''تاكسي المسلم'' في ألمانيا مبادرة للاندماج أم تكريس للعزلة؟
توجد في ألمانيا شركات عديدة، متخصصة في التنسيق بين المسافرين، بحيث إذا ما كان هناك شخص مسافر إلى مدينة معينة داخل ألمانيا أو خارجها، فإنه يقوم بالإعلان عن رحلته قبل أيام، على إحدى مواقع هذه الشركات، ويعرض أن ينقل عددا معينا من الناس، مقابل مبلغ من المال، يكون أقل بكثير من المبلغ الذي سيدفعه المرء، إذا سافر إلى نفس المدينة عن طريق القطار أو الطائرة أو وسيلة نقل أخرى. في شهر ديسمبر/كانون الأول 2011 قام سليم رايض، وهو شاب ألماني من أصل عراقي، بتأسيس مؤسسة متخصصة في تنسيق الأسفار وأطلق عليه اسم "تاكسي المسلم"، وهي موجهة بالدرجة الأولى للمسلمين والمسلمات القاطنين بألمانيا.
سليم شاب في الرابعة والعشرين من العمر، يدرس هندسة الطيران في مدينة همبورج، قرر أن ينشأ هذه المؤسسة أساسا بسبب تجربة شخصية حصلت له في السابق، يحكي سليم "أراد والداي أن يسافرا من هامبورج إلى برلين عن طريق إحدى شركات تنسيق الأسفار، وفعلا وجدت عرضا مناسبا واتصلت بالشخص المسافر إلى برلين ووافق فورا، خاصة وان لكنتي ألمانية، غير أنه عندما وصلنا إلى السيارة وعرف أننا أجانب وشاهد أمي ترتدي الحجاب، صدرت منه حركات أبدت امتعاضه وتضايقه، كان واضحا أنه لم يكن يريد أن ينقلهما لأنهما أجانبيان".
غير أن نبيل يعقوب، رئيس المنظمة العربية لحقوق الإنسان في ألمانيا، يعلق على الموضوع قائلا "إنه خبر مدهش أن يحدث هذا في ألمانيا وليس في بلد كأفغانستان". ويتابع نبيل يعقوب "ملايين المسلمين هنا في ألمانيا ينشدون الاندماج ويريدون أن يتعايشوا مع الشعب الألماني ومع الأجانب الآخرين، أما هذا الذي يحدث فهو تشويه لصورة الإسلام والمسلمين، لأنه حتى في مدن عربية أخرى لا يوجد مثل هذا المشروع".
انفتاح أم عزلة؟
غير أن هذه التجربة الشخصية لم تكن هي السبب الوحيد، الذي دفع سليم إلى إنشاء شركة "تاكسي المسلم" ولكن أيضا لأن له قناعات دينية محافظة، يفتقدها في شركات التنسيق بين المسافرين الألمانية، ويقول بهذا الصدد "الكثير من "الإخوة" و"الأخوات" لا يحبون السفر عن طريق هذه المؤسسات الألمانية، لأنها لا تحترم مبدأ منع الاختلاط بين الجنسين الذي نص عليه ديننا الإسلامي".
وبسؤالنا له حول رأيه فيما يقوله بعض رجال الدين المسلمين، حول تحريم سفر المرأة مع سائق أجنبي بمفردهما، أجاب سليم "نعم هذا صحيح، لذلك فإن المرأة لن تسافر بمفردها عن طريق مؤسستنا إلا رفقة امرأة أخرى هي التي ستكون السائقة، أو من الممكن أن تسافر مع رجل أجنبي عنها إذا كانت مسافرة رفقة محرم لها". ويتساءل نبيل يعقوب عما إذا كان هذا المشروع بداية للمطالبة بالفصل بين النساء والرجال في الحافلات والقطارات ووسائل نقل أخرى؟ ويوضح بهذا الصدد "إنها فعلا خطوة إلى الوراء، وإنها حقيقة لنظرة متخلفة، وكأن الوجود إلى جانب المرأة هو في حد ذاته خطيئة".
لكن لسليم وجهة نظر أخرى "نعم الكثير من الوسائل الإعلامية وجهت لي الانتقاد في هذا الباب، لكن هذا ليس صحيحا، لأن تسمية المؤسسة "بتاكسي المسلم"، كان بغرض الإعلان عن هوية صاحب المؤسسة ومن أسسها، وهذا لا يعني أنها ستتخصص في نقل المسلمين أو ستلغي الآخر". وأضاف "المؤسسة مفتوحة في وجه المسافرين بمن فيهم غير المسلمين، وقد تلقينا اتصالات كثيرة من مواطنين ألمان غير مسلمين يودون السفر عن طريقنا". وتابع ضاحكا "هناك ألمانيات لا يقبلن أن يسافر أزواجهن مع امرأة بمفردهم، لذلك يتصلن بنا".
السفر فرصة للحوار بين الأديان؟
ورغم أن سليم في حواره مع دويتشه فيله دافع بشدة عن قناعاته الدينية، باعتبار أن الإسلام "دين الحق ولا تشوبه شائبة" على حد تعبيره، إلا أنه قال أيضا أن الهدف من إنشاء مؤسسة "تاكسي المسلم" هو" فتح الحوار مع الأديان الأخرى". وتابع "أعتقدعندما يسافر مسلم مع مسيحي لمدة ساعات، فإنها ستكون فرصة لكي يتبادل الطرفان الأفكار والآراء. الكثيرون في ألمانيا لا يعرفون الإسلام بشكل جيد، حيث تسود أفكار مغلوطة. أريد أن أتمكن من خلال مشروعي هذا، من تصحيح هذه الصورة". غيرأن نبيل يعقوب يرى الأمر بشكل معكوس ويقول "حوار الأديان ليس كلاما نظريا أو حديثا يخص السماء، وإنما حوار الأديان هو أن يعيش الناس في سلام وفي احترام وأيضا قبول الآخر".
وفور الإعلان عن تأسيس مؤسسة "تاكسي المسلم" تلقى سليم رايض مكالمات هاتفية ورسائل شكر من الجالية المسلمة المقيمة في ألمانيا حسب المعلومات التي أدلى بها لدويتشه فيله. وأضاف أنه خلال الأيام الأولى وصل عدد زوار موقع مؤسسة" تاكسي المسلم" إلى ألفي زائر. وأضاف سليم "لقد لقي المشروع صدى كبيرا في وسائل الإعلام، وصرت أعطي الحوارات باستمرار في وسائل الإعلام السمعية والمكتوبة، وهذا يسعدني". وتابع "لقد لقي مشروعي اهتمام بعض وسائل الإعلام غير الألمانية، في النرويج مثلا، غير أنهم انتقدوني واعتبروا ما أقوم به عنصريا، لكن الخطأ أنهم يحكمون على الشيء دون أن يستوعبوه بشكل جيد". وكباقي المشاريع، فإن الربح المادي ينبغي أن يكون حاضرا أيضا في تفكير أي مستثمر، ويقول سليم بهذا الصدد "سيتم تمويل المشروع عن طريق الإعلانات، كما أن المشروع يتطور يوما عن يوم ويلقى إقبالا كبيرا".
ريم نجمي
مراجعة: حسن زنيند
حقوق النشر: دويتشه فيله 2012