إيطاليا: لامبيدوزا.. متحف يوثق الحاضر والماضي المأساوي للهجرة
بدأ كل شيء في مكب النفايات على جزيرة لامبيدوزا الإيطالية، عندما وجد جياكومو سفيرلازو، وهو فنان وناشط محلي، كيس قمامة كبير مليئاً بأشياء تخص المهاجرين الذين وصلوا إلى الجزيرة: الرسائل والصور الفوتوغرافية والنصوص الدينية والأقراص المدمجة الموسيقية.
"كان ذلك نقطة تحول، لأنه كان مثل لمس التاريخ بأيدينا"، كما يقول سفيرلازو، الذي اكتشف هذا الأمر مع أصدقاء آخرين من حركة "أسكافوسا". ويضيف: "لقد أدركنا القيمة الهائلة لهذه الأشياء وبدأنا نذهب كل يوم تقريبًا إلى المكب لمعرفة ما إذا كنا سنجد المزيد."
كانت هذه البداية لما تحول فيما بعد إلى متحف يوثق مرور المهاجرين من الجزيرة الإيطالية. تعد لامبيدوزا نقطة وصول للمهاجرين الذين يعبرون البحر الأبيض المتوسط منذ عقود نظرًا لموقعها الاستراتيجي الأقرب إلى الساحل التونسي والليبي منه إلى إيطاليا. فقد كان المهاجرون يصلون إلى الجزيرة على متن قوارب كبيرة مكتظة. ولكن على مدار السنوات القليلة الماضية، كانت القوارب التي تقترب من الجزيرة أصغر حجماً، ويتم اعتراضها من قِبل خفر السواحل الإيطالي أو السفن الأخرى وسحبها إلى الشاطئ.
وبمجرد وصولها إلى الشاطئ، كانت السلطات تحتجز القوارب وجميع ممتلكات المهاجرين، ليتم التخلص منها في نهاية المطاف.
المشكلة كانت أن هناك المئات من هذه القوارب، وعملية التخلص منها كانت مكلفة وطويلة بسبب البيروقراطية. يوجد حاليًا في الجزيرة بقايا للقوارب، بعضها بجوار الميناء وأخرى في الجانب الغربي من الجزيرة، بين منشأة رادار ومنطقة عسكرية مهجورة. ولا تزال القوارب تحمل بقايا من الرحلات، مثل الحيوانات المحنطة والأحذية المهترئة والبطانيات التي تُركت هناك.
يقول توتو مارتيلو، عمدة لامبيدوزا، إنهم لا يستطيعون لمس القوارب حتى، إذا تم احتجازها من قبل السلطات. ويضيف: "ليس لدينا قوة"، مشيراً إلى أنه كان حريصًا على إنشاء متحف للهجرة بنفسه، لكنه قال إنه ليس لديه أي خطط واضحة
"تخليد الذكريات"
ضمن هذا السيناريو، أخذ تجمع "أسكافوسا" على عاتقه تخليد ذكرى أولئك الذين يخاطرون بحياتهم بحثًا عن حياة أفضل.
يقول سفيرلازو: "لقد تم تدمير الكثير. لكننا بدأنا في استعادة هذه الأشياء"، ويضيف: "الذاكرة ليست محايدة. إنها فعل سياسي، فأنت تقرر ما يجب أن تتذكره وما تنساه".
وأنشأ تجمع "أسكافوسا" مركزًا ثقافيًا يسمى "بورتو M"، حيث يرمز الحرف "M" إلى الذاكرة والهجرة والبحر الأبيض المتوسط وغيرها. يقول سفيرلازو: "بالنسبة لنا، من الضروري أن نخلّد ذكرى شيء ما زال يحدث، بمنظور نقدي".
ويقع المتحف في المركز الثقافي، حيث يرى المرء أحذية غريبة معلقة في السقف وسترات نجاة على الجدران، بينما يتم عرض معظم الأشياء الأخرى على الرفوف، وفي الخلفية بطانيات حرارية مصنوعة من الألمنيوم – والتي يتم تسليمها إلى المهاجرين عند وصولهم إلى الميناء بعد الرحلة. هناك علبة من الكسكس وعلبة من حليب الأطفال، وكذلك بعض الأواني والأدوية وعلب السردين.
الأشياء المعروضة هنا ليست كلها من لامبيدوزا. فبعضها جُلب إلى هنا من المنطقة الحدودية بين الولايات المتحدة والمكسيك، مثل إبريق ماء أسود وقطعة قماش مطرزة. كان آبي ويتلي، وهو عالم أنثروبولوجيا ويبحث في الهجرة الدولية، هو الذي أضاف هذه العناصر إلى المجموعة ليربط قصص الهجرة بين الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك مع القصص في الاتحاد الأوروبي وأفريقيا.
يقول سفيرلازو: "أشياء أكثر أهمية لم يتم الكشف عنها، مثل رسائل بالفرنسية والإنكليزية والتيغرينية والبنغالية والعربية، والتي وُجدت في كيس بلاستيكي مع صور فوتوغرافية وكتابات دينية". ويضيف: "بفضل مساعدة المترجمين، تمكنا من قراءة بعض هذه النصوص. بعضها كتبها المهاجرون للأحباء قبل الوداع، وأخرى كتبوها على الطريق".
ويتابع: "من الأفضل الآن عدم إظهار الرسائل. من الأفضل الاحتفاظ بها والانتظار حتى يأتي وقتها، حتى يتغير الزمن، على أمل أن نتمكن في يوم من الأيام من إعداد مثل هذه الشهادات كما يجب"، مشيراً إلى أن عرضها الآن سيكون "إباحية للألم".
تذكير الزوار بالسياق السياسي
تم تأسيس تجمع "أسكافوسا"، وهو ما يعني حافي القدمين في صقلية، في عام 2009 كجمعية شعبية لتكبر وتصبح ذات تأثير كبير في بعض الحركات السياسية في الجزيرة. ورغم أن التجمع تلقى عدة عروض من السلطات والمؤسسات الخاصة لجعل المتحف أكبر وجعله رسميًا، لكنه قرر الحفاظ على استقلاليته، كما يقول سفيرلازو.
ويضيف: "بالنسبة لنا، لا تحتفظ الذاكرة بما حدث فحسب، بل تحاول أيضًا فهم سبب حدوثه، ومن الذي كسب منه، ومن الذي قُتل في العملية، ومن تم استغلاله"، موضحًا أنهم أرادوا أن يكونوا أحراراً في تسليط الضوء على العنصر السياسي للهجرة، بدون قيود.
ويسلط متحف الهجرة الضوء على الأسباب السياسية التي تدفع الناس إلى السير في الطريق غير القانوني للوصول إلى إيطاليا. ويوضح سياسات الهجرة التي تطبقها إيطاليا والاتحاد الأوروبي لإبعاد الناس عن الحدود.
يقول سفيرلازو: "يجب أن يكون الناس قادرين على دفع ثمن تذكرة الطائرة والذهاب إلى أي مكان يريدونه، أو أن يبقوا في المنزل إذا أرادوا"، ويتابع: "لكن لدينا حدود عسكرية. يتم منع الأشخاص من الوصول إلى مراكز الهجرة وإعادتهم إلى ديارهم أو ينتهي بهم المطاف إلى العمل كعبيد".
من خلال تذكير الزوار بهذا السياق السياسي، يعتقد سفيرلازو أنه بإمكانهم تحويل الفن إلى شيء أكثر فائدة.
ويختم: "في الوقت الحاضر، هناك حاجة للتفكير، ولهذا أعتقد أن المعارض الفنية يجب أن تكون أماكن للتفكير ومراجعة البيانات".
ايرين كاسيلي/م.ع.ح-مهاجر نيوز