معهد جديد للثقافة الإفريقية

بيرت فلينت هولندي الأصل مقيم في المغرب منذ أكثر من خمسين عاما، مولع بالثقافة المغربية والبربرية والإفريقية، قام بتأسيس معهد لدراسة هذه الثقافات. تقرير بيآت شتاوفر

بيرت فلينت الهولندي الذي يقيم منذ 50 سنة بالمغرب الأقصى وينكب منذ عشرات السنين على البحث في الثقافة المغربية وفي علاقات التبادل الثقافي بين بلدان المغرب العربي وبلدان الساحل الغربي يهب جزءا كبيرا من مجمّعاته لجامعة مراكش.

ويريد بهذا العمل أن ينشئ داخل مقر "متحف فلينت" الخاص معهدا يتولى البحث في الموروث الثقافي الثري لمناطق الصحراء والأقاليم المجاورة لها.

أكثر من خمسين سنة قد مرت الآن عن تلك الزيارة التي وضع خلالها بيرت فلينت من مواليد مدينة غرونينغن الهولندية قدمه لأول مرة فوق تراب المغرب الأقصى. وقد ملكت هذه البلاد إعجابه وفتنته منذ اللحظة الأولى بما جعله يقرر الانتقال للإقامة في مدينة مراكش حالما أنهى دراسته الجامعية في شعب اللغات والثقافة الإسبانية والعربية وتاريخ الفنون.

ومنذ سنة 1957 ما يزال فلينت يقيم هناك دون انقطاع، عدا مرة واحدة غادر فيها المدينة من جل إقامة طويلة في إيران حيث أولى اهتمامه إلى دراسة بدايات ظهور الفن الإسلامي. في شهر ماي 2006 ومباشرة بعد عيد ميلاده الخامس والسبعين يقرر فلينت أن يهب مجمعاته الثرية وكذلك بيته الفاخر بالمدينة العتيقة لجامعة مراكش.

اهتمام بالثقافة المحلية

لكن لنعد لإلقاء نظرة سريعة إلى الوراء أولا. لمدة تتجاوز الخمس وعشرين سنة ظل بيرت فلينت يعمل مدرسا في ثانوية بمدينة مراكش وفي "مدرسة الفنون الجميلة" بمدينة الدار البيضاء. وبينما كان اهتمام فلينت موجها خلال السنوات الأولى من إقامته في المغرب بصفة أولية إلى التقاليد الفنية الأندلسية العربية التي مازالت آثارها حية في مدن مغربية عديدة مثل مراكش وفاس على وجه الخصوص، فإنه ومنذ السبعينات قد راح يوجه اهتمامه أكثر فأكثر إلى الثقافة المحلية وأشكالها التعبيرية المتنوعة.

وقد شرع في تجميع منسوجات وحليّ وأشياء أخرى من ثقافة الحياة اليومية، وذلك في زمن لم يكن فيه أحد تقريبا يولي اهتماما بمثل هذه الأشياء. وبطريقة أقرب منها إلى المغامرة في بعض الأحيان راح فلينت يقوم برحلات استكشافية في أماكن نائية من منطقة الأطلس الكبير والمناطق النائية المتاخمة للصحراء، وشرع في تقصي معالم تلك "الثقافة الريفية" الموسومة بالطابع البربري في المقام الأول.

تأثير الساحل الإفريقي

في سنة 1981 أحال فلينت نفسه على المعاش المبكّر كي يتفرغ للاعتناء بمجمّعاته ومتابعة بحوثه. وبعد أربع سنوات افتتح معرض مجمعاته التي يأويها بيت تقليدي فاخر داخل المدينة العتيقة بمراكش.

وخلال العشر سنوات الأخيرة راح اهتمام هذا الباحث الذي لا يعرف الكلل يتحول باتجاه الفضاء الصحراوي وعلاقات التبادل الثقافي الذي ظل لعدة قرون من الزمن يربط بين المغرب وما يسمى اليوم ببلدان الساحل الإفريقي؛ تبادل يؤكد فلينت بكل قناعة بأنه كان له من التأثير على مملكة العلويين أكثر مما يعتقد أغلب المغاربة.

هذه الرحلات الاستطلاعية غدت تقود فلينت دوما أبعد فأبعد: إلى موريطانيا ومالي والنيجر وبوركينا فاسو وداخل واحات الجنوب المغربي.

وخلال السنوات الأخيرة تركزت جهود فلينت على البحث عن أفضل الحلول التي يمكن أن يجدها لصيانة متحفه. وقد اتجهت مساعيه إلى ثلاث إمكانيات مختلفة لهذا الغرض: أولها إدماج متحفه الخاص ضمن إطار "معهد الدراسات الصحراوية" الذي أشار على الملك بتأسيسه؛ والطريقة الثانية هي إنشاء مؤسسة ثقافية خاصة تحتضن ذلك المتحف، والثالثة هي وضع المتحف ضمن إطار التعاون مع المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية(IRCAM).

أخيرا استقر قرار فلينت على صيغة التعاون مع جامعة مراكش. وفي أواخر سنة 2006 وهب فلينت جامعة مراكش بيته بالمدينة العتيقة وجزءً هاما من مجمّعاته الهائلة. وبالمقابل تعهدت الجامعة بتكوين "معهد بيرت فلينت لتراث الشمال الغربي لإفريقيا" داخل "بيت تيسكوين". ومن المنتظر أن يتم افتتاح هذا المعهد الجديد في شهر جوان/حزيران 2007 بتنظيم ندوة عالمية.

عمل أكاديمي مضمون

كان هذا الحل الأخير مقنعا أكثر من غيره بالنسبة لفلينت، ذلك أنه يبدو الحل الذي يضمن تواصل نشاطات بحوثه، إذ العمل داخل هذا الإطار الجامعي يمكّن أيضا من دعم التعاون مع بلدان الساحل الإفريقي كما يؤكد ذلك فلينت لموقع "قنطرة".

وقد أكدت له جامعة مراكش نيتها في تقديم الدعم لذوي الاهتمام من طلبة هذه البلدان والعاملين على إنجاز أطروحات دكنوراه وذلك عن طريق ضمان الحصول على منح بحوث من مؤسسات عالمية. ويكون على هؤلاء بالمقابل أن يتعهدوا بتقديم أطروحات دكتوراه داخل شعبة "السياحة والموروث الثقافي" بجامعة القاضي عياض.

كما عبرت جامعة مراكش عن استعدادها لإنشاء شعبة دراسات جديدة لـ"تاريخ الفنون"، وهو اختصاص لا يوجد في أي من الجامعات المغربية إلى حد الآن.

الاستعدادات جارية على قدم وساق حاليا كي يستطيع "معهد بيرت فلينت" أن يشرع في نشاطاته خلال الصائفة القادمة. وإلى جانب المعرض القار الذي يوجد حاليا وسيواصل استقطاب جمهور العموم، سيوفر المعهد مكتبة متخصصة وأماكن عمل لعدد من الطلبة ومعدي أطروحات الدكتوراه وقاعة لإقامة شتى التظاهرات. وسيقوم بيرت فلينت مستقبلا بدور "المتعهد" الذي يشرف على المعروضات والواد المجمعة، أما الخطة الإدارية فسيتولاها أستاذ من جامعة مراكش.

مشاريع جديدة

سيسعى "معهد بيرت فلينت" إلى جانب هذا إلى تمتين عمل التعاون الذي ما يزال متواضعا جدا بين مؤسسات بلدان الشمال والشمال الغربي الإفريقي. وفي هذا الإطار سيتم العمل على إنشاء روابط تعاون بين الجامعات والمتاحف بصفة خاصة، وقد تكرست الخطوات الأولى لهذا التعاون مع "المتحف الوطني للنيجر" في نيامي.

وبالرغم من بلوغه سنا متقدمة ما يزال فلينت يتابع مشاريع عمل جديدة دوما. والآن يتجه باهتمامه إلى مدينة بني ملال الواقعة على سفح الأطلس المتوسط حيث يُجري محادثات حول فكرة إنشاء "متحف الترحال الموسمي".

وإذا ما كتب لهذا المشروع أن يبعث إلى الوجود فإن فلينت يعتزم أن يهب مجمّعاته من المنسوجات في شكل إعارة دائمة. وفي هذا الإطار يعتزم هذا البحّاثة والمجمّع الذي لا يكلّ أن يقوم بمساعي للحصول على دعم مؤسسات ثقافية عالمية نشطة من بينها مؤسسة كونراد أدناور الألمانية.

بقلم بيات شتاوفر
ترجمة علي مصباح
حقوق الطبع قنطرة 2007

بيات شتاوفر صحفي سويسري متخصص بشؤون شنال إفريقيا

"معهد بيرت فلينت لتراث الشمال الغربي الإفريقي" الذي ينتظر افتتاح نشاطاته في شهر جوان/حزيران 2007 سيكون مقره على العنوان التالي:
"بيت تيسكيوين" (Maison Tiskiwin) شارع الباهية رقم 8. مراكش
الهاتف: 00212 24 38 41 52
e-mail: tiskiwin@yahoo.fr