حيث يمتزج الإسلام بطقوس قديمة
في كل عام في الأَوّل من سورو، أَي في رأَس السنة الجاوية، يصعد سلطان جوكجكارتا متبوعًا بموكب ديني احتفالي إلى الـ"ميرابي". وعلى قمة جبل كالديرا البركاني الأَنشط في العالم، والذي يرتفع إلى الشمال من مدينة السلطان الجاوية المركزية، يصلي الحجاج لقوى الطبيعة راجينها إنقاذهم من جميع المصائب.
ويقدِّمون العطايا التي يحضروها معهم - من أَرز وزهور وفواكه - كقرابين يضعنوها في فوّهة البركان التي يتطاير منها الدخان. يمتد هذا الطقس فيما بعد في شاطئ بارانغتريتيس الرملي الأَسود. وفي هذه المرّة تقدم القرابين إلى آلهة البحر في أمواج البحر الهائجة على الشاطئ.
وبالفعل يتزامن الأَول من سورو دائمًا وأَبدًا مع الأَول من محرّم، أَي مع عيد رأَس السنة الهجرية. وهذا ليس من باب الصدفة فقط: إذ أَنّ معظم المشاركين في هذه الطقوس والشعائر البوذية-الهندوسية الإحيائية الأَرواحية هم - مثلهم مثل السلطان - مسلمون.
وفي إندونيسيا يوجد أَكبر تجمّع للمسلمين في العالم. حيث تصل نسبة المسلمين إلى حوالي 90 بالمائة من بين سكان البلاد البالغ عددهم 240 مليون نسمة. بيد أَنّ الكثيرين من المسلمين الإندونيسيين يمارسون حتى يومنا هذا دينًا أَقرب إلى التوفيق والتآلف بين متناقضات مذهبية، مختلط بالتقاليد الثقافية والدينية الأخرى، كثيرًا ما يتم نقده من قبل الداعين إلى إسلام نقي.
تقاليد دينية قديمة
لقد انتشرت في إندونيسيا من بعد القرن الخامس كل من البوذية والهندوسية، بيد أَنّ هاتين الديانتين امتزجتا هناك منذ البداية مع بعضهما البعض وكذلك مع التقاليد القديمة.
لقد جاء الإسلام إلى الأَرخبيل ذي الأَطراف المترامية المكوّن من سبعة عشر أَلف جزيرة مع تجار عرب وهنود. وكان يمثّل السكان القدماء هناك طوائف ذات معتقدات إحيائية وأَرواحية ترتبط عباداتها وطقوسها بالأَموات والأَرواح.
وحتى يومنا هذا لا تزال تعيش شعوب ذات معتقدات إحيائية وأَرواحية على سبيل المثال في غرب بابوا أَو في جزر منتاوي.
كانت أَوّل مملكة اعتنقت الإسلام هي مملكة بيرلاك - أَي إقليم آتشيه الذي تكثر فيه الأَزمات في يومنا هذا والمعروف أَيضًا باسم "شرفة مكّة". وقد انتشر الإسلام في الجزر الأخرى أيضًا ولكن في القرنين الخامس عشر والسادس عشر، إلاّ أَنّه بقي في تلك الفترة دينًا لخاصة الشعب.
ومع أَنّه تحتم على الشعب الاعتقاد بدين الحكّام، إلاّ أَنّهم استمروا في ممارسة خليط من ديانات قديمة وعادات محلية. أَمّا حاليًا فتتواجد هذه المعتقدات الإحيائية الأَرواحية بصورة خاصة في مناطق البلاد الداخلية.
خليط من المذاهب والاعتقادات
يمكن تقسيم المسلمين الموجودين في جزيرة جاوة الرئيسية المكتظة بالسكان إلى مجموعتين رئيسيّتين: الـ"سنتري" أي الملتزمون ممن لا يختلط بإسلامهم شيء من معتقدات أخرى ولهم توجهات عربية وكذلك أَتباع مذهب "كي جاوي" - وهو خليط من عادات إحيائية أَرواحية وهندوسية-بوذية وإسلامية ومحلية.
وطبعًا يوجد في مناطق أخرى من البلاد تآلف بين متناقضات مذهبية: فالمسلمون في كاليمانتان مثلاً لا يزالوا محافظين على عادات وتقاليد مذهبية إحيائية أَرواحية.
"كثيرًا ما يفهم تآلف المتناقضات المذهبية بشكل سلبي. إذ يدمج ببساطة ثقافة قديمة مع ثقافة جديدة أو مع الدين. وطبعًا هذا شيء إنساني جدًا" حسب تعليق البروفيسور ماشاسين، عميد كلية الدراسات العليا في معهد الدولة للدراسات الإسلامية (IAIN) في جوكجكارتا.
"بحسب رأيي لا يوجد إسلام نقي. فمن يقرأ القرآن يتأثّر دائما وأبدًا في تفسير القرآن بأصوله وثقافته. لقد ولدت جاويًا - وهذا يعني أَنّني تأثرت بالهندوسية والبوذية وتقاليد أخرى، على الرغم من أَنّني تربيت كمسلم سنتري. أَرى أَنّ تآلف المتناقضات المذهبية هو شيء إيجابي، طالما بقينا نتعامل مع ذلك تعاملاً منطقيًا".
وماشاسين هو شخصية قيادية في حزب نهضة الأمة، هذه المنظمة الإسلامية الأَكبر في العالم والتي يبلغ عدد أَعضائها أربعين مليون عضو. لقد كان الغرض منها إبان تأسيسها في عام 1926 هو الدفاع عن الإسلام ضد الحركات القومية والشيوعية الناشئة في البلاد. بيد أَنّها تعمل كقطب مضاد لحركة المحمدية ذات النهج الإصلاحي، والتي تأسست في عام 1912 وتعتبر ثاني أَكبر منظمة إسلامية في إندونيسيا.
عملية تاريخية
وحتى يومنا هذا فإن كلا المنظمتين تمثّلان قوًى سياسية هامة وذات نفوذ واسعة في أندونيسيا. وبينما نجد غالبية أَعضاء المحمدية من أَبناء المدن والطبقة الوسطى، عادة ما يكون أَتباع منظمة نهضة الأمة من أَبناء الأَرياف.
فهناك لا يزال يوجد الكثير من المؤمنين الأَتقياء البسطاء ذوي المعتقدات التي تدمج فيها متناقضات، من المذهب الأَرواحي الإحيائي حتى السحر الأَسود. لهذا السبب فلا عجب أَنْ تكون حركة نهضة الأمة ضامنة لإسلام تقليدي، يتسامح أَيضًا مع خلط الدين بعادات قديمة، بينما تدعوا المحمدية إلى إسلام نقي وأَخلاقي.
كانت المحمدية في بداياتها تتعامل بانفتاح مع العناصر التي تجعل المتناقضات المذهبية متآلفة. لكنّها تحوّلت في التسعينات إلى منظمة ذات سياسة متصلبة واتجاه صارم. "لكننا سنرجع لاتباع نهج أَكثر تسامحًا" حسبما يؤكد البروفيسور عبد المنير مولكام، نائب سكرتير مركز المحمدية في جوكجكارتا:
"أَنا بدوري أَفهم تآلف المتناقضات المذهبية كعملية تاريخية. نحن لا نستطيع نسيان تقاليدنا ببساطة". وبكونه أستاذًا جامعيًا يحاضر في معهد الدولة للدراسات الإسلامية وكذلك في جامعة المحمدية في سوراكَرتا، فإن عبد المنير يؤمن بالتعليم:
"لقد تحسّن التعليم وبهذا تحسّن فهم الظواهر الطبيعية والاجتماعية. في السابق كان الناس يربطون أَحداث الطبيعة دائمًا مع السحر. وعلى الرغم من أَنّهم لا يزالوا يمارسون طقوسًا معيّنة، إلاّ أَنّهم يفهمونها اليوم فهمًا أَكثر واقعية".
فهكذا يشارك سلطان جكارتا في طقوس وشعائر مثل طقوس عيد رأس السنة هناك، على الرغم من أَنّ الأُسرة الحاكمة تدعوا منذ قرون إلى إسلام نقي. وبصورة أَشدّ يضمن سلاطين المدينة المجاورة سوراكَرتا تآلف المتناقضات المذهبية في جاوة؛ وبفخر يقول مرشد سياحي يعمل في قصر السلطان منغكونيغارا في سوراكَرتا:
"إن سلطاننا ليس مسلمًا ولا مسيحيًا، وليس بوذيًا ولا هندوسيًا. فهو يحترم كل رعاياه بكل ما لديهم من عادات مختلفة بقدر متساوٍ. لهذا السبب فهو كي جاوي".
بقلم كريستينا شوت
ترجمة رائد الباش
حقوق الطبع قنطرة 2005
كريستينا شوت صحفية ألمانية مقيمة في جاكرتا.
قنطرة
فتاوى متشددة في إندونيسيا
أصدر مجلس علماء إندونيسيا فتاوى جديدة تثير نقاشا حادا داخل الرأي العام الإندونيسي. ويعترض على ذلك بصورة خاصة مسلمون معتدلون وممثلو منظمات إسلامية ليبرالية.
حوار بين الأديان في إندونيسيا
يعيش القس الكاثوليكي فرانس ماغنيس-سوزينو منذ ما ينيف عن ٤٠ عامًا في وطنه الذي اختاره، أندونيسيا. وقد حصل قبل حوالي ٣٠ عامًا على الجنسية الأندونيسية. يعمل هناك في سبيل الحوار بين الأديان.
شبكة "يارنجان" للإسلام الليبرالي في إندونيسيا
قبيل أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001 اجتمعت مجموعة صغيرة من المثقفين المسلمين في إندونيسيا للقيام بتكوين ثقل مضاد للحركات الإسلامية المتطرفة في بلدهم، وقاموا بتكوين شبكة "يارنجان" للإسلام الليبرالي.