دبلوماسية "أوبامية" جديدة على إيقاعات شعار التغيير؟
تضاعفت في عهد الرئيس جورج دبليو بوش مشكلات السياسة الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط، في وقت تضاءلت فيه أيضا بصورة شديدة القدرات على إيجاد حلول لهذه المشكلات بطريقة تصب في مصلحة الولايات المتحدة الأمريكية. وهكذا فلا عجب من أنَّ انتخاب باراك أوباما في منصب الرئيس الرابع والأربعين للولايات المتحدة الأمريكية لقي صدى إيجابيًا في هذه المنطقة.
وهذا يعكس آمال المجتمع الأمريكي في أن يقوم الرئيس أوباما بعد العشرين من شهر كانون الأول 2009 بإجراء تغييرات جذرية خاصة في سياسة الولايات المتحدة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط؛ بيد أنَّ المؤشرات على ذلك تبدو ضئيلة، ولكن مع ذلك لم تصدر الإدارة الأمريكية بعد قراراتها الأساسية بهذا الخصوص.
وبشكل العام ما يزال المسار السياسي العام الذي ستنتهجه إدارة باراك أوباما في السياسة الخارجية غير معروف. وفي عهد الرئيس جورج دبيلو بوش كان قبل كلِّ شيء هم الإدارة الأمريكية تسويغ سياساتها في الشرق الأوسط تحت شعار نشر الديمقراطية. كما أن الكثيرين من مراقبي السياسة الخارجية الأمريكية سيرحِّبون بعدم تصعيد الأزمات تحت غطاء إيديولوجي.
"قصة أوباما الكبيرة" والسياسة الأمريكية الخارجية
ولكن على الرغم من ذلك من المتوقع أن يروي اوباما "قصته الكبيرة" فيما يتعلق بالسياسة الخارجية الأمريكية وذلك لسببين؛ والسبب الأول هو ضعف الرئيس الأمريكي في السياسة الداخلية على المستوى المؤسساتي - حتى وإن كانت حاليًا المهام البارزة موجودة هنا فإنَّ أوباما سوف يبحث في الفترة القريبة عن صفة سياسية في السياسة الدولية. والسبب الثاني أنَّ طريقة أوباما في حملته الانتخابية كانت تكمن في تقديم قصة كبيرة للناخبين يجد فيها مكانه. والآن صار هو والناخبون يفكِّرون قبل كلِّ شيء في الانتخابات القادمة.
وفي ضوء الأهمية الكبيرة التي ستعلِّقها إدارة باراك أوباما على التواصل مع الرأي العام وكذلك بسبب تحديد شكل الدور الذي يقوم به الرئيس في السياسة الدولية تكتسي فكرة صياغة النظام العالمي برؤية جديدة أهمية خاصة. وهو أمر سيسند إلى الرئيس لتحديد معالمه وشكل توجهاته. وحاليًا لا تُظهر التحدِّيات المنفردة التي تواجه سياسة الإدارة الأمريكية في الشرق الأوسط أي مواقف سياسية متوازية وهذا ما سينكشف إذن فيما بعد.
الحرب على العراق وأهميتها المحورية
ومن وجهة نظر المجتمع الأمريكي يكتسي التعامل مع الحرب على العراق أهمية محورية؛ إذ إنَّ أوباما لم يتَّخذ من هذه الحرب أثناء حملته الانتخابية حجة أخلاقية وسياسية وحسب، بل كذلك اقتصادية. ولذا، فإن لم يقم بسحب القوات الأمريكية من العراق خلال ستة عشر شهرًا سوف يضطره ذلك إلى تحمل فاتورة هذه الحرب، إضافة إلى التشكيك في مصداقيته.
وحاليًا تجري إدارة الرئيس جورج بوش مفاوضات مع الجانب العراقي بشأن الانسحاب من المدن العراقية في عام 2009 ومن العراق حتى عام 2011. غير أنه ولأسباب عملية لن يتمكَّن أوبا تقريبًا من الإسراع في عملية الانسحاب. ولكن سوف يكون الأمر أخطر بكثير من هذا التأخير، إذا ما ازدادت الأوضاع سوءا وتزعزعا في العراق. وسيشكل انسحاب القوات الأمريكية وزعزعة استقرار العراق واجتياحات عسكرية جديدة كارثة سياسية بالنسبة للرئيس أوباما.
وهذا الخطر يحدّ كثيرًا من قدراته على العمل في العراق. زد على ذلك أنَّه سوف يتم هناك في عام 2009 إجراء انتخابات ولا يمكن التكهّن في الدينامية التي ستطوِّرها قيادة الحملة الانتخابية. وإذا لم يتطوّر العراق بسرعة ليصبح بلدًا مستقرًا على المستويين السياسي والاقتصادي - الأمر الذي لا يتوَّقعه أحد في الوقت الراهن- فعندئذ سوف يتحتَّم على إدارة الرئيس أوباما أن توضِّح سبب استمرارها في إبقاء آلاف من الجنود الأمريكيين في العراق. ومن المتوقَّع حسب الوضع الراهن أن تظلّ تشكِّل الحرب على الإرهاب "القصة الكبيرة" لتبرير الوجود الأمريكي في العراق.
مجال عمل ضيِّق في الأزمة النووية
وكذلك يكمن التحدي الإيراني في النمو المستمر لقدرات إيران التقنية النووية. ولم تتمكَّن الجهود متعدِّدة الأطراف من حمل الحكومة الإيرانية على تغيير سياستها النووية. وكذلك من الممكن للجهود الأمريكية ثنائية الأطراف والتي تم التنويه إليها في الحملة الانتخابية أن تزيد المخاوف لدى الحلفاء من إقدام أمريكا على العمل من طرف واحد، من دون إيجاد حلّ لهذه المشكلة. وعندئذ سوف تفشل الدبلوماسية الأمريكية وحدها، لاسيما وأن النجاح الدبلوماسي مرهون بقرار القيادة الإيرانية.
ولم يستثن باراك أوباما العمل العسكري قطّ - كما أنَّه نوَّه باستمرار إلى أنَّ المصالح الإسرائيلية يتم تحديدها ووضع أولوياتها في إسرائيل. ففي آخر المطاف يبقى كلّ شيء مرهون بالإجابة عن هذين السؤالين: هل يمكن التمييز بين استخدام الطاقة الذرية السلمي واستخدامها العسكري، وإذا كان الجواب نعم، فما هي الشروط؟ وهل تعتبر القيادة الإيرانية على استعداد لقبول هذه الشروط؟
إنَّ مجال العمل الأمريكي يعتبر أيضًا في هذا الصدد ضيِّق جدًا. وإذا كانت إدارة الرئيس أوباما لا تريد الاستمرار في قبول لعب طهران على وتيرة الزمن، فسيتحتَّم عليها أن تحدِّد بوضوح ما هي الأهداف التي تسعى لتحقيقها الدول الستة- الولايات المتحدة وروسيا والصين وفرنسا وبريطانيا إلى جانب ألمانيا- وسيتحتَّم عليها أيضًا تحديد ما سيحدث في حال رفضت إيران هذه الأهداف. وإلاَّ فلا يمكن على الأقل من حيث الوقت استبعاد أن تطوِّر إيران في الأعوام الثمانية القادمة أسلحة نووية. والحرب على الإرهاب يمكن أن تعلِّل مثل هذا العمل.
أفغانستان: جبهة قتال مركزية في الحرب على الإرهاب
لقد وصف باراك أوباما إرسال المزيد من الجنود إلى أفغانستان بأنَّه أمر يدخل ضمن جبهة القتال المركزية في الحرب على الإرهاب. وحاليًا يقوم الجنرال ديفيد بتريوس بإعداد خطة خاصة بأفغانستان مشابهة للخطة الأمنية في العراق التي أطلق عليها اسم "Surge" والتي ترتكز بشكل كبير على تعزيز القوات الأمريكية. وفي هذا الإطار أيضا من الممكن أن يتسع نطاق العمليات العسكرية وتزداد حدتها عما هو عليه الآن في المنطقة الحدودية مع باكستان. وبذلك لقد وصلت إلى أوروبا مطالب الأمريكيين من الدول الحليفة بزيادة عدد قواتها. ولكن السؤال الذي سيتم طرحه هو ما مدى المشاركة التي سوف يتم ضمانها للحكومات الأوروبية في صنع القرار لقاء ذلك؟
ولكن يبقى من غير الواضح تمامًا كيف سيتم حلّ المشاكل الموازية في اقتصاد الحرب والحكم القبائلي. ومن الممكن أن تصبح أفغانستان المشكلة المركزية لدى إدارة الرئيس أوباما، إذا لم يتم تحديد الهدف السياسي لهذه الحرب وبذلك إيجاد تحديد دقيق لإستراتيجية انسحاب يحتملها التحالف. ويجب على الإدارة الأمريكية الجديدة أن تراجع التطوّرات في الشرق الأوسط بصورة أعمق نظرًا إلى تأثيرات هذه التطوّرات على العلاقات مع روسيا والصين والهند. فهذه الدول تشكِّل مع أوروبا المخمَّس السياسي العالمي.
ومن الممكن أن يقوم أوباما بتعيين مبعوث خاص لمعالجة أزمة الشرق الأوسط، وذلك من أجل الاستغناء عن وزير خارجيته للقيام بهذه المهمة. وربما ستعير الإدارة الأمريكية اهتماما أكثر بأهمية تركيا الإستراتيجية. غير أنَّ السؤال الحاسم هو إن كان باراك أوباما سيستمر في تعليل نشاط الولايات المتحدة الأمريكية في الشرق الأوسط بالحرب على الإرهاب أم أنَّ السياسة الخارجية الأمريكية ستتَّبع مسارًا سياسيًا جديدًا؟
توماس يِيغَر
ترجمة: رائد الباش
قنطرة 2008
قنطرة
نتائج الرئاسة الأميركية ومستقبل العالم العربي:
العالم يتغير والعرب خارج قواعد اللعبة العالمية
لن تكون مهمة الرئيس الأمريكي القادم سهلة، فقد خلفت إدارة بوش إرثا ثقيلا من الملفات والتحديات الجسيمة التي كان آخرها أزمة أسواق المال التي طرحت تساؤلات حول عودة نظام التعددية القطبية وصعود قوى عالمية جديدة. كل هذا التحولات تدور بعيدا عن إدراك العالم العربي لآثارها ونتائجها وفق تحليل الكاتب الكويتي أحمد شهاب.
حوار مع الباحث عمرو حمزاوي:
"التحول الديمقراطي يبدأ من رحم المجتمعات العربية"
يرى عمرو حمزاوي، كبير الباحثين بمعهد كارنيغي للسلام في واشنطن، أن عملية التحول الديموقراطي في المجتمعات العربية يجب أن تكون نتاج حراك اجتماعي مؤسساتي مدني من خلال عملية ديناميكية داخلية تدفع نحو التأسيس لثقافة الديمقراطية نهجا وممارسة مع ضرورة توافق العوامل الإقليمية والدولية لإنجاح هذه التجربة. بسام رزق في حوار مع الباحث حمزاوي.
العالم العربي: الحركات الاحتجاجية الجديدة وإعادة اكتشاف السياسة
المستقبل مرهون بحدوث انفراجات ديمقراطية حقيقية!
حركات معارضة جديدة مثل كفاية المصرية وكفى الفلسطينية وارحلوا اليمنية وغيرها شديدة الشبه بالحالة الأوروبية الاحتجاجية في أخريات القرن الماضي، على الرغم من الاختلافات الجوهرية بين أنماط نظم الحكم ومستويات النمو المجتمعي. تحليل عمرو حمزاوي