العلمانيون يسعون لتقليص نفوذ الإسلاميين

فشلت عملية انتخاب رئيس الجمهورية وشهدت البلاد مظاهرات جماهيرية حاشدة ضدّ الحكومة، كما لمَّح العسكر إلى التهديد بانقلاب عسكري. وجرى أثناء ذلك تقديم الانتخابات البرلمانية بهدف إخراج البلاد من أزمتها. تعليق كتبه عمر إرزيرين.

مظاهرة احتجاجية ضد الإسلاميين في إزمير، الصورة: د ب أ
مظاهرة احتجاجية ضد الإسلاميين في إزمير في 13 مايو/أيار 2007

​​

تتناول وسائل الاعلام الأجنبية الأحداث بأسلوب معيَّن منتشر انتشارًا واسعًا ويركز على أن الحكومة المحافظة برئاسة رجب طيِّب إردوغان حققت في فترة توليها زمام حكم البلاد نموًا اقتصاديًا واقترابًا من الاتحاد الأوروبي واستقرارًا اجتماعيًا نسبيًا. زد على ذلك أنَّ الماضي الإسلاموي لقيادات "حزب العدالة والتنمية AKP" الحاكم المحسوب حاليًا على المحور ساعد في التوفيق ما بين الإسلام والديموقراطية.

تجاهل الحقائق

أثبت حزب العدالة والتنمية الذي يتزعَّمه سياسيّون متديِّنون أنَّه حزب علماني حسب رأي وسائل الإعلام الأجنبية. حاولت مع الأحداث الأخيرة وبطرق غير ديموقراطية النخبُ الكماليةُ القديمةُ وعلى رأسهم الجيش القضاء على الحكومة التي تستمدّ شرعيَّتها من انتخابات ديموقراطية. كذلك تعتبر وسائل الإعلام الأجنبية معارضي حزب العدالة والتنمية بمثابة المدافعين عن نهج سياسي استبدادي قوماني.

يتمّ ببساطة مع مثل هذه القراءة للأحداث تجاهل الكثير من الحقائق. مثل طبيعة المظاهرات الجماهيرية الحاشدة التي خرجت ضدّ حزب العدالة والتنمية - حيث تحدَّثت وسائل الإعلام عن خروج أكثر من مليون متظاهر في إسطنبول فقط. لم يكن الأسلوب الذي اتَّبعه الحزب الحاكم في ترشيح مرشَّحه لرئاسة البلاد إلاَّ حافزًا للمخاوف التي تراكمت منذ بضع سنين خاصةً لدى أبناء الطبقة الوسطى القاطنين في المدن.

خطر تهديد العلمانية

من الواضح تمامًا أنَّ جماهير المتظاهرين كانوا يخشون من الخطر الذي يهدِّد العلمانية، أي أنهم يدعون الى الفصل ما بين الدين والدولة مثلما أُقرَّ منذ أعوام تأسيس الجمهورية باعتباره مبدأً أساسيًا في الدستور التركي. لقد حاول في السنين المنصرمة العديد من مراكز استطلاع الآراء تحديد عدد الذين يعتقدون أنَّ هناك خطرًا يهدِّد العلمانية. يعتقد حوالي ربع المواطنين الأتراك بوجود مثل هذا الخطر.

أجَّجت السياسة التي ينتهجها حزب العدالة والتنمية هذه المخاوف في الأعوام الماضية. لا يُنسى أنَّ حزب العدالة والتنمية قد قام بمحاولة في غاية السرِّية ضمن إطار دَمَقرطته لقوانين الأحوال الأُسرية إدخال مادة جزائية تعتبر الخيانة الزوجية جريمة يعاقب عليها القانون. تراجعت الحكومة في اللحظة الأخيرة عن إدخال تلك المادة بسبب حالة الذعر التي اجتاحت الجماهير.

لقد تولَّى أعضاء حزب العدالة والتنمية المناصب الاستراتيجية في إدارات الدولة. وصار من الواضح أنَّ هناك تفضيلاً لأعضاء حزب العدالة والتنمية الذين ترتدي نساؤهم الحجاب. كما جُعلت الاتجاهات الفكرية معيارًا رئيسيًا في تعيين مدراء المدارس. إذ أنَّ المظاهرات الجماهيرية الحاشدة جاءت قبل كلِّ شيء كمحاسبة على هذا النهج المتَّبع في السياسة.

إقصاء الطبقة الوسطى

تمّ تمهيد الطريق لهذه الأزمة من خلال إقصاء أبناء الطبقة الوسطى القاطنين في المدن عن العمل السياسي. لم تبدأ تلك الطبقة في مواجهة القابضين على زمام الحكم في السنوات الأولى من حكومة حزب العدالة والتنمية، أي عندما كانت الإصلاحات الديموقراطية السياسية وعملية الاقتراب من الاتحاد الأوروبي مدرجة على أجندتهم.

دنيز بايكال، الصورة: أ ب
دنيز بايكال، أحد زعماء المعارضة في حديث مع بعض الإعلاميين في مكتبه في أنقرة

​​كما لم تنشأ هذه الأزمة إلاَّ مع ركود العلاقات ما بين تركيا والاتحاد الأوروبي وموافقة حزب العدالة والتنمية على أن يستمر هذا النظام السياسي الذي لا يزال نظامًا قمعيًا بحق في قيادة البلاد بمفهوم مؤسلم. لا يجوز لنا أن ننسى أنَّ آلاف المتظاهرين الذين خرجوا إلى الشوارع إثر اغتيال الصحفي الأرمني هرانت دنك مردِّدين هتافات منها "نحن كلُّنا أرمنيون" اعتبروا أيضًا حكومة حزب العدالة والتنمية شريكةً في هذا النظام السياسي.

أساليب بوليسية

كذلك استُخدمت في الأوَّل من أيَّار/مايو طرق وأساليب تُتَّبع في الدول البوليسية، بغية تفريق جموع أعضاء النقابات الذين كانوا يريدون التذكير بالمذبحة التي ارتكبت قبل عشرين عامًا بحقِّ متظاهرين في ساحة تقسيم في إسطنبول. وهنا تقع المسؤولية السياسية على عاتق الحكومة وحدها، فهي التي تقوم بتعيين المحافظين وقادة أجهزة الشرطة.

يعاني النظام البرلماني في تركيا من حاجز العشرة بالمائة الخاص بالانتخابات البرلمانية - بقية باقية من الدستور الذي فرضته قيادة الجيش في عام 1982. كان من نتيجة هذا الحاجز في انتخابات عام 2002 أنَّ حزب العدالة والتنمية الذي حاز على نسبة 34 بالمائة من أصوات الناخبين قد حقَّق أغلبية بلغت ثلثي مقاعد البرلمان.

لم يتمّ حينها تمثيل ما نسبتهم 45 بالمائة من الناخبين، وذلك لأنَّ الأحزاب التي منحوها أصواتهم قد حصلت على نسبة أقل من حاجز العشرة بالمائة. قدَّر حزب العدالة والتنمية الذي حاز على أغلبية واسعة مجال نفوذه بأكثر مما يستحق من التقدير وتسبَّب في إحداث الأزمة.

لا للشريعة، لا للإنقلاب!

لقد أثمرت الآن هذه الأزمة. قوبل البيان الصادر عن الجيش، الذي نشر في الإنترنت بعد منتصف الليل والذي يتوعَّد بشكل غير مباشر بانقلاب عسكري، بالرفض لدى الجزء الأعظم ممن يعملون ضدّ حزب العدالة والتنمية.

رئيس الوزراء التركي إردوغان، الصورة: أ ب
رئيس الوزراء التركي إردوغان في أنقرة

​​كتب المتظاهرون على اللافتات التي رفعوها في المظاهرات: "لا للشريعة ولا للانقلاب". إذ أنَّ الجيش الذي خيَّب من خلال الانقلاب العسكري الذي قام به في العام 1980 آمال المواطنين في نظام برلماني، أصبح اليوم هدفًا لحملات الجماهير.

سوف يرتفع نصيب النساء في الدورة البرلمانية التركية القادمة. قرَّر حزب العدالة والتنمية ترشيح المزيد من النساء في قوائمه الانتخابية، وذلك نظرًا إلى المظاهرات الجماهيرية الحاشدة التي كان قوامها بالدرجة الأولى من النساء. كذلك أعلنت الأحزاب الأخرى عن هذه النية.

أمَّا "الحزب الديموقراطي" الجديد الذي نشأ عن اتِّحاد حزبين يمينيَّين شعبيَّين والذي لم ينجح في العام 2002 بدخول البرلمان بسبب حاجز العشرة بالمائة، فسوف يعمل إلى جانب حزب العدالة والتنمية على كسب معسكر المحافظين.

وأخيرًا إنَّ الأكراد الذين أخفقوا في دخول البرلمان بسبب حاجز العشرة بالمائة سوف يدخلون البرلمان عن ظريق مرشَّحين مستقلَّين، من المفترض أنَّهم سوف يمكِّنونهم من تشكيل ائتلاف في البرلمان. ومع أنَّ الانتخابات لن تحدث تغييرًا جذريًا في السياسة التركية، بيد أنَّها سوف تسهم في تسوية وإعادة التمثيل السياسي إلى حالته الطبيعية.

بقلم عمر إرزيرين
ترجمة رائد الباش
حقوق الطبع قنطرة 2007

قنطرة

حسابات خاطئة
ما أسباب عودة العسكر للتدخل في شؤون حكومة إردوغان التي حققت نجاحا ملحوظا في عملها؟ ما هي الأسباب التي دفعت ملايين من الناس إلى المشاركة في مظاهرتين حاشدتين شهدتهما أنقرة واسطمبول؟ تعليق الصحفي يورغن غوتشليش

صراع حول انتخابات رئيس الجمهورية
تشهد تركيا حاليا صراعا حول منصب رئيس الجمهورية الذي يعكس حقيقة التصادم الفعلي بين القوى الدينية والقوى العلمانية التي تتصدى لها بدعم واضح من الجيش. حوار مع الصحفي آرطغرل كوركجو، المنسق في موقع بيانت

تركيا والإتحاد الأوروبي
ملف شامل يناقش العلاقة بين تركيا والاتحاد الأوربي من جهة والعلاقة بين تركيا والعالم الإسلامي من جهة أخرى، نشأ في إطار مبادرة إرنست رويتر