خطاب وردي وواقع سوداوي

شعار قنطرة
أوباما في خطابه في القاهرة، الصورة أ.ب

ينتقد الناشطون العرب المدافعون عن حقوق الإنسان السياسة التي تنتهجها الولايات المتَّحدة الأمريكية في التعامل مع بلدانهم. وبعد مرور عام كامل على الخطاب الذي ألقاه الرئيس الأمريكي، باراك أوباما في القاهرة وأعرب فيه عن نوايا بلاده الحسنة، لم تفعل إدارة أوباما سوى القليل من أجل حقوق الإنسان العربي، مثلما ترى كريستينا برغمان في التقرير التالي.

تبدو الناشطة الحقوقية، أمل باشا منفعلة؛ هذه المرأة ذات الشعر الداكن تلوِّح بيديها ويكاد صوتها يرتفع ويصبح حادًا جدًا وهي تتحدَّث عن الغارة الجوية التي شنَّتها في اليمن طائرات أمريكية في شهر كانون الأوَّل/ديسمبر الماضي، وأصيب فيها معسكر تدريب مزعوم يعود لتنظيم القاعدة؛ بيد أنَّ معظم الذين لاقوا مصرعهم في هذه الغارة كانوا من النساء والأطفال. وثم تهتف قائلة "نحن أصدقاء لأوباما، ولكننا لم نستطع تصديق ذلك".

وتقول لقد كانت ردة فعلها الأولى، عندما سمعت بتهنئة الرئيس الأمريكي للحكومة اليمنية بالغارة التي قتل فيها اثنان وخمسون شخصًا، أنَّها اعتقدت أنَّ ذلك يجب أن يكون نتيجة معلومات خاطئة. وتتابع قولها: "لكن فكِّروا في معاناة الناس هناك"، كما أنَّها تنتقد اليمن لأنَّها دولة من الدول التي تستغل الحرب على الإرهاب الدولي من أجل ملاحقة المعارضين السياسيين وتكميم أفواههم.

وأمل باشا هي رئيسة منتدى الشقائق العربيات لحقوق الإنسان في اليمن؛ كما أنَّها كانت مدعوة من قبل مؤسَّسة هاينريش بول الألمانية مع مدافعين آخرين عن حقوق الإنسان إلى العاصمة الأمريكية. وفي فعالية أقامتها الأسبوع الماضي مؤسَّسة كارنيغي للسلام الدولي وصفت أمل باشا انطباعاتها وطلبت من الإدارة الأمريكية المزيد من الانفتاح في التعامل مع الناشطين المدافعين عن حقوق الإنسان. وقالت: "في كلِّ اجتماع وفي كلِّ فعالية يجب أن يكون المجتمع المدني مشاركًا معنا في الحوار". وكذلك يجب وضع حدّ لعقد الاجتماعات ضمن مجموعات صغيرة في سفارات الولايات المتَّحدة الأمريكية. وثم تابعت قائلة: "نحن لا نريد هذه الاجتماعات السرية، لأنَّه لا توجد لدينا أي أسرار". وأضافت أنَّ التضامن الاجتماعي يعتبر السلاح الأكثر فعالية في محاربة الأنظمة الاستبدادية.

خيبة أمل من الإدارة الأمريكية

لا يشهد المدافعون العرب عن حقوق الإنسان بشهادة حسنة لإدارة الولايات المتَّحدة الأمريكية بعد مرور عام كامل على الخطاب الذي ألقاه الرئيس باراك أوباما في القاهرة. وكذلك لا أحد يشك في النوايا الحسنة - ولكن الأفعال تدل على شيء آخر، مثلما يقول أيضًا بهي الدين حسن، مدير مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان.

وإذا كان الأمريكيون غير قادرين على القيام بأفعال حسنة، فيجب عليهم على الأقل الامتناع عن القيام بأفعال سيئة، مثلما يقول بهي الدين حسن ويذكر مثالين على ذلك؛ أي الدعم الأمريكي غير المشروط للنظام الدموي في اليمن والاعتراف الأمريكي بالتعريف المصري الرسمي للمنظمات غير الحكومية. فهذا التعريف يحدّ من حريات أفراد المجتمع المدني، "وهذا أمر مخيف"، مثلما يقول بهي الدين حسن. وكذلك يدعو الصحفي كمال العبيدي إلى شجب انتهاكات حقوق الإنسان بشكل علني. والعبيدي يعيش الآن في الولايات المتَّحدة الأمريكية، بيد أنَّه كثيرًا ما يسافر إلى الأقطار العربية كما أنَّه زار مؤخرًا في شهر أيَّار/مايو وطنه تونس.

وهناك في تونس تم إصدار قانون يمنع الناشطين المدافعين عن حقوق الإنسان من إجراء اتصالات مع منظمات أجنبية. ويقول العبيدي إنَّ ردود الفعل التي صدرت عن حكومات كثيرة خيَّبت أمله: "من المحزن أن تسكت على ذلك كلّ من الدول الأوروبية والولايات المتَّحدة الأمريكية". ويضيف أنَّ الولايات المتَّحدة الأمريكية تمدح بالإضافة إلى ذلك النظام التونسي على التقدّم المزعوم الذي حقَّقه في سياسة حقوق الإنسان وتتجاهل انتهاكات هذا النظام لحقوق الإنسان.

بداية جيدة وانتظار الخطوة الثانية

وكذلك ينظر الناشطون العرب إلى العلاقة بين الولايات المتَّحدة الأمريكية ومصر بشكّ وارتياب. وباسم سمير عوض مدوِّن مصري وناشط يدافع عن حقوق الإنسان، يبلغ عمره سبعة وعشرين عامًا ويعيش في القاهرة؛ وكان عقد مثل الكثيرون من العرب آمالاً كبيرة على الخطاب الذي ألقاه أوباما في مدينته القاهرة.

ولكنه مثلما يقول أصيب في الأشهر التي تلت هذا الخطاب بخيبة أمل، وذلك لأنَّ كلام أوباما لم تتبعه أي أفعال. ويضيف قائلاً: في القاهرة لم نعد نسمع فترة طويلة أي شيء من الأمريكيين. وبعد ذلك تمت دعوته لأوَّل مرة في شهر كانون الثاني/يناير الماضي إلى الولايات المتَّحدة؛ وهناك قال له مناظروه إنَّه يجب عليه الصبر أكثر. وعلى ذلك يعلِّق باسم سمير قائلاً: "أنا أعرف أيضًا أنَّ كلَّ إدارة في البيت الأبيض تهتم أوَّلاً بالسياسة الداخلية وليس بالشؤون الدولية".

وفي الفترة الأخيرة لاحظ باسم سمير تطورًا إيجابيًا. فعندما ألقي القبض عليه شخصيًا وبقي في السجن ثلاثين ساعة، انتبهت وزارة الخارجية الأمريكية إلى قضيته؛ إذ ذكرت اسمه وزيرة الخارجية الأمريكية، هيلاري كلينتون التي تمكَّن من الاجتماع بها فيما بعد، حسب قول هذا الناشط الشاب المدافع عن حقوق الإنسان. وعندما تم في شهر حزيران/يونيو الماضي قتل الشاب المصري خالد سعيد (28 عامًا) بسبب عنف الشرطة، أعربت الولايات المتَّحدة الأمريكية عن قلقها إزاء ذلك وطالبت بإجراء تحقيق. وهذا يمثِّل بداية جيدة، "لكننا ننتظر الآن الخطوة الثانية"، على حدّ قول الناشط المصري باسم سمير.

انتخابات حرّة ونزيهة في مصر؟

وهذه الخطوة الثانية سوف تصل مصر على أبعد حدّ في العام المقبل، أي عندما يحين موعد الانتخابات البرلمانية. وعندها يجب على واشنطن أن تدفع أقرب حلفائها في الشرق الأوسط إلى السماح بإجراء انتخابات حرّة ونزيهة، وقبل كلِّ شيء السماح بترشيح منافسين حقيقيين للرئيس حسني مبارك، حسب رأي باسم سمير؛ والمواطنون المصريون سوف يهتمون كثيرًا بذلك.

ولكن مع ذلك تعتبر منظَّمات حقوق الإنسان العاملة ميدانيًا، هي في الحقيقة مَنْ يؤدِّي في آخر المطاف العمل الحاسم، مثلما يقول رئيس جمعية "حقوق الإنسان أولاً" السعودية، إبراهيم المقيطيب الذي يصف نفسه بأنَّه شخص واقعي. ويقول المقيطيب إنَّه لم يتوقَّع الكثير من الإدارة الأمريكية الجديدة حتى بعد خطاب أوباما في القاهرة. ولكن لقد كانت - مثلما يقول - محادثاته في واشنطن مع ممثِّلين عن وزارة الخارجية الأمريكية إيجابية.

وربَّما سوف تتمكَّن الإدارة الأمريكية بعد عام من تقديم سجل أفضل فيما يتعلق بدعم حقوق الإنسان في منطقة الشرق الأوسط. ولكن من الأفضل لنا أن لا نعتمد على ذلك كثيرًا، فربَّما ستقرِّر الولايات المتَّحدة الأمريكية مهاجمة إيران. وهنا يضيف المقيطيف مازحًا: "وعندئذ لن يعد لديهم اهتمام بالناشطين".

كريستينا برغمان
ترجمة: رائد الباش
مراجعة: هشام العدم
حقوق النشر: دويتشه فيله 2010

قنطرة

اختيار أوباما القاهرة لمخاطبة العالم الإسلامي:
خطاب من "قلب" العالم الإسلامي إلى "العقل" الإسلامي... الرسائل والرؤى
مع قرب زيارة الرئيس الأمريكي أوباما لمصر والخطاب الذي سيوجه من جامعة القاهرة للعالم الإسلامي، رأى البعض أن هذا الخطاب تأكيد على أن مصر تمثل قلب العالم الإسلامي تاريخا وحضارة وتأثيرا، فيما رأى آخرون أنه يصبّ في مصلحة دعم نظام مستبد. نيللي يوسف من القاهرة تحدثت إلى عدد من المحللين والحزبيين حول هذا الخطاب ودلالاته.

أوباما والعالم الإسلامي:
قطيعة مع الحقبة البوشية... إشارات تصالحية تصالحية
جددت المقابلة التي أجرتها قناة العربية مع الرئيس الأمريكي الجديد باراك أوباما الآمال في بداية عهد جديد في العلاقات الأمريكية مع العالم الإسلامي. غير أن كسب ثقة العالم الإسلامي يستوجب سياسات بعيدة المدى كما يرى عدد من الخبراء. شمش العياري رصدت آراء بعض المحللين حول آفاق السياسة الخارجية الأمريكية تجاه العالم الإسلامي.

أوباما وسياساته الشرق أوسطية:
دبلوماسية "أوبامية" جديدة على إيقاعات شعار التغيير؟
سب رأي الخبير وأستاذ العلوم السياسية توماس يِيغَر لا يمكن توقّع قيام إدارة الرئيس أوباما بإحداث تغييرات جذرية في سياستها الخارجية تجاه الشرق الأوسط. غير أن الأمر الأكثر أهمية هو إن كانت السياسة الخارجية الأمريكية سوف تتَّبع مسارًا سياسًيا جديدًا مختلفًا عن الحرب على الإرهاب.