الحجاب أقدم من الإسلام
يرمز الحجاب في الغرب إلى رفض الاندماج ورفض الانخراط في المجتمع، كما أنه يرمز من جهة أخرى إلى البحث الذاتي عن طريق "ثالث" وإلى المطالبة بالعدالة بين الطبقات وبين الجنسين. سوزانه إندرفيتز، الباحثة في الدراسات الإسلامية، تستعرض تاريخ الحجاب في الشرق والغرب
يعتبر حجاب المرأة في الشرق الأدنى أقدم بكثير من الإسلام، وقد انتشر في أوروبا في شكل آخر حتى مطلع الحضارة الحديثة. ولأن الشعر كان يعتبر في العصور القديمة مركز للحيوية، حظي باهتمام شديد، ولم يقتصر ذلك على شعر المرأة فقط، ودلالة ذلك ما ترويه قصة شمشون ودليلة في التوراة، تلك القصة التي أخذت أشكالا متعددة في فن الرسم والموسيقى الأوروبية.
و لكن على الرغم من ذلك كان لابد أن يخضع شعر المرأة على مر العصور لإجراءات تحفظية خاصة، وباستثناء فترة العشرينات نجد أن المرأة المحافظة لم تخرج إلى المدينة بدون القبعة حتى منتصف القرن الماضي، كما أننا نجد التعبيرات اللغوية التي تعني الزواج - والتي تنقرض تدريجيا - تدل على استراتيجية " الترويض" التي كانت تخضع لها المرأة بعد تزويجها.
الحجاب كرمز طبقي
ولم يكن الإسلام شاذا باهتمامه بموضوع الشعر، فقد أخذ الإسلام الخطورة التي يسببها سفور النساء مأخذا جادا أكثر من اليهودية والمسيحية، ويدل على ذلك دعوته للبس الخمار وإنشاء الحرملك (مساكن للحريم)، أو ربما كان ذلك الاهتمام سببه أن المجتمع الإسلامي في العصور الوسطى كان يتمتع بموارد اقتصادية كبيرة، لدرجة أنه كان بإمكانه الاستغناء عن النساء في مجال العمل – وهن قسم كبير من المجتمع– وجعل وظيفتهن تكمن فقط في التكاثر؟
وعلى الجانب الآخر كانت البدويات والفلاحات في المجتمع الإسلامي لا تلبسن الخمار ولا تعشن في الحرملك، فكان لبس الخمار حكرا على نساء المدينة من الطبقات الغنية، وكان رمزا مميزا لهن يسبب حقد الطبقة الفقيرة عليهن.
المرأة الجديدة
ولقد تغيرت هذه الظاهرة أولا في مصر - ذلك البلد المسلم الذي كان خاضعا لتأثير الغرب - وأصبحت تعتبر هدامة، ففي عام 1899 نشر المصلح قاسم أمين مقاله تحت عنوان "تحرير المرأة" وبعد عامين تبعه بمقال يعضد آرائه تحت عنوان "المرأة الجديدة" كرد على اعتراضات شيوخ الأزهر المتشددين. فهو يرى أن تدهور الاقتصاد راجعا إلى الاستغناء عن اليد العاملة الجيدة، أي النساء، ويرى أيضا أن ضررا قد يلحق بالأجيال القادمة مرجعه أنهم سوف يتربون على يد أمهات نصف متعلمات.
ونتيجة لذلك وضعت نساء الطبقة العليا حجابهن في العقدين التاليين، واشتركت في المظاهرات، وكافحت من أجل الالتحاق بالجامعات. وبعد عقود، وخاصة بعد ثورة 1952 التي جعلت من جمال عبد الناصر زعيما للعالم العربي والإسلامي والعالم الثالث أجمع، تم وضع برامج لتربية البنات ووضع شروط لتسهيل عمل المرأة، و كانت القاهرة في فترة الستينات تظهر كمدينة متحضرة فيها القوى العاملة الناشئة التي كانت تتطلع إلى الغرب كمثال يحتذى به.
عودة إلى الجذور
إلا أن الوضع قد تغير كثيرا بموت عبد الناصر بعد هزيمته الفادحة في الحرب ضد إسرائيل في يونيو 1967، كما أنه تغير بانتهاج أنور السادات، الذي خلفه في الحكم، سياسة هيئت للمتدينين الأجواء لكي يساعدوه في التغلب على اليسار الناصري، وفتحت للمستثمرين الأجانب الأبواب على مصراعيها.
ولهذا وجدت الطبقة الوسطى الطموحة - أطباء وحقوقيون ومهندسون – أنها قلقة على مستقبلها، ومن ثم نشأ من بين هذا الوسط "حركة إسلامية" لم تكن من بين رجال الدين، تدعوا إلى الرجوع للأصول من أجل الخلاص من الوضع الاجتماعي السيئ، أي الرجوع إلى مبادئ وأحكام الإسلام.
ومع نشوء هذه الحركة ظهر حجاب المرأة مرة أخرى، ليس في مصر فقط، بل في بلدان إسلامية أخرى تبدل فيها وهج المدنية إلى خيبة أمل. فنجد الحرب الأهلية في لبنان، والثورة الإيرانية، وتأجيل حل المسألة الفلسطينية، كل ذلك ساهم في تحول أنظار البشر إلى الرجوع للإسلام من أجل الخلاص وأصبح الشعار هو "الإسلام هو الحل".
إن الرجوع إلى الإسلام لم يكن منذ البداية سوى رد فعل على المدنية الحديثة وأحد ظواهرها، ولم يكن رجوعا إلى "العصور الوسطى"، وهذا ينطبق أيضا على الحجاب الذي لم يكن اختراعا جديدا ولم يكن سابقة في تاريخ الإسلام، ( كان حجاب المرأة يختلف من منطقة لأخرى وكان ينظر إليه كظاهرة اجتماعية دون المستوى، واليوم نراه يفهم على أنه المقياس " الإسلامي " إلا أنه قد اتخذ أشكالا متعددة). وهذه المدنية الحديثة تنعكس في وظيفة الحجاب التي لا توحي بالرجعية، حيث أن للحجاب أهمية ثقافية وسياسية واجتماعية إلى جانب أهميته الدينية.
الحجاب بين الغرب والشرق
على الصعيد الخارجي يرمز الحجاب في الغرب والمجتمعات الغربية إلى رفض الاندماج ورفض الانخراط في المجتمع، كما أنه يرمز أيضا إلى البحث الذاتي عن طريق "ثالث" صحيح، أما على الصعيد الداخلي، وعلى سبيل المثال في المجتمع المصري أو السوري أو التركي فإنه يرمز إلى المطالبة بالعدالة بين الطبقات وبين الجنسين.
وهذا مالا ينتبه إليه الغرب بسهولة، لأن"اللباس الإسلامي"، للرجال أو النساء، يحمي من يلبسه ضد غلاء الملبس وأدوات التجميل والحلي وما شابه ذلك، كما أنه يمكنه من التخلص مما يدل ظاهرا على نشأته الاجتماعية التي قد تقلقه نفسيا. وعلاوة على ذلك فإن اللباس الإسلامي يساعد الفتيات والنساء – اللاتي مازال يحكمهن الرجال – في الحماية من المضايقات الجنسية ويفتح لهن طريق العلم والوظيفة.
وظائف الحجاب
إن للحجاب وظائف متعددة، منها ما قد يفهم على أنه رمز للمدنية، ومنها ما قد يفهم على أنه رمز للرجعية، فيكون- على سبيل المثال– تارة أداة يمنع بها الأب ابنته عن مواصلة التعليم، وتارة أخرى وسيلة للبنت لتقنع أبيها بمواصلة التعليم. ومن الصعب فهم وظيفة الحجاب إذا وضعنا في اعتبارنا المفهوم الإسلامي الذي يرى أن الحجاب ما هو إلا بؤرة الكفاح من أجل الإسلام الحقيقي وضد محاكاة الغرب.
إنه لحدث جديد البتة في تاريخ الإسلام أن يصبح جسم المرأة محطة اندلاع حرب حضارية وهمية بين الإسلام والغرب الوثني، في حين أن الغرب يظهر –من وجهة نظر الإسلام– في صورة بشعة بسبب سوء تصرفاته تجاه الجنسين والأجيال والأسرة والناس أجمعين.
وعلى العكس من ذلك يكمن الإسلام الحقيقي في نقائه "الأصلي"، بملامح قمعية، لأن وظائف الجنسين فيه محددة وتُفهم على أنها مثالية. ولكن هناك اعتبارات أخرى لا تساعد الفتاة المسلمة عند البحث عن هويتها في هذه المتاهة بسبب المطالب المختلفة التي ينتظرها الوالدين والمدرسة والأصدقاء ومكان التعلم أو المجتمع الديني أو الحي السكني.
بقلم سوزانه إندرفيتز، قنطرة 2004
ترجمة عبد اللطيف شعيب
سوزانه إندرفيتز، باحثة في الدراسات الإسلامية في جامعة هايدلبرغ