حوار علمي ومقابلات شخصية تبني جسورا للتواصل
تعمل الهيئة الألمانية للتبادل الأكاديمي منذ أعوام على تطبيق برنامج للحوار مع العالم الإسلامي، حيث تنظم المدارس الصيفية وندوات التبادل والنشاطات الثقافية السنوية، بهدف التقارب بين الثقافتين الأوروبية والإسلامية وإزالة الأحكام المسبقة. تقرير فرنسيسكا نيدريغ
لعبت الهيئة الألمانية للتبادل الأكاديمي في مجال نقل المعرفة الأكاديمية، دائماً، دوراً رائداً في دعم جيل العلماء الناشئين. كذلك ترعى الهيئة فيما يخص العالم الإسلامي برنامجاً واسعاً للتبادل.
على سبيل المثال قَدِمَ في عام 2003 أكثر من 1400 من أعضاء المنح الدراسية إلى المانيا من 19 دولة إسلامية مثل مصر، الجزائر، العراق، إيران، المناطق الفلسطينية، ليبيا، تونس، سورية والسعودية. وتعود العلاقات مع العديد من هذه الدول إلى الخمسينات من القرن الماضي.
كذلك ارتبط النشاط التبادلي للهيئة الألمانية للتبادل الأكاديمي، دائماً، بأهداف ذات طابع تفاعُل-حضاري أشمل، مثل تفاهم الشعوب وتفادي النزاعات الطويلة المدى. وفي سياق أحداث الحادي عشر من أيلول/سبتمبر 2001 أعدت الهيئة الألمانية برنامجاً يكرس الجهود بشكل أشد على الحوار بين الحضارات، وبالأخص بين الحضارتين الغربية والإسلامية.
حوار أوروبي-إسلامي
في خضم النقاش حول الهجمات الارهابية في الولايات المتحدة نشأ برنامج خاص للهيئة تحت عنوان: "الحوار الحضاري الأوروبي-الإسلامي". ولازالت الهيئة تعمل منذ نهاية 2001 على تطوير وتحقيق برنامج الحوار هذا، ليربط التبادل الأكاديمي مع التبادل الحضاري المكثف.
وبدعم من وزارة الخارجية ووزارة التعاون الاقتصادي الاتحادية، تقام سنوياً ندوات تبادل ومدارس صيفية ونشاطات ثقافية، تفعم مضامينُها وبنى برامجُها بتوجهات مخصصة للحوار.
من بين دول التبادل، تُعَدُ مصر الدولة التي تبعث بأكبر عدد من أعضاء المنح الدراسية إلى المانيا. حيث قَدِمَ إلى المانيا في عام 2003 ، أكثر من مئتي مصري من طلبة الجامعات والدراسات العليا، بمنحة من الهيئة الألمانية للتبادل الأكاديمي.
وربما يعود هذا ببساطة إلى العدد السكاني الكبير لهذه الدولة من جانب، إذ تستحوذ مصر، من بين دول التبادل، على أكبر عدد من السكان تقريباً. ومن جانب آخر تبدو مصر، بالمقارنة مع العديد من الدول العربية-الإسلامية الأخرى، على قدرٍ عالٍ من الاهتمام بالحوار مع الغرب.
إلا أنه يلاحظ أيضاً، في الفترة الأخيرة ، انفتاحاً واضحاً في بلدان أخرى تُعنى بالتبادل مع الغرب و/أو مع ألمانيا، حسب رأي مديرة برنامج الحوار الأوروبي-الإسلامي في الهيئة السيدة هايدة ألبرتين. هذا ما ينطبق مثلاً على إيران، كما تشير الأعداد المتزايدة لأعضاء المنح الدراسية الإيرانيين.
لقاءات ألمانية-مصرية
فيما يخص التبادل الالماني-المصري ضمن إطار برنامج الهيئة الألمانية للتبادل الأكاديمي للحوار، فقد أقيمت في العام الماضي مدرسة صيفية تناولت موضوع العولمة. اتيحت خلالها الفرصة لعشرة طلبة، من كل من جامعتي القاهرة والجامعة الحرة برلين ولفترة ثلاثة أشهر، لمعالجة موضوع "بين العولمة والتشرذم: التطور السياسي والثقافي في أوروبا والعالم العربي" بشكل مكثف.
هدفُ هذا النشاط كان تنمية التبادل الثقافي على الصعيدين العلمي والشخصي معاً. فبعد مرحلة تحضيرية منفصلة، حضّرتْ خلالها مجموعتا الطلبة دراسات مشتركة من خلال تواصل أفرادها عبر الإنترنت والبريد الإلكتروني، زار بعدها الطلبة بعضهم البعض لفترة اسبوع، بداية في القاهرة ومن ثم في برلين. وتضمن إطار برنامج المدرسة الصيفية في المدينتين زيارات لمنظمات ومؤسسات غير حكومية.
موضوع العولمة كان في هذا السياق ملائماً من جوانب عديدة، فمن جهة يتقاطع الموضوع مع مسألة الاستقلال الحضاري لبلد أو لجالية معينة، ضمن صيرورة العولمة الزاحفة، ومن جهة أخرى يطرح مسألة طبيعة النموذج الاقتصادي العالمي.
و بذلك استخوذ موضوعان مركزيان من مواضيع الجدل في إطار تفاعل الحضارات – مسألة الهوية الحضارية ومسألة تشكيل الصيرورات الاقتصادية العالمية- على جوهر الندوات. والدراسات المحضرة من فرق عمل ثنائية المانية-عربية شكلت الأساس لنقاشات لاحقة تعمقت في نقاط مختلفة.
الاضطلاع على المجال الحيوي الثقافي للآخر
إيزابِل شِيفر من مؤسسة اوتو-زور للعلوم السياسية في الجامعة الحرة في برلين، قامت كمديرة لندوات المدرسة الصيفية الألمانية-المصرية للعام الماضي بملاحظة جديرة بالاهتمام. فحسب تقديرها كان جانب الثقافة والهوية أكثر أهمية بالنسبة للطلبة المصريين، في حين ركّز الطلبة الألمان على الجانب الاقتصادي ضمن صيرورات العولمة.
فيما يخص تعامل الطلبة مع بعضهم البعض لاحظت شِفر ملاحظة أن العودة إلى معايير السلوك والقيم الثقافية والدينية في المجموعة المصرية كانت أكثر وضوحاً. ما تتنسبه شِفر إلى خلفية الثقافة المصرية الأكثر إنشداداً نحو التقاليد.
المجموعتان استُضيفتا عند عائلات أو في بيوت مشتركة. هذا النوع من السكن له ميزاته الإيجابية مقارنة بالسكن في الفنادق، إذ يوفر امكانية استمرار وتعمق مضمون الحوار العلمي ليصل مستوى الحياة اليومية واللقاءات الشخصية.
استطاع الطلبة إلقاء نظرة مباشرة على مجالات الحياة الثقافية ونسيج حياة المُضيف. وكلا الطرفان وجدا أنفسهما مدفوعين لمراجعة أحكام مسبقة معينة –على سبيل المثال حول وضع الحجاب في مصر أو ما يسمى الطبيعة الباردة للألمان.
"النقاش حول الحجاب يدور هناك على الأقل بنفس الحِدّةَ التي يدور فيها عندنا"، كما تُخبِرُ إحدى الطالبات، بعد أن عايشت في القاهرة كيف أن إرتداء الحجاب في هذه المدينة لا يمثل أبداً بديهيةً لا تناقش. ويشهد طالب مصري بدوره مفاجأة ايجابية، حيث لاقى عند الألمان الذين إلتقاهم، إكراماً للضيف يفوق بكثير توقعاته المسبقة.
المدرسة الصيفية الألمانية-المصرية، التي تمثل فقط نشاطاً واحداًً من النشاطات الحوارية الكثيرة الأخرى التي تجريها الهيئة الألمانية للتبادل الأكاديمي، يمكن وصفها بحق، مشروعا ناجحا. العديد من الطلبة على الجانبين الألماني والمصري قرروا بعدها زيارة فصل دراسي أو إجراء فترة التدريب العملي في الخارج. وهذه القرارات الشخصية بالتحديد هي التي تُشيّد الجسور بين الحضارات وتُمَكِنُ على التفهم الشامل للحضارة الأخرى.
فرنسيسكا نيدريغ
حقوق الطبع قنطرة 2005
ترجمة يوسف حجازي
موقع الهيئة الألمانية للتبادل الأكاديمي في القاهرة