"نحن في فراغ قانوني"

قنطرة : في تقريرك الأخير بعنوان "انهيار حماية مصر للاجئين"، ناقشت القانون رقم 164 لسنة 2024، الصادر في ديسمبر/كانون الأول، ما هو هذا القانون؟ وكيف غيّر نظام اللجوء في مصر؟
نور خليل: حتى ديسمبر/كانون الأول، لم يكن لدى مصر أيّ قانون محلي للجوء. كان نظام حماية اللاجئين قائمًا على الدستور والقانون الدولي ومذكرة التفاهم بين مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين والحكومة المصرية.
في ظلّ هذا النظام، كانت مسؤولية الحماية مشتركة: إذ كانت المفوضية تراجع الحالات وتحدد وضع الحماية؛ ثم تصدر الوزارات المصرية تصاريح الإقامة، وتولى شركاء المفوضية، بالتعاون مع الدولة المصرية، توفير الاحتياجات الأساسية للاجئين.

لكن القانون الجديد يُغيّر النظام جذريًا؛ إذ يُدخل نظامًا محليًا للجوء يُمركز إدارة طلبات اللجوء تحت سيطرة الحكومة، ويمنح حقوقًا محدودة بشروط صارمة.
انتقادنا الرئيسي هو أن القانون رقم 164 ينتهك القانونين الدولي والمحلي: إذ لا ينص على إجراءات شفافة، ولا مراجعة مستقلة للجنة التي تبت في أوضاع الأشخاص، ولا يوفر حماية من الترحيل أثناء استئناف القرارات، وقد رأينا بالفعل أن هذا يؤدي إلى عمليات ترحيل غير خاضعة للرقابة، منتهكًا بذلك مبدأ عدم الإعادة القسرية، فبدلًا من توفير الحماية، يركز القانون على تجريم الدخول غير النظامي والمواطنين الذين يدعمون اللاجئين بأي شكل من الأشكال.
لقد مرّ عامٌ تقريبًا على تطبيق القانون، ولكن لا يزال من غير الواضح كيف سيتم الانتقال من النظام القديم إلى النظام الجديد، لماذا؟
هنا يكمن جوهر الفوضى التي نشهدها حاليًا: فالقانون نفسه لم ينص على مرحلة انتقالية، وترك الكثير من الأمور مفتوحةً للوائح التنفيذية، التي كان من المفترض أن يصدرها رئيس الوزراء خلال ستة أشهر، وحتى الآن، لم تُجرِ الحكومة المصرية أي نقاشات أو مشاورات مع الجهات المعنية باللاجئين، أو ممثلي المجتمع المدني، أو المنظمات الدولية.
نحن في فراغ قانوني. لا توجد لجنة لتحل محل مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. في الوقت نفسه، تُؤخر وزارة الداخلية عمدًا إصدار تصاريح الإقامة بناءً على الوثائق الصادرة عن المفوضية.

"صفقة أوروبية إشكالية مع القاهرة"
يرى الباحث شتيفان رول أن من شأن مساعدات الاتحاد الأوروبي المقررة لمصر -مقابل الحد من الهجرة غير القانونية- دعم الحكم السلطوي في المقام الأول بدلاً من المساهمة في استقرار طويل المدى للبلاد.
في ظلّ عدم اعتراف السلطات المصرية بوثائق المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، كيف يُفترض باللاجئين المسجلين، والذين يزيد عددهم على المليون، أن يتعاملوا مع هذا الوضع؟
إنها فترة من انعدام الأمن الشديد. يجب على كل لاجئ مسجل تجديد إقامته بانتظام، لكن وزارة الداخلية تؤجل المواعيد لمدة تصل إلى عامين، متجنبةً بذلك إصدار تصاريح الإقامة ريثما يُطبّق النظام الجديد.
هنالك مخاوف حقيقية من أن يضطر اللاجئون وطالبو اللجوء المسجلون حاليًا لدى مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إلى إعادة التسجيل لدى اللجنة الجديدة المقترحة. لا نعلم مصيرهم. يواجه الوافدون الجدد غير المسجلين لدى المفوضية فترات انتظار تصل إلى 12 شهرًا للحصول على موعد، مما يؤخر العملية أكثر.
خلال هذه الفترة، يخضع اللاجئون الذين لا يحملون تصريح إقامة لمراقبة أجهزة إنفاذ القانون المصرية، ويُحرمون من جميع الخدمات، بما في ذلك الاتصالات، والعدالة، والسكن، وخدمات الطوارئ، والصحة، والتعليم. ويتعرضون لخطر الاحتجاز والترحيل القسري بذريعة وجودهم غير القانوني.
يتواصل الاتحاد الأوروبي بشكل وثيق مع مصر بشأن إدارتها لملف الهجرة. في عام 2024، وافق البرلمان الأوروبي على حزمة مساعدات بقيمة 7.4 مليار يورو لمصر، ما هو رد فعل الاتحاد الأوروبي على آخر التطورات؟
ساعد الاتحاد الأوروبي السلطات المصرية على صياغة ما يُطلق عليه "التشريع الوطني للجوء"، ووفقًا لمنطق الاتحاد الأوروبي، يُعدّ نظام اللجوء المحلي هذا عنصرًا أساسيًا في طموحه طويل الأمد: إعلان مصر بلدًا آمنًا للمنشأ والإقامة.
في الماضي، شهدنا تجاهل انتهاكات حقوق الإنسان أو تهميشها، ليتمكن الاتحاد الأوروبي من الادعاء بأن مصر "شريك" آمن وموثوق به في إدارة الهجرة. لذلك، لا نتوقع أي انتقادات مؤثرة من الاتحاد الأوروبي للقانون الجديد.

السياسات الأوروبية تعمّق أزمة المنظمات الأهلية
تواجه منظمات المجتمع المدني في غرب آسيا وشمال أفريقيا، قمعًا واسع النطاق. ورغم ذلك، يواصل صناع السياسات الأوروبيين دعم الأنظمة الاستبدادية، بدلًا من دعم النشطاء لمواجهة الإجراءات القمعية.
في التقرير، ذكرت حالة امرأة سودانية تبلغ من العمر 95 عامًا، اعتُقلت بعد عبورها إلى مصر بشكل غير نظامي. توفيت بعد ذلك بوقت قصير في سيارة نقل السجناء، كانت مصابة وهشة، لماذا لم تتلقَّ معاملة أفضل؟
تثبت هذه الحالة أن الجيش المصري ينظر إلى المعابر غير النظامية كتهديد أمني، حتى لو شمل ذلك أشخاصًا ضعفاء. في حالتها، تعرضت لإصابة جراء حادث وقع أثناء وجودها في سيارة المهربين في الصحراء، وتستغرق الرحلة ما يصل إلى اثنتي عشرة ساعة، وعادةً ما يفتقر اللاجئون إلى وسائل الحماية من الشمس أو الماء العذب أو الطعام.
ومع ذلك، ففي نظر الدولة المصرية، ارتكبت جريمة بعبورها الحدود، ولذلك احتُجزت، وقد تسببت حرارة شهر يوليو/تموز واختناقها في ناقلة سجن سيئة التهوية لساعات طويلة في وفاتها.
علاوة على ذلك، علينا أن نتذكر أن الكثيرين يختفون في الصحراء، إما بسبب حوادث مميتة أو لأنهم ينتهي بهم المطاف في معسكرات عسكرية. ولا توجد عمليات بحث وإنقاذ في الصحراء على طول الحدود المصرية السودانية.
ولو كانت أكثر حظًا ـ لو لم تصب بجروح وتجنبت الاعتقال قرب أسوان ـ فما هي فرصها في الحصول على وضع اللاجئ في مصر؟
منخفض جدًا. لا تكتفي السلطات المصرية باعتقال الوافدين الجدد إلى الصحراء أو أسوان، أول مدينة في طريقهم، بل تُجري أيضًا عمليات تفتيش على طول خطوط الحافلات والقطارات المؤدية إلى القاهرة - حيث لا يُسمح إلا بتقديم طلبات الحماية، ولم يُسمح للمفوضية بإنشاء مراكز تسجيل أقرب إلى الحدود أو بمراقبة الوضع هناك.
حتى لو وصلت إلى القاهرة، فإنّ الفراغ القانوني المذكور كان سيحرمها من الحصول على إقامة أو أوراق قانونية أخرى، وكان خطر الاعتقال والترحيل إلى السودان سيزداد. في عام 2024، وثّقنا أكثر من 20 ألف حالة ترحيل إلى السودان، بما في ذلك أفراد يحملون وثائق مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
يحاول العديد من السودانيين العبور إلى ليبيا، إذ لا يملكون أي فرصة للإقامة القانونية في مصر على المدى الطويل. ووفقًا للسلطات الليبية، استقبلت ليبيا ما بين 20,000 و25,000 سوداني من مصر بين أبريل/نيسان 2023 ويناير/كانون الثاني 2025.

حيل السودانيين للعيش في زمن الحرب
في قلب حرب السودان المستمرة، صار الصمود روتينًا يوميًا، واقتصر الاقتصاد على الضروريات: الغذاء، الكهرباء، الوقود والإنترنت، فيما يلجأ سودانيون إلى حيل مبتكرة لمقاومة الجوع والبقاء تحت خط النار.
لا يُمكن ترحيل المُهاجرين إلى السودان إلا بموافقة الدولة السودانية، ما دور السفارة السودانية؟
بدون موافقة السفارة، لم يكن بإمكان مصر ترحيل أي شخص إلى السودان. تنطوي عمليات الترحيل هذه على انتهاكات عديدة للقانون الدولي: تشتيت العائلات، وتمزيق الوثائق القانونية أو تجاهلها، حتى أن السفارة سهّلت ترحيل غير السودانيين إلى السودان، مثل الإريتريين.
هل يؤثر الوضع أيضًا على مجتمعات أخرى من اللاجئين، مثل السوريين أو الفلسطينيين؟
المجتمعات الأكثر تضررًا هي السودانية، نظرًا لأعدادها الهائلة، ومع ذلك، تستهدف الاعتقالات أيضًا اللاجئين السوريين والإريتريين، بالإضافة إلى العمال المهاجرين من جنسيات مختلفة.
يواجه الفلسطينيون أزمات متعددة. استفادت شركات مرتبطة بالسلطات المصرية عام ٢٠٢٤ من إجبار الفلسطينيين الداخلين إلى مصر عبر معبر رفح على دفع مبالغ تجاوزت ٥٠٠٠ دولار، في الوقت نفسه، لا تُصدر السلطات المصرية تصاريح إقامة للمُجلين، مما يحرمهم من الحصول على الخدمات.
ومع تزايد الانتهاكات وتطرف السياسات، انتشرت خطابات الكراهية والتحريض والمعلومات المضللة حول اللاجئين وطالبي اللجوء على وسائل التواصل الاجتماعي وفي خطابات المسؤولين المصريين.
الوضع الذي تصفه عنيفٌ جدًا، كيف تجمع معلوماتك الميدانية؟
نعمل مع مصادر مختلفة. لدينا مجموعة واسعة من التقارير والوثائق، بعضها متاح للعامة، ومعلومات أخرى تُسرّب إلينا من داخل الإدارة المصرية، ونتحقق من الملفات الداخلية لمختلف جهات إنفاذ القانون.
جمع المعلومات ميدانيًا محفوف بالمخاطر، لأن نشر معلومات "كاذبة" - أو أي معلومات عن المناطق الخاضعة لسيطرة الجيش - يُعدّ جريمةً مُجرّمةً بشدة. كما لا يُمكننا جمع المعلومات في مراكز الاحتجاز، حتى مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين لا تستطيع الوصول إلى تلك المرافق.
نعتمد على الأشخاص الذين يتنقلون بأنفسهم. إنهم أشجع الشهود. يُعدّ تقديم الدعم القانوني أمرًا بالغ الصعوبة نظرًا لانهيار النظام، ولكننا نستطيع توثيق رحلاتهم وجمع شهاداتهم.
قنطرة ©