أنطولوجيا القصص الساخرة والحكايات الشعبية
بعد سنوات طويلة من العزلة الدولية ما زالت ليبيا تبدو لمَن يعيش خارجها دولة غامضة ومليئة بالأسرار. ولذلك من الممكن فهم عنوان الكتاب "ترجمة ليبيا" على وجهين: الوجه الأول هو ترجمة الأدب الليبي، والوجه الآخر هو محاولة تقريب ليبيا من القراء.في القصص والملاحظات التكميلية وكذلك التعليقات يُلقي إيثان كورين ضوءاً على الأوجه المختلفة لليبيا في الماضي والحاضر.
كان كورين عضواً في مجموعة صغيرة من الدبلوماسيين الأمريكيين الذين سافروا إلى طرابلس بعد استئناف العلاقات بين الولايات المتحدة وليبيا عام 2004. وهناك عمل كورين ملحقاً تجارياً واقتصادياً حتى عام 2006. عندما سأل مساعده باسم تولتي الذي درس في الولايات المتحدة عن الأدباء الليبيين الجيدين أشار المساعد إلى كتاب كان يضم قصة قصيرة بعنوان "الجراد" للكاتب أحمد إبراهيم الفقيه. أُعجب كورين بالقصة أيما إعجاب، وقام بترجمتها إلى الانكليزية. ومن فرط تحمسه اختمرت في ذهنه فكرة هذا الكتاب.
السفر إلى مناطق مجهولة
اقترح كورين أن تسلط الأنطولوجيا المخطط لها الأضواء على القصص التي ترد فيها أماكن متميزة. يعتبر كورين اختياره للمكان بمثابة الخيط الذي قاد خطاه: "في الحقيقة أردت أن أقدم ذريعة حتى أستطيع زيارة مناطق في ليبيا غير موجودة في الكتب السياحية."
وهكذا زار كورين مدينة جالو النائية في الجنوب الشرقي من ليبيا، حيث تجري أحداث قصة الصادق النيهوم "مراكب السلطان"، ومنطقة زوارا في الشمال الشرقي التي يرد ذكرها في قصة"حكاية ميلود وروبينا" للقاص كامل ماغور. ويقول كورين إن جالو وزوارا "مكانان مثيران للغاية ومليئان بالحكايات. من دون مشروع هذا الكتاب ما كنت ربما سأراهما أبداً"
استغرق الأمر عامين حتى حصل كورين على تصريح بزيارة المنطقة الواقعة في شرق بنغازي وحتى استطاع أن يشاهد الجبال الخضراء وديرنا المشهورة بشلالات المياه والأراضي الخضراء اليانعة.
غياب الأمكنة
بعد أن قرأ عدداً من القصص القصيرة لاحظ كورين أن معظمها لا يتضمن إلا وصفاً ضئيلاً للأمكنة، أو لا يتضمن وصفاً على الإطلاق. غير أنه قَبِلَ التحدي: "لقد تحول غياب المكان إلى بحث عن الأعمال التي تصف البشر والأماكن وصفاً صريحاً."
هذه القصص طعّمها كورين بالمقالات الحيوية التي كتبها بنبرة مسلية في معظم الأحيان عن المغامرات التي مر بها في رحلاته إلى الأماكن النائية أو خلال البحث عن كتّاب بعينهم. بحثاً عن قصص وحكايات راح كورين يطرق أبواب المكتبات ودور الصحف والمجلات ويدخل إلى المواقع الإليكترونية ويسأل أصدقاءه ومعارفه.
وقد وزع كورين القصص في الكتاب على ثلاثة أقسام: شرق ليبيا وجنوبها وغربها. وتتصدر المنطقة الشرقية بداية الأنطولوجيا، وذلك احتراماً "للدور الخاص الذي قامت به هذه المنطقة في تشكيل وعي الكتّاب والمثقفين الليبيين".
ولكن كيف كان رد فعل الليبيين على الدبلوماسي الأمريكي كورين؟ "الليبيون الذين قابلتهم، لاسيما الكتّاب والفنانون، يتميزون بالالتزام والسخاء البالغ"، يقول كورين. "تولد عندي الانطباع بأن معظم الليبيين لديهم موقف إيجابي عن الأمريكيين، رغم أن العلاقات بين الطرفين شهدت في الماضي توترات كبيرة."
ويرجّح كورين أن الأمر ربما يعود إلى أن"الليبيين الأكبر سناً لديهم في الغالب ذكريات طيبة ومقابلات جيدة مع الأمريكيين في سنوات الستينيات والسبعينيات". في الوقت نفسه فإن العزلة الدولية التي شهدتها ليبيا قد أبعدت الأجيال الشابة عن "الصراعات الساخنة التي تشغل بقية المنطقة. ولكن الوضع بدأ يتغير، وهناك توقعات كبيرة بخصوص نتائج التقارب الذي يحدث مجدداً".
القصص الست عشرة مترجمة بلغة واضحة سلسلة. وتضم الأنطولوجيا كُتّاباً من أجيال مختلفة، بدءاً بالقاص وهبي بوري المولد عام 1961 والذي يعتبر أكثر كتاب القصة القصيرة في ليبيا أصالةً، مروراً بالجيل التالي من كتّاب القصة مثل أحمد الفقيه ورمضان عبد الله بوخيت وعلي مصطفى مصراتي والصادق النيهوم وكامل ماغور وصولاً إلى القصاصين الشبان مثل عبد الله علي الغزال ومريم أحمد سلامة ونجوى بن شيتوان.
تحت اسم مستعار لرجل
ويلاحظ كورين أن جزءاً لا يستهان به من الكتّاب الشبان في ليبيا يتكون من نساء تترواح أعمارهن بين العشرين والثلاثين عاماً، بينما كان الكتّاب الرجال هم الذي يهيمنون على المشهد الأدبي خلال العقدين الأخيرين. وتكتب بعض النساء باسم رجالي مستعار لأن المجتمع لم يكن يقبل أن تمتهن النساء مهنة الكتابة.
وتضم الأنطولوجيا حكايات شعبية مثل قصة الصادق النيهوم "بائع الملح الطيب" و"مراكب السلطان"، والقصص الاجتماعية الساخرة مثل قصة "طبعة خاصة" لعلي مصطفى مصراتي التي تسخر سخرية لاذعة من الصحافة العربية. أما قصة لمياء المكي "قصة طرابلس" التي لم تنشر حتى الآن فتدور أجواؤها في المجتمع الاستهلاكي المعاصر وترسم صورة تكاد تكون وحشية لزوجة ذات تطلعات مادية. كما تضم الأنطولوجيا قصصاً عديدة تدور حول الحب التعيس: في قصة بوري "فندق فيينا" التي تجري أحداثها خلال الحرب العالمية الثانية يقع شاب في هوى ابنة دوق بولندي تدير فندقاً في بنغازي.
أما أحداث قصتي كامل ماغور "الفندق القديم" و"حكاية ميلود وروبينا" فتدور حول العلاقة التي تربط بين مهاجر مسلم من "المدينة البائسة" زوارا وبين امرأة يهودية. وفي قصة مريم سلامة "من باب إلى باب" تقع ممرضة من مدينة غداميس في غرام طبيب من أوكرانيا.
وهناك قصتان تتميزان باللغة الشعرية تدور أحداثهما على الساحل الليبي الشرقي. في قصتها "العاشق التلقائي" تصف نجوى بن شيتوان امرأة شابة تقضي العطلة مع عائلتها وتكتب رسالة إلى حبيبها تنوي أن تضعها داخل زجاجة ثم ترمي بها إلى البحر. أما قصة "الصوت" لعبد الله علي الغزال فتجري أحداثها في منطقة الجبل الأخضر حيث تنصاع إلى نداء الطبيعة فتاة خرساء تعرضت إلى الاغتصاب.
وتستكمل التقارير التي كتبها كورين العالم المتنوع لهذه القصص المتميزة. وفي الجزء الأخير من الكتاب نجد ستة فصول ختامية تعرض تاريخ القصة القصيرة في ليبيا عبر تناول موضوعات مثل "ثلاثة أجيال من الصدمة الاقتصادية" والهجرة والأقليات والشخصية الليبية والنساء في ليبيا.
المنفى الداخلي
لا تعكس القصص بصورة مباشرة الواقع السياسي لحقبة حكم القذافي المستمرة منذ أربعة عقود. ويقول كورين إن الكتّاب حادوا عن الأسلوب الواقعي الذي ساد عقد الستينيات خلال "سنوات الثورة" من عام 1969 حتى 1986، إذ إن بعض الكتّاب الملتزمين قد ولوا الفرار في حالة توفر السبل.
أما الذين بقوا فقد "مارسوا هوايتهم – عموماً - داخل النطاق الخاص ". تأقلم الكتّاب مع الرقابة، إما عبر استخدام الأمثولة أو عبر تحاشي التحدث بصراحة عن الموضوعات الشائكة. بعض هذه القصص لم تصل إلى الرأي العام إلا الآن، أي بعد مرور نحو عشرين سنة على نشأتها.
ويقول كورين: "هناك مؤشرات على أن الانفتاح الاقتصادي والثقافي في ليبيا سيؤدي إلى زيادة القراءة – لاسيما فن القصص القصيرة". ويضيف كورين أن إلغاء القيود أمام أنواع معينة من التعبير وقانون الصحافة الجديد سيجعلان "من الشيق أن نرى مَن سيُثقف الجيل الجديد من الكتّاب الليبيين، ومن أين سيستمدون وحيهم".
ويأمل كورين أن تشهد الأيام القادمة توجهاً نحو انفتاح وابتكار أكبر. "إن معظم معلوماتي عن ليبيا قد حصلت عليها من أصدقائي الليبيين أو عبر الإنترنت. لقد أدى بعض الكتّاب خدمة ضخمة للوسط الثقافي الليبي عندما بدأوا ينشرون مدوناتهم على شبكة الإنترنت، وفيها يصفون الجديد في المشهد الفني أو الأدبي في ليبيا، مثلما تفعل الكاتبة ليلى النيهوم (ابنة عم الصادق النيهوم). والمأمول أن يتم في المستقبل ترجمة المزيد من هذه المدنونات إلى اللغة الإنكليزية ".
في كتابه يصف كورين التأثير الإيجابي المشجع الذي يمكن للإنترنت أن يمارسه على الكتّاب الشبان. "هناك تأثير إيجابي بشكل قاطع على التبادل الذي يحدث بين المشهد الفني الليبي وبين بقية العالم".
سوزانا طربوش
ترجمة: صفية مسعود
قنطرة 2008
عمل كورين سابقا في السلك الدبلوماسي، ويعمل حاليا كبيراً للباحثين في برنامج الشرق الأوسط التابع لمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية CSIS في واشنطن.
قنطرة
"القذافي الجديد":
التقارب بين ليبيا واوروبا، فرص ومخاطر
تتناول الباحثة في المعهد الألماني للدراسات الدولية والأمن الدولي إيزابيل فيرنفيلس خلفيات تطور العلاقة بين ليبيا وأوروبا وإشكاليات نظام الحكم في طرابلس.
زيارة شرودر إلى خيمة القذافي:
العلاقات الدولية بين الاقتصاد وحقوق الانسان
وفى المستشار الألماني شرودر بوعده وزار ليبيا بعد أن دفع القذافي تعويضا لضحايا مرقص لابيل في برلين. تعليق الصحفي والكاتب الليبي فرج بو العشة.
اليوم العالمي لحرية الصحافة
الصحافي الليبي الذي ابتلعته الصحراء
استولى معمر القذافي على السلطة في جماهيريته قبل سبعة وثلاثين عاما، ومنذ ذلك اليوم وهو يتعامل بصرامة مع رجال الإعلام المشاكسين من أمثال الصحفي عبد الله علي السنوسي الضراط الذي لا يزال مفقودا منذ 33 عاما بدون أن تقدم الحكومة أي تفسير لغيابه او مكان اعتقاله. تقرير كتبه حميد سكيف.