نواب بأفكار "طالبان" في الجمعية الوطنية!
خيم الهدوء مجددا على الأجواء بعد انحسارالزوبعة السياسية والجدل العالمي حول قيام جريدة دنماركية بنشر رسوم كاريكاتور للنبي محمد، لكن اليمين السياسي في فرنسا لا يزال يسخر النزاع القائم حول هذه الرسوم لمحاربة مبدأ العلمانية السائد في البلاد. تقرير كتبه بيرنارد شميد.
تحتم على وزير "الإصلاح" الإيطالي روبيرتو كالديرولي من حزب "رابطة الشمال" اليميني المتطرف أن يستقيل من منصبه بعد تنصيبه بسبب ميله للاستفزاز ونزوعه إلى العنصرية عن طريق إظهار قميصه الداخلي علنا وعليه صورة النبي كإرهابي يرتدي عمامة بقنبلة.
تم في الجزائر في 16 مارس /آذار الماضي الإفراج عن صحفيين اثنين هما بركانه بودربلا وكامل بوسعد كانت وزارة الإعلام قد اتهمتهما أمام القضاء بالإساءة الى النبي محمد.
وكان كل ما حدث هو أن هذين الصحفيين اللذين يترأسان المجلة الأسبوعية السفير وجريدة الرسالة اليومية قد أعادا في ملحقهما الخاص بالشؤون الدينية وفي جريدة اقرأ أيضا نشر رسوم الكاريكاتور المذكورة المتنازع عليها بغرض وحيد هو إحاطة القراء علما بها. وكان من المحتمل فرض عقوبة السجن عليهما لمدة تترواح بين ثلاثة وخمسة أعوام.
كان لهذه القضية أي لنزاع الكاريكاتور انعكاسات متأخرة في الساحة الفرنسية على وجه التحديد. فقد دلت المؤشرات على قيام قسم من المحافظين بتسخير الجدل الدائر لصالحه. لكن هدف هؤلاء الأشخاص ليس وضع حد لأعمال القذف المحتمل قيامها ضد أتباع الديانات الأخرى، أو لنقل إن هذا لم يكن هدفهم في المقام الأول.
بواعث هؤلاء اليمينين هي بالأحرى تسخير الزوبعة التي أفرزتها رسوم الكاريكاتور واستغلال استياء المسلمين بهدف التحقيق ولو الجزئي لرغبة ما فتئت تداعب أذهانهم منذ فترة طويلة ، حيث ينصب اهتمامهم على تكريس الإلغاء ولو الجزئي فقط لمبدأ الفصل التام بين الدين والدولة المعمول به في فرنسا.
مشاريع سن قوانين جديدة من اليمين المحافظ
بادر باتخاذ هذا التوجه نائب برلماني محافظ من جنوب فرنسا يسمى جان مارك روبو وذلك في 28 فبراير/شباط من العام الحالي. فقد قدّم أمام الجمعية الوطنية الفرنسية في باريس مشروع قانون ينص على "تحريم كافة الأقوال والأفعال التي تمتهن الأديان بمختلف أنواعها".
من ناحية أخرى ليس روبو على الإطلاق بذلك السياسي الذي عرف بريادته لتيارات نبذ العنصرية أو باحترام كرامة المهاجرين المسلمين.
على العكس فقد كان هذا النائب على سبيل المثال من أواخر المدافعين وبتعصب شديد عن "قانون الثالث والعشرين من فبراير/شباط 2006" الذي تضمن إلزام المعلمين والعلماء في فرنسا بالتشديد على "الدور الإيجابي للاستعمار في المناطق الواقعة وراء البحار وفي شمال أفريقيا على وجه خاص".
كان هذا الموضوع قد أثار استياء شديدا في الجزائر التي عانت من الاستعمار معاناة من نوع خاص وفي فرنسا نفسها.
أخيرا تدخل الرئيس شيراك بنفسه في شهر يناير/تشرين الثاني الماضي وجعل القضاة الدستوريين يلغون هذه المادة المتنازع عليها خاصة وأنها قامت على أسس قانونية غير سليمة، إذ أن الدستور لا يعطي للسلطة التشريعية صلاحية إعداد البرامج التعليمية للمدارس.
هذا "التراجع" لم يحز على إعجاب روبو، لهذا فقد قدم للبرلمان مشروع قانون جديدا جاء فيه "إن الخلاف الناجم مؤخرا حول موضوع رسوم الكاريكاتور يبيّن إشكالية ضرورة التوفيق بين حرية التعبير عن الرأي والصحافة وبين حرية اعتناق الأديان والأفكار".
جاء في مشروع القانون أيضا "إن حرية التعبير عن الرأي لا تعني الحق في التعدي على المشاعر الدينية لمجموعة أو دولة ما أو القذف فيها أو اللجوء إلى تحريفها."
نائب في الجمعية الوطنية بأفكار "طالبان"
ليس المقصود من وراء ذلك سوى الدعوة إلى إعادة إدخال الفقرة الدستورية المتعلقة بالتجديف بالله. وقد تطرقت المجلة الأسبوعية "كانار إنشين" إلى هذا الموضوع في مقال نشر في 15 مارس/آذار بعنوان "نائب في الجمعية الوطنية يدين بأفكار "طالبان".
بعد ذلك بأسبوعين نشرت المجلة المذكورة نبأ حول تقديم مشروع قانون جديد صادر عن أيريك راؤول وهو نائب محافظ أيضا في البرلمان الفرنسي عن محافظة سين سانت دونيس الواقعة في إحدى ضواحي العاصمة باريس. الجدير بالذكر أن هذا النائب تقلد في غضون التسعينيات منصب "وزير شؤون الاندماج".
يقترح هذا النائب الآن أن يسري مفعول قانون العقوبات الخاص بالصحافة الصادر في عام 1881 في المستقبل على مثل هذه الرسوم الكاريكاتورية. المعروف أن قانون العقوبات المذكور ينص على معاقبة وقائع الامتهان والقذف الواردة في المقالات الصحفية من خلال آلية القضاء. هذا ولم تندرج الرسوم الكاريكاتورية حتى الآن تحت طائل هذا البند القانوني.
يزعم راؤول بأن اقتراحه لا يرمي إلا إلى التجاوب مع رغبة أحد الاتحادات الإسلامية المقيمة في محافظته، رغم أن أغلبية المنظمات الإسلامية في فرنسا كانت قد اعترضت على هذا الاقتراح الذي أراد الوزير السابق راؤول أن يظهره كما لو انه يعبر عن توجهات الأقلية المسلمة في الدولة.
بيرنارد شميد
ترجمة عارف حجاج
حقوق الطبع قنطرة 2006
نحن بحاجة إلى الدين!
كيف يمكن أن يحل الأمن الدائم بالضواحي الفرنسية التي انتشرت فيها المشاكل الإجتماعية والفقر والتمييز العنصري؟ الحكومة الفرنسية قررت التعاون مع جمعيات إسلامية.هل هذا هو الحل؟ تقرير برنارد شميد.
مائة عام من العلمانية
بعد مرور مائة عام على على التوقيع على قانون الفصل بين الدين والدولة وبعد مرور نصف قرن على الهجرة المكثفة من شمال أفريقيا لم تتمكن فرنسا بالفعل من دمج مواطنيها المسلمين. وتواجه الغالبية اليوم مشكلة الشبيبة المهمشة في ضواحي المدن.