مشاركة واسعة وعلاقات اقتصادية ناجحة

يمكن الاستدلال على التطوّر الإيجابي في العلاقات الاقتصادية الألمانية العربية من الرقم القياسي الذي بلغه عدد المشاركين في "الملتقى الاقتصادي العربي الألماني" العاشر، الذي عقد مؤخَّرًا في برلين. بيتر فيليب زار فعاليات الملتقى وأعدّ هذا التقرير.

إلتقى ثمانمائة ضيف من العالم العربي وممثلون عن الاقتصاد الألماني بدعوة من "غرفة التجارة والصناعة العربية الألمانية"، في "بيت الاقتصاد الألماني" من أجل تبادل الأفكار بالشكل التقليدي. لا شكَّ في أنَّ هذا دليل على الاهتمام العربي المتزايد بألمانيا.

دور ألماني رائد في الخليج

قال د. يورغن فريدريش: "لقد تحسَّن هذا الاهتمام بوضوح وهذه الفعالية هي تعبير شديد عن الاهتمام المتزايد؛ إذ أنَّ عدد المشاركين يشكل في كلِّ عام رقمًا قياسيًا جديدًا. من المهم جدًا أن لا نظل مجرَّد مورِّدين، بل أن نشارك أكثر كذلك باعتبارنا مهندسين ومدراء مشاريع ومخطِّطين. فأن تقدِّم شركة ألمانية مشروعًا للتخطيط الإستراتيجي للسكك الحديد في دول الخليج العربي فهو مثال على ما لم يكن يمكن تصوّره قبل بضع سنين".

يعتبر د. يورغن فريدريش مندوبًا عن الاقتصاد الألماني في دبي ومختصًا بالشؤون الاقتصادية في دول الخليج العربي - في أهمّ منطقة من دون شكّ بالنسبة للعلاقات الاقتصادية. كانت دول الخليج العربي تبدو في السابق "في قبضة بريطانية محكمة"، ثمَّ كانت تتوجَّه في الدرجة الأولى نحو بريطانيا العظمى والولايات المتَّحدة الأمريكية. يعترف د. يورغن فريدريش قائلاً:

"إنَّ الحضور الإنغلوسكسوني الكبير لا يزال ملحوظًا في دول الخليج، لكن حدثت مؤخرًا حركة تغيير وصارت دول الخليج تتوجَّه بصورة متزايدة نحو الشرق الأدنى."

"لكن الشركات الألمانية تجد دائمًا مكانها ودورها، وفي الواقع يتمّ أيضًا تقديرها واحترامها - كمؤسَّسات رائدة في مجال التقنيات وكشركاء تجاريِّين يعملون بشكل مستديم وشامل"، حسب تعبير د. يورغن فريدريش.

معارضة ألمانيا للحرب

ارتفعت نسبة الصادرات الألمانية في السنين الأخيرة إلى أكثر من 15 بالمائة، حيث بلغ ارتفاعها في العام 2006 حوالي 15,9 بالمائة مقارنةً مع العام الذي سبقه لتصل إلى نحو 21,5 مليار يورو. لا شكَّ في أنَّ هذا الاتِّجاه العام سوف يستمر في ضوء المشاريع التنموية الطموحة خاصة في الدول العربية المنتجة للنفط. كذلك تزداد صادرات العالم العربي إلى ألمانيا: إذ ارتفع حجم هذه الصادرات من العام 2005 إلى العام 2006 بنسبة 14,4 بالمائة أي بما يعادل 12,2 مليار يورو.

لكن يجوز أنَّ يعود ذلك من دون ريب لأسباب سياسية: لا شكَّ في أنَّ حقيقة عدم وجود ماضٍ استعماري لألمانيا في العالم العربي وكذلك معارضة ألمانيا للحرب على العراق تعمل هنا وهناك على تسهيل اتِّخاذ القرار لعقد الصفقات مع ألمانيا، الأمر الذي لا يجوز تقييمه بأكثر مما يستحق؛ مثلما كانت هناك ثقة عمياء بمستقبل البضائع التي تحمل شعار "صنع في ألمانيا"، على حدّ قول يورغن فريدريش:

"لا تزال الحال على هذا النحو، بحيث أنَّ العرب يقولون إنَّ عبارة "صنع في ألمانيا" تعني بالنسبة لهم علامة إيجابية جدًا. قال مؤخرًا شخص عربي واصفًا ذلك بـ (الـشعور الباطني الجيِّد). وبالمناسبة فإن هذا الشخص نفسه يريد امتلاك هذا الشعور الجيِّد لكن بالسعر الصيني".

العرب يبحثون عن الأفضل

لقد انتهى عهد العصور الذهبية منذ فترة طويلة، عندما كانت الدول العربية المنتجة للنفط تدفع أيَّ ثمن من دون حساب. فقد بدأ المعنيّون منذ زمن بعيد يحسبون الحسابات وصاروا يعرفون أنَّ الجودة موجودة أيضًا في أماكن أخرى.

لهذا السبب لم يعد الاقتصاد الألماني محظوظًا في الدول العربية. هناك سبب آخر لذلك يكمن في ضرورة دعم المؤتمرات الاقتصادية مثل الملتقى الاقتصادي العربي الألماني، لكن كذلك بسبب نشاطات الوكالة الاتِّحادية للاقتصاد الخارجي (bfai).

تنفق هذه الهيئة الخدمية التابعة للوزارة الاتِّحادية للاقتصاد والتكنولوجيا في العالم العربي على العديد من المكاتب وتعدِّ من هناك تقارير حول التطوّرات الاقتصادية والفرص في الدول المضيفة. يمكن الاطِّلاع على هذه المعلومات في الانترنت، كما أنَّها تعتبر وسيلة مهمة في عملية البحث عن شركاء تجاريِّين أو زبائن في العالم العربي.

يعتبر ديتر غراو مؤسِّس مكتب الوكالة الاتِّحادية للاقتصاد الخارجي في تونس وهو خبير متبحِّر في شؤون العالم العربي:

شبكة ألمانية من المكاتب

"يمثِّل الشرق الأدنى والشرق الأوسط وكذلك شمال إفريقيا بالنسبة لنا منطقة اهتمام. الكلُّ يعرف أنَّ هذه المنطقة تشهد تقدّمًا ضخمًا في نموّها الاقتصادي - مع معدّلات نموّ اقتصادية ضخمة خاصة في منطقة الخليج العربي. ونحن لدينا تبعًا لذلك شبكة من مكاتب الارتباط في الشرق الأوسط، كما أنَّنا نقوم أيضًا برعاية المنطقة انطلاقًا من مركزنا في قسمنا الخاص بشمال إفريقيا".

يرى جميع المشاركين أنَّ هذا العمل يحقِّق نجاحًا جيدًا وهم مقتنعون بأنَّ أهمية العالم العربي باعتباره شريكًا تجاريًا لألمانيا سوف تزداد أكثر. يقول د. يورغن فريدريش ربما لا يزال البعض في ألمانيا غير قادرين قطّ على تصوّر ذلك بالشكل الصحيح:

"إذا أخذنا فقط إمارة أبو ظبي التي لا تزال صغيرة جدًا على سبيل المثال - التي يتراوح دخلها اليومي من عائدات النفط حسب أسعار النفط ما بين 150 مليون و200 مليون دولار. مبلغ ضخم من أجل الاستثمار في بعض المشاريع ولكن أيضًا في العمل.

وهذا حسب رأيي هو مجرَّد بداية للتطوّر والنمو، إذ تضاف إلى ذلك أسواق أخرى - مثل سوق الاتِّصالات أو سوق العقارات. نحن نسعى بشكل متزايد على سبيل المثال بصفتنا غرفة تجارة من أجل إشراك الشركات الصغيرة والمتوسطة في هذه الأسواق".

يتابع د. يورغن فريدريش قائلاً. "إنَّ ذلك ليس بهذه السهولة، فقد تكوَّنت في البلدان العربية مجموعات ومؤسَّسات مالية تعمل أيضًا في هذا الاتِّجاه وتتيح من خلال ذلك المجال للشركات الألمانية المتوسِّطة من أجل الدخول إلى هذه الأسواق. وعلى الرغم من كلِّ عناوين الأخبار السلبية التي يتردد ذكرها مرارًا وتكرارًا عن هذه المنطقة: فإنَّ العلاقات الاقتصادية مع ألمانيا لم تتأثَّر بذلك، إذ لم يكن بالإمكان تطويرها بأفضل مما تحقق."

بقلم بيتر فيليب
ترجمة رائد الباش
حقوق الطبع قنطرة 2007