانية، بما فيها معاقل حزب الله السابقة، والخروج بالبلاد من أزمتها الاقتصادية العميقة.

أما التغيير في النظام السوري في ديسمبر/كانون الأول 2024، فلم يكن ممكنًا لولا إضعاف إسرائيل لحزب الله وإيران، الداعمين الرئيسيين لنظام الأسد، إلى جانب روسيا المنهكة منذ غزوها لأوكرانيا.

لكن السلام الإسرائيلي، وفق وصف عالم السياسة والدبلوماسي والوزير اللبناني غسان سلامة، الذي يسعى لفرض الاستقرار عبر الهيمنة الإسرائيلية المدعومة من الولايات المتحدة، لا يزال حلم بعيد المنال.

تبقى إسرائيل القوة المهيمنة بلا منازع في المنطقة، باستثناء سوريا حيث تلعب تركيا دورًا موازنًا. أما السعودية ومصر، اللتان كانتا قوتين إقليميتين، فقد فقدتا الكثير من نفوذهما، وهما مشلولتان أمام القوة العسكرية الإسرائيلية وعدم القدرة على تنبؤ تصرفات ترامب.

ورغم ذلك، إلا أن المنطقة بعيدة كل البعد عن مناخ يساعد على حل النزاعات، بل على العكس، يتزايد خطر ما يمكن تسميته "Bellum Aeternum"، أيّ "الحرب الأبدية".

حتى في حال صمود اتفاق وقف إطلاق النار مع إيران، فإن بؤر التوتر لن تنطفئ، وسيظل شبح الحرب قائمًا. وإن تمكن نتنياهو في إسقاط النظام الإسلامي في طهران —وهو هدفه المُعلن—، فقد يؤدي ذلك إلى المزيد من عدم الاستقرار بالمنطقة.

الميليشيات تهدد الاستقرار

قد يؤدي انهيار النظام الإيراني، إلى إطلاق العنان لقوى طرد ذات نفوذ هائل، وغالبًا ما يُنسى أن 60 بالمئة فقط من سكان إيران هم من الفرس، فيما تتوزع البقية على أقليات عرقية متعددة، كالأكراد والبلوش والعرب والأذريين، وبعضهم، لا سيما الأكراد والبلوش، في صراع مفتوح بالفعل مع طهران.

علاوة على ذلك، يلوح في الأفق خطر اندلاع انتفاضة داخلية في إيران، وهي من المرجح أن تُقابل بقمع وحشي من قبل الحرس الثوري، مما قد يغرق البلاد في الفوضى، في مثل هكذا سيناريو، قد تسعى القيادة الإيرانية المتشددة إلى زعزعة استقرار العراق، حيث لا تزال لديهم ميليشيات موالية، كما لن يكون لها مصلحة كبيرة في استقرار سوريا.

بل قد تدعم إيران خصوم الحكومة السورية الهشة بقيادة أحمد الشرع، التي تكافح أصلًا لبسط سيطرتها على البلاد وتركيبتها المتعددة طائفيًا وعرقيًا. فقد شهدت دمشق، الأسبوع الماضي، أول تفجير انتحاري كبير منذ سقوط نظام الأسد، نفذته المجموعة الجهادية المغمورة "سرايا أنصار السنّة"، التي يُعتقد أن لها صلات بداعش، مما أسفر عن مقتل 25 شخصًا داخل كنيسة في العاصمة. وتشمل التهديدات الأخرى في سوريا فئات متطرفة من الأقلية الشيعية و"الفلول"-أنصار النظام السابق. 

بدورها، تساهم إسرائيل أيضًا في زعزعة استقرار سوريا من خلال هجماتها المتواصلة على أهداف عسكرية، واحتلالها للجولان وتوغلاتها في الجنوب السوري. إن انزلاق سوريا نحو الفوضى مجددًا سيكون له عواقب وخيمة على المنطقة بأسرها، وخاصةً على لبنان المجاور، الذي لا يزال استقراره هشًا للغاية.

ولا تقتصر التهديدات على الدول الضعيفة، إذ قد يؤدي إغلاق مضيق هرمز، الذي صوت عليه البرلمان الإيراني في 22 يونيو/حزيران، إلى اضطرابات كبيرة في الإمارات العربية المتحدة.

ورغم احتياطاتها المالية الضخمة، فإنّ استمرار الصراع الذي يعيق صادرات النفط والغاز قد يُشكّل ضغطًا هائلًا، لا سيما في ظلّ النموّ السكاني السريع، ومن الذي سيواصل الاستثمار في الإمارات كمركز اقتصادي وتكنولوجي إذا اشتعلت الحرب على عتبتها؟

حكومة نتنياهو بحاجة إلى الحرب

يقول دبلوماسي أوروبي كبير وخبير في شؤون الشرق الأوسط، إن "نتنياهو تكتيكي ممتاز، لكنه ليس استراتيجيًا—فهو غير قادر على التفكير بما يتجاوز بقائه السياسي"، وهذا هو لُبّ المسألة: ماذا بعد الانتصارات التكتيكية؟
صحيح أن إسرائيل تعيد تشكيل الشرق الأوسط، لكن سلامًا دائمًا—أو سلامًا إسرائيليّا حقيقيًا—لا يزال بعيد المنال.

بل على العكس، هناك إجماع متزايد، ليس فقط بين الخبراء الدوليين، بل أيضًا بين كبار الدبلوماسيين الألمان والأوروبيين، بأن نتنياهو لديه مصلحة شخصية في إطالة أمد الصراع في المنطقة—ما يمكن وصفه بـ"Bellum Netanyahu" أي حرب نتنياهو. إذ أن الصراع هو الطريقة الوحيدة التي تمكنه من الحفاظ على تماسك ائتلافه اليميني المتطرف، وتمديد بقائه في الحكم، والحيلولة دون ملاحقته على جرائم سياسية ومالية، بما في ذلك جرائم حرب محتملة، من قبل المحاكم الإسرائيلية والدولية.

وقد أدت الحرب الإسرائيلية إلى تدمير شامل لقطاع غزة، وفاق عدد القتلى 56 ألفًا، ولا توجد حتى الآن أي خطة لإعادة الإعمار، سوى التهجير القسري الذي يقترحه وزراء اليمين المتطرف بحكومة نتنياهو، وفي مواجهة صدمة بهذا الحجم، كيف يمكن تخيّل سلام إسرائيلي-فلسطيني؟ وإذا كان هذا السلام يبدو ضربًا من الخيال، فماذا يعني ذلك بالنسبة للمنطقة ككل؟

كما أصبحت الاتفاقيات الإبراهمية، التي كانت يومًا اختراقًا دبلوماسيًا، إلى ما يشبه بقايا حقبة غابرة، فمن الذي يستطيع، في هذا السياق، قيادة إعادة تشكيل سلمي لشرق الأوسط؟ بالتأكيد ليس الحكومة الإسرائيلية الحالية التي يهيمن عليها اليمين المتطرف.

على أوروبا التحرك

يجب على الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة، اللذين قوضت الأعمال العسكرية الإسرائيلية-الأمريكية جهودهما الدبلوماسية الخاصة، أن يطرحا بشكل عاجل خطة سلام شاملة.

وقد طرحت الجامعة العربية، بالفعل مقترحات مهمة بشأن القضية الإسرائيلية-الفلسطينية، ومن شأن موقف مشترك بين الاتحاد الأوروبي، والجامعة العربية، وتركيا—بصفتها عضوًا في الناتو—أن يزيد على الأقل الضغط على الولايات المتحدة.

في الوقت نفسه، يجب على فرنسا والمملكة المتحدة، كعضوين دائمين في مجلس الأمن الدولي، أن يستخدما كل نفوذهما —حتى في مواجهة فيتو أمريكي محتمل—لدفع قرارات جريئة تؤدي إلى خفض التصعيد.

وعلى الرغم من أن الفيتو الأميركي متوقع على هكذا تحركات، إلا أن ترامب قد يتجاوب مع الحجج الاقتصادية، فهو يملك علاقات وثيقة مع القيادة السعودية، وقد يتمكن من الضغط على إسرائيل، خاصة إذا اقتنع بأن التهديد النووي الإيراني قد جرى تحييده.

في الوقت الحالي، تبقى الولايات المتحدة الطرف الوحيد القادر على كبح جماح إسرائيل ومنعها من القيام بمزيد من الخطوات العسكرية الأحادية، قبل أن تترسخ "Bellum Aeternum" أي "حرب أبدية" في قلب الشرق الأوسط.

النص ترجمة محرّرة من الإنجليزية.

قنطرة ©