سلطات رئيس الجمهورية المصري والرغبة في توسيع دائرة الحكم
تعد مبادرة الرئيس حسنى مبارك بطلب تعديل المادة 76 من الدستور، ليصبح اختيار رئيس الجمهورية بالانتخاب الحر المباشر، خطوة غير مسبوقة فى تاريخ مصر. بعد ها صرح مستشارو مبارك السياسيون، وعلى رأسهم أسامة الباز، أن هذه المبادرة ستعقبها خطوات أخرى على طريق الإصلاح السياسي، ملمحين إلى إمكانية تقنين صلاحيات رئيس الجمهورية. ولا غرو أن التعديلات الدستورية التي نوه عنها الحزب الوطني الحاكم من شأنها أن تقود نظام الحكم في مصر نحو طريق الديمقراطية، في حالة إذا ما تم تطبيقها بالفعل. يسعى مشروع هذه التعديلات إلى منح رئيس الوزراء المصري مزيداً من الصلاحيات، والفصل بين السلطات، وتعزيز دور مجلس الشعب في الرقابة علي أعمال الحكومة. الجدير بالذكر أن فلسفة وروح الدستور الحالي لا يتماشيان مع الواقع المصري المعاش حالياً حسب رأي خبراء القانون والدساتير على مستوى العالم. لا سيما وأن الدستور الحالي قد وضع عام 1971 تحت ظروف سياسية واقتصادية ودولية مغايرة لظروف الدولة الحالية. ولعل أهمها استبدال النظام الاقتصادي المصري الاشتراكي سابقاً بنظام السوق الحر، ناهيك عن الأزمات السياسية الصعبة التي مرت بها مصر في تلك الفترة.
صلاحيات "بالجملة"
يبلغ عدد مواد الدستور المصري التي تنص على سلطات ما 55 مادة. ومن بين هذه الصلاحيات اخُتص رئيس الجمهورية بـ 35 صلاحية، أي بمعدل 63 بالمائه من إجمالي السلطات والصلاحيات, بينما ترك الدستور للسلطة التشريعية بمجلسيها، الشعب والشورى، 14 صلاحية فحسب. وإذا أضيفت الصلاحيات الممنوحة لرئيس الجمهورية إلى سلطته الفعلية، النابعة من موقعيه الرئاسي والحزبي، فإن معنى ذلك هو سيطرة الرئيس عملياً على السلطتين التشريعية والتنفيذية في البلاد، وعلى 88 بالمائه من إجمالي الصلاحيات التي ينظمها الدستور.
فيما يلي أهم ما يخص به الدستور الحالي رئيس جمهورية مصر العربية من سلطات:
رئيس الجمهورية يحكم البلاد بلا منازع تشريعي حقيقي
يخول الدستور المصري رئيس الجمهورية حق إصدار القوانين و الاعتراض عليها، وذلك فقاً لما جاءت به المادة 112. ولرئيس الجمهورية الحق في إصدار اللوائح التنفيذية للقوانين، وله أن ينيب غيره في إصدارها (المادة 144). كما أن له الحق في إصدار لوائح الضبط وإصدار القرارات اللازمة لإنشاء وتنظيم المرافق والمصالح العامة (المادة 146). بالإضافة إلى ذلك فإنه يمكن لمن يشغل منصب رئيس الجمهورية اتخاذ تدابير تكون لها قوة القانون في حال تعطل البرلمان، وإصدار كافة التدابير التشريعية التي تتناسب مع حالة الطوارئ. كما منحه الدستور في المادة 149 حق العفو عن العقوبة وتخفيفها. بالإضافة إلى ذلك هناك سلطات رئاسية مطلقة تتمثل في إبرام المعاهدات الدولية دون الرجوع إلى البرلمان. أما المادة 189 من الدستور فتمنح رئيس الجمهورية منفرداً الحق في تعديل أي مادة من الدستور. كذلك يحق لرئيس الجمهورية حل مجلسي الشعب والشورى في أي وقت شاء، كما يكن له الدستور رخصة إنشاء المحافظات و إلغائها و تحديد نطاقها.
سلطات تنفيذية واسعة النطاق
ووفقاً للمادة 137 من الدستور المصري يعتلى رئيس الجمهورية قمة السلطة التنفيذية في البلاد. ويقع على عاتق صاحب هذا المنصب وضع السياسة العامة للدولة، والإشراف علي تنفيذها بالاشتراك مع مجلس الوزراء. ويدخل في نطاق مهام رئيس الجمهورية المصرية تعيين رئيس مجلس الوزراء ونوابه والوزراء ونوابهم، وإعفائهم من مناصبهم. أما المادة 146 فتعطي رئيس الجمهورية سلطة إصدار القرارات اللازمة بهدف إنشاء وتنظيم المرافق والمصالح العامة. الجدير ذكره هو أن رئيس الجمهورية هو القائد الأعلى للقوات المسلحة، وهو الذي يعلن الحرب بعد موافقة مجلس الشعب.
اتجاه نحو الإصلاح؟
تشكل سلطات رئيس الجمهورية الحالية إزعاجاً لأحزاب المعارضة. ففي تشرين الثاني/نوفمبر 2004 طالبت لجنة الدفاع عن الديمقراطية التي أسسها حزب التجمع اليساري في مصر بإلغاء وتعديل 24 مادة من مواد الدستور، وذلك من أجل الحد من سلطات رئيس الجمهورية وإطلاق حرية تأسيس الأحزاب السياسية. و بعض النظر عن الظروف والضغوط التي نتج عنها التعديل الدستوري، الذي تم إجرائه على المادة 76 في أيار/مايو 2005، يرى العديد من المحليين السياسيين أن هذا التعديل قد يشكل أول الغيث فيما يتعلق بتغيير مواد الدستور المصري. أما عملية إعادة النظر في سلطات رئيس الجمهورية فمن شأنها أن تكون برهاناً على رغبة الرئيس مبارك الفعلية في توسيع دائرة المشاركة في الحكم عن طريق الوسائل القانونية والدستورية.
"ديمقراطية الرئيس"
من المعروف أن النظام الرئاسي الجمهوري هو نظام الحكم السائد في مصر منذ سنوات عديدة. وهو نظام متبع في كثير من الدول الديمقراطية كفرنسا، على سبيل المثال. ولكن.... في مقابلة تليفونية أجرها موقع دويتشه فيلّه مع البروفسور سيليا هاردرس، أستاذة العلوم السياسية بجامعة بوخوم/ألمانيا، قالت هاردرس: "في الدول الديمقراطية ذات نظام الحكم الرئاسي يُمنح رئيس الدولة سلطات واسعة، كونه مسئولاً عن السلطة التنفيذية، ولكن في الوقت ذاته لا يحق لأي شخص كان التدخل أو المساس بالسلطة التشريعية. ومن وجهة نظري فإن الدستور المصري لا يقسم السلطات بعدل بين أجهزة الدولة والرئيس. حتى السلطة القضائية لا تتمتع باستقلاليتها في مصر، لأن الدستور يخول للرئيس المصري إصدار قوانين طوارئ يمكنه من خلالها كبح جماح أي سلطة أخرى لا يشرف عليها. ولا تراقب تصرفات الرئيس مراقبة حقيقية من قبل القضاء كما هو علية الحال في الدول التي يغلب عليها الطابع الديمقراطي، وهذا مبدأ أساسي لأن الرئيس يقود السلطة التنفيذية والحكومة ويشكل مجريات سياسة الدولة. في حالة تواجد كل هذه المفقودات يمكن التفريق بين النظم الديمقراطية وغيرها"، على حد قول أستاذة العلوم السياسية بروفسور هاردرس. ومن المؤكد أن لا ديمقراطية حقيقية دون "سلطة رابعة" وهي الصحافة الحرة.
بقلم علاء الدين سرحان
حقوق الطبع دويتشه فيلله 2005