هل ستفلح حكومة تونس في تغيير آليات الحكم ومفهوم السلطة؟
بعد نيل حكومته ثقة المجلس الوطني التأسيسي، جاءت تأكيدات علي العريض بأنه سيعمل، في ظل رؤية تشاركية وتوجه توافقي، على إنجاز جملة من الأهداف التي تمثل أولويات المرحلة المقبلة.
وتتمثل هذه الأهداف في: أولا بسط الأمن والاستقرار، وثانيا العمل من أجل التحكم في الأسعار التي شهدت ارتفاعا كبيراً أثر على المقدرة الشرائية للمواطن التونسي، وثالثا الحفاظ على التوازنات المالية الكبرى وتوفير التشغيل للعاطلين عن العمل و التنمية الجهوية ورابعا الانتخابات المقبلة.
من تأكيدات العريض أيضاً: ضرورة مقاومة الفساد و بدء عملية المحاسبة ثم الإسهام في تهيئة الظروف الملائمة لإجراء الانتخابات في أسرع الآجال، إلى جانب تفعيل العفو التشريعي العام واستكمال ملف الشهداء و جرحى الثورة وضحايا الاستبداد، مع ضرورة صون صورة تونس ودعم إشعاعها الدولي.
الانتقال الديمقراطي
كما أن تقرير مركز بحوث أمريكي مقره واشنطن ''The Atlantic Council"، عن الوضع العام في تونس، خلال الأسبوع الماضي، جاء تحت عنوان "ﺗوﻧس ﻓﻲ ظل ﺣﻛوﻣﺔ اﻟﻌرﯾض ﺳوف ﺗواﺻل ﻣﺳﺎراﻻﻧﺗﻘﺎل اﻟدﯾﻣﻘراطﻲ".
ويشير إلى أنّ رئيس الحكومة الجديد تولى مهامه في مناخ سياسي أكثر استقطابا من المناخ الذي تولى فيه سلفه مهامه في ديسمبر 2011 .
وكتب أستاذ علم الاجتماع السياسي الدكتور سالم لبيض وزير التربية في حكومة علي العريض في صفحته على فيسبوك :" بتكليف العريض لتكوين حكومة فإن مجال السلطة اليوم في تونس توسع على أرضية وحدة الانتماء الوطني ليشمل أبناء أقصى الجنوب التونسي".
وأضاف :" .. وهذا هو أجمل ما في العملية الديمقراطية حيث تتجسد المواطنة مبنى ومعنى وتنتفي الفروقات الأوليّة (الجهوية مثلا) وتنشأ الأرضيّة الجديدة المدنيّة الّتي ستستند إليها فكرة التوزيع العادل للثروة والسلطة بين أبناء البلد الواحد" .
"اختراق المقدس"
ويتعلق الأمر بتغيير هيكلي ومفصلي في آليات الحكم وفي مفهوم السلطة في تونس ومن يتولاها بعد عملية احتكار مسكوت عنهاوغير مسموح النقاش فيها لأي كان، دامت سنين طويلة حتى خلنا أنّ تونس لا يمكن أن يحكمها من لا ينحدر من الحاضرة (العاصمة) أو من الساحل التونسي.
وهذا ما يجعل من علي العريض يواجه تحديا كبيرا لكي يخترق هذا "المقدس" التاريخي المعقد وهذا "المحرّم الممنوع" في الثقافة السياسية التونسية الحديثة والمعاصرة الذي أصبح اليوم مباحا في التجربة السياسية التونسية الجديدة.
وينحدر رئيس الحكومة الجديدة علي العريض ، الناشط الإسلامي و الذي حكم عليه بالإعدام مرتين قبل أن ينال العفو خلال حكم الرئيس بن علي، من محافظة مدنين في الجنوب التونسي، ولم تتح الفرصة سابقا لرئيس حكومة من خارج تونس العاصمة وجهة الساحل التونسي أن يكلف بمهمة تسيير شؤون البلاد.
حكومة العريض نسخة عن حكومة الجبالي؟
وجاء في تقرير "The Atlantic Council" أنّ "ﻣﺟﻠس اﻟﺷورى في حركة النهضة اختار ﻋﻠﻲ اﻟﻌرﯾض ﻟﯾس ﻷنه ﻣﺗﺻﻠب ﻣﺛﻠﻣﺎ وصفه اﻟﻛﺛﯾرون ﻓﻲ وﺳﺎﺋل اﻹﻋﻼم اﻟدوﻟﯾﺔ، وإﻧﻣﺎ ﻷنه ﺟزء ﻣن اﻟﻣؤﺳﺳﺔ اﻟﺳﯾﺎﺳﯾﺔ ﻟﺣرﻛﺔ اﻟنهضة وھو ﯾﺣظﻰ ﺑﺎﺣﺗرام ﻛﺑﯾر ﻓﻲ ﻣﺟﻠس اﻟﺷورى" .
وأﺿﺎف اﻟﺗﻘرﯾر اﻷﻣرﯾﻛﻲ أنّ ﻋﻠﻲ اﻟﻌرﯾض ﻛﺎن ﯾﻌﺗﺑر وزﯾر داﺧﻠﯾﺔ ﻧﺎﺣﺟﺎً وﻟﻛن ﻛﺎﻧت تعرقله اﻟذاﻛرة اﻟﻣؤﺳﺳﺎﺗﯾﺔ اﻷﻣﻧﯾﺔ اﻟﻣﻧﺗﻣﯾﺔ ﻟﻔﺗرة ﻣﺎ ﻗﺑل اﻟﺛورة.
واختلفت الآراء و تباينت خلال جلسة منح الثقة لحكومة علي العريض، إذ يرى القيادي في الحزب الجمهوري عصام الشابي في حديث لموقع "قنطرة للحوار مع العالم الإسلامي" أنّ حكومة العريض ليست سوى نسخة من حكومة الجبالي التي أقرت بفشلها لأنها فشلت في توسيع قاعدة الحكم ولم تستطع أن تشرك أحزابا أخرى بسبب تركيزها على المحاصصة الحزبية .
ولكن الحكومة الجديدة احتفظت بأقل من نصف أعضاء الحكومة الأولى واعتمدت على شخصيات وطنية مستقلة ذات كفاءة عالية كلفتهم بتسيير دواليب وزارات السيادة و هي وزارات الدفاع و الداخلية و العدل و الخارجية.
كما يرى الشابي أنّ الحكومة الجديدة، والتي حافظت على عديد الوجوه التي رافقها الفشل في الفترة الأولى، مطالبة بالعمل من أجل تنظيم انتخابات حرة ونزيهة في ظروف ملائمة تسمح لجميع الأحزاب بالنشاط إلى جانب التصدي للعنف و التحكم في الأسعار و الدعوة إلى حوار وطني شامل .
تحذير من "خصخصة" الدولة
من جانبه، حذر الناطق الرسمي باسم حزب المسار الديمقراطي سمير بالطيب في جلسة منح الثقة مما أسماها " خوصصة كامل الدولة " مشيرا إلى أنّ " الدولة مهددة بعد ظهور الشرطة الموازية (ويقصد ظهور السلفيين أخيرا لمساعدة رجال الأمن في بعض الجهات بعد حادثة اغتيال شكري بلعيد) و"خوصصة" المساجد و السيطرة عليها داعيا رئيس الحكومة علي العريض إلى "ضرورة التعامل ببراغماتية ".
وكان عدد من السلفيين تنظموا في مجموعات من أجل السهر على الممتكات العامة والخاصة التي كانت مهددة بالسرقة مباشرة بعد حادثة اغتيال شكري بلعيد وهو ما ارتاح له المتساكنون في عديد الأحياء.
تحديات ومشكلات
تواجه حكومة علي العريض عقبات ومشاكل عديدة تتمثل أساسا في الإجابة عن سؤال " من قتل شكري ؟ " إلى جانب الأزمة الاقتصادية الحادة التي تعصف بالبلاد .
أستاذ القانون الدستوري غازي الغرايري في تصريحه للإعلام التونسي يدعو إلى ضرورة العمل من أجل مواجهة هذه التحديات التي تنتظرها، حتى تكسب ثقة الشعب التونسي.
ويشير إلى أن رئيس الحكومة علي العريض مطالب بأن يكون حازما في التعاطي مع ظواهر العنف والتهريب والاحتكار التي ساهمت في الترفيع في الأسعار وهو ما يمثل بالنسبة له تحديا كبيرا.
وكان العنف بلغ ذروته يوم السادس من فبراير الماضي 2013 لما اغتيل الناشط السياسي ورئيس حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد شكري بلعيد أمام منزله ولم يتم القبض على قاتله أو معرفة دوافع اغتياله أو من يقف وراء تلك الجريمة.
ضبابية
ويدعو الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل ( أكبر نقابة عمالية ) حسين العباسي الحكومة الجديدة إلى التفاعل الإيجابي مع مطالب الشعب وتوفير الأمن والاستقرار لإنقاذ الموسمين السياحي والفلاحي، إلى جانب بعث الطمأنينة لدى الشعب التونسي الذي لم يعد يحتمل الضبابية التي تعيشها البلاد خاصة.
ويشدد على أنّ " الوضع العام أصبح محيّرا كما الوضع الاقتصادي بسبب غياب الأمن". وأكد لدى افتتاحه الندوة النقابية التكوينية لإطارات المناجم على ضرورة الدعوة إلى مائدة للحوار الوطني من طرف الاتحاد بقصـد تحديد روزنامة واضحــة للمحطات السياسية الواضحة من أجل توفير الاستقرار الإجتماعي في تونس.
ويرى أن قيادة الاتحاد نجحت في إنجاز المفاوضات الاجتماعية وإبرام العقد الاجتماعي الذي سيؤسس للحوار الاجتماعي.
من ناحيتها اعتبرت قيادات " الاتحاد من أجل تونس" وهو مجموعة من خمسة أحزاب من بينها حزب نداء تونس الذي يقوده رئيس الوزراء السابق الباجي قائد السبسي، في ندوة صحفية، أنّ البلاد تعيش أزمة كبيرة و أنّ "عملية المحاصصة و تقاسم المناصب" لن تكون مساعدة على حلّ هذه الأزمة.
وتشدد على أنّ " العنف في البلاد بلغ أقصى درجاته و بالتالي أصبح يشكل خطرا على الدولة " متهمةً الحكومة بالتقصير في التعامل مع الأطراف التي تستعمل العنف على غرار رابطات حماية الثورة والدعوة إلى حلّها.
ولكن رئيس الحكومة علي العريض يؤكد إصراره على تطبيق القانون على الأحزاب و المنظمات والجمعيات المدنية التي تدعو على العنف و تحرّض عليه، داعيا الجميع إلى احترام القانون والالتزام به يبقيان فوق الجميع.
لمصلحة تونس
رئيس كتلة الحرية و الكرامة محمد الطاهر الإلهي بالمجلس التأسيسي يرى في تصريح لـموقع "قنطرة للحوار مع العالم الإسلامي أنّ "الترويكا (الحاكمة) تمسكت بالمحاصصة الحزبية".
ويشير إلى أنّ من أهم الأسباب التي جعلت كتلته تعبر عن عدم رغبتها في المشاركة في حكومة علي العريض تتمثل في أنّ الشخصيات المستقلة لم تكن محلّ توافق بين الشركاء السياسيين" .
ورغم عدم مشاركته في الحكومة الجديدة يؤكد الإلهي أنّ كتلته ستدعم حكومة العريض ليس لموافقتها عليها ولكن اعترافا بأن هذه المرحلة الصعبة من تاريخ تونس يجب أن تدار بالتوافق لمصلحة تونس.
وأكد على العريض في مقابلة مع وكالة تونس إفريقيا للأنباء بعد يوم من نيل الثقة أنّ حكومته تضع في صدارة أولوياتها معالجة مشكلتي التشغيل وغلاء المعيشة، وتحقيق الأمن والاستقرار.
ويشير إلى أنّ " العمل جارٍ لإعداد خطط و مبادرات جديدة على كل المستويات من منطلق التصميم على التصدي لكل التجاوزات و الجرائم".
ويرى العريض ضرورة تكثيف المشاورات مع أهل القطاع الإعلامي للدفع باتجاه إصلاحه على أساس "الشراكة والمسؤولية "، مشددا على ضرورة " التهدئة والتقليص من حدة التجاذبات السياسية، وتغليب الوحدة الوطنية والوفاق. والبحث عن تسويات للقضايا الخلافية" .
محمد بن رجب
تحرير: علي المخلافي
حقوق النشر: قنطرة 2013