روح كوزموبوليتية ممزوجة بحنين الموسيقى العربية
عندما أدخل الاستوديو لا توجد لدي أي خطة جاهزة، أريد أن أكون ضد الفكر، أن أكون عضوياً، عفوياً، نعم، حيوانياً،" يقول بشار مار خليفة. ويوضح هذا النهج الحر في التعامل مع الموسيقى أنه متمكن من العديد من الأنواع الموسيقية.
ورثها من والده مارسيل خليفة الذي يُعتبر ليس فقط شخصية عالمية ومن مجديدي العود العربي وإنما أيضا يُقارب بين الموسيقى الكلاسيكية والجاز والموسيقى التقليدية. "تعلمت منه خاصةً كل شيء خارج الموسيقي"، يعترف الابن"، لم يحيره بتاتاً رأي الجمهور، كانت لديه الشجاعة للتصرف بحرية كاملة، وكان مخلصاً بشكل مذهل لعمله".
في عمر الست سنوات يهرب بشار مع والديه من الحرب الأهلية اللبنانية إلى باريس. وإضافة إلى نجوم الغناء اللبناني مثل فيروز وأسمهان وصباح الذين كانت تستمع إلى أعمالهم والدته في البيت، تأتي أصوات أول موجة الهيب هوب الفرنسية إضافة إلى أغاني براسينز وفيري وفرقة نيرفانا.
يتشرب الشاب بشار كل شيء، حتى عندما درس البيانو والإيقاع في الكونسرفاتوار. وكان ألبوم مايكل جاكسون "دينجروس" وألحان باخ وموزارت وكذلك الأعمال المعاصرة لإدغار فاريزي ويانس كسيناكس تتصارع في أذنيه.
"كل شيء كان يأخذني إلى الرقص والبكاء"، هكذا يعرِّف بشار مار خليفة ذوقه السابق. ومِن بعدُ قام بفلترة ذلك. فخصوصا الموسيقى الإلكترونية تغير من عادة السماع لديه.
يشارك بشار مار خليفة منذ ذلك الوقت في العديد من العروض: فقد عمل مع الأوركسترا الوطنية الفرنسية، وكتب موسيقى أفلام، واشترك مع موسيقي جاز ومع فناني إلكترونيك. والآن يجول كثلاثي مع الموسيقين اللكسمبورغيين باسكال شومخر وفرانسيسكو تريستانو الذين يمزجان الجاز والبوب.
سؤال الهوية
تبرز لغته الموسيقية الخاصة جدا أساسا في أعماله المنفردة. "يا بلد" هو العمل الثالث من هذا النوع. السؤال الأساسي بالنسبة لبشار خليفة هو الهوية. "أتوجه بهذا الألبوم إلى بلدي. ليس بالضرورة لبنان، وأنا أسميه: بلد البعد والخيال. عندما أفكر في لبنان، أعني لبنان طفولتي التي أفتقدها، والذي تربطني به الذكريات، وليس العلم الوطني. وطني توسع . ليس لدي مشكلة في أن أشعر بالراحة في أيسلندا"، يقول ضاحكا.
هذه الروح الكوزموبوليتية الممزوجة بفلتر الحنين يتنفسه ألبوم "يا بلد" في سيناريوهات مختلفة للغاية. يفتتح بشار خليفة ألبومه بطبقات صوتية في قراءته لـ"كيري يالايسون"، طلب رحمة الله، ليدع الناس أخيرا في سلام، وتحيط بها هارمونية موسيقى الباروك. وفي قطعة "ليمون" ضبط الكلافيسان على سلم ربع الصوت، وجمع بين شعرالحب العاطفي للشاعر المصري سمير السعدي مع إيقاعات النادي السريعة.
تبدو قطعة "بلكون" لطيفة بإيقاعات الريغي الممتعة، بل هي بورتريه متناقضة للشباب اللبناني: "أحكي هنا عن مشكلتهم الأكثر إلحاحا، المتمثلة بتنظيم مواعيد المساء، في حين أن حولهم حرباً ولاجئين. هذا التناقض الصارخ ممكن تحويله بشكل مثير إلى موسيقى".
لايوجد تناقض بين الهليلويا وإيقاعات الكناوة
حتى الأب مارسيل خليفة مُمثَّل هنا: قام الابن بشار بإعادة كتابة قطعة "مادونا"، وهي إهداء إلى الأطفال المتوفين في وقت مبكر، وربط هنا تسابيح هليلويا مع إيقاعات كناوة المغربية. هليلويا ليست هي ملك الغرب حصرا. فهي تُنشَد في الكنائس الشرقية بالعربية والآرامية والآشورية. وبالنسبة لي لا يوجد أي تناقض بين هليلويا وإيقاعات الكناوة!".
قد يكون من المستغرب، وجود تهويدتين في هذا الألبوم رغم مقاربته التجريبية الواضحة. واحدة منها هي إعادة صياغة أغنية قديمة عمرها قرن: "Dors Mon Gâs" التي تعرف عليها بشار مار خليفة عن طريق عائلة زوجته الفرنسية. وقد غنتها بالطريق اللبنانية التقليدية "يلا تنام ندى" الممثلة الإيرانية غولشيفته فراهاني، وقد تم استخدامها في فيلم "عُد إلى وطنك".
ويضيف بشار خليفة: "كأنك تأخذ نفسا في منتصف هذا الألبوم. للتهويدات دائما شيء مؤلم أيضا بالنسبة لنا الكبار، فهي تعبّر عن نقص، ويمكن ترجمتها إلى الوضع الحالي. هذا العالمي الراهن هو أمر ضروري بالنسبة لي".
إنه لا يرغب في إعطاء تفسيرات محددة للقطع الموسيقية، "نعم لا أريد تحطيم وجهة نظر المستمع. يجب أن يكون قادرا على اكتشاف منفاه الداخلي الخاص به. "وهذه "العودة إلى الباطن" تعكسها أيضا صورة بشار مار خليفة على غلاف الألبوم. وهي بعدسة المصور الشهير لي جيفريز، الذي أثار ضجة من خلال سلسلة الصور "فقدت الملائكة"، بورتريه لمشردين، أخذت وجوههم بعدا روحيا من خلال سيناريوهات الإضاءة غير العادية.
اختار بشار لصورته هذه بروفيل، حجبت به يده ملامح وجهه. اليأس، والخوف من المستقبل، التفكير،المنفى الباطني؟ كل شيء موجود في هذه الصورة، مثلما هو الحال في القطع الموسيقية في "يا بلد". "تُقاس قيمة الصورة الجيدة وفقا للأنسنة التي تتنفسها. وهذا غير لفظي، لا نتكلم عنه"، يقول بشار مار خليفة. و"هكذا بالضبط موسيقاي".
شتيفان فرانسن
ترجمة سليمان توفيق