الفن العراقي ثقافة مهجر؟
والعشرين من فبراير/شباط 2006 في مقر "اتحاد الأعمال الفنية في برلين- معهد الفن المعاصر" معرض "تصويرات عربية معاصرة. المعادلة العراقية". يعد هذا المعرض بإعطاء صورة عن عالم الفن العراقي سواء في غضون العقود المنصرمة أو في الوقت الراهن. تقرير أريانا ميرزا.
سجاد شرقي حافل بالخيوط موضوع فوق الأرضية الرمادية المصنوعة من مادة الخرسانة ويوجد فوق السجاد ما يوحي بأشكال مستديرة. وضعت على السجاد كراس صغيرة ممتدة في الطول فوقها أجهزة تليفزيون صغيرة.
ينتاب الزائر وهو يتجول بين الأعمال الفنية المعروضة بأحاسيس الحيرة بحكم هذا السيل الغزير من المعلومات التي يقدمها المعرض له. على الجانب الأيمن يرى الزائر برنامج الأخبار في فضائية "العربية" أما في الجانب الأيسر فيرى محطة "العراقية" التليفزيونية.
كما أنه يرى على شاشة أخرى برنامجا رديء الإنتاج تم فيه تقليد أحد أفلام المغامرات ويعمد فيه أشخاص مقنعون إلى اللجوء إلى العنف أثناء اختطافهم لضحية ما.
الإعلام والواقع
في هذا المعرض وليس فيه فحسب يطرح السؤال نفسه عن ماهية المعلومات التي تطبع الصورة القائمة لدينا حول الأوضاع الراهنة في العراق. أليست هذه الصورة نابعة على نحو مطلق من المصادر الإعلامية التي نتلقاها والتي تجعلنا نتوهم بأن هذه الصورة هي الواقع بعينه؟
التعامل الفني مع المعلومات المستقاة من أجهزة الإعلام يمحتوياتها وأشكالها الموضوعية أو البروباغندية، يشكل حجر أساس هذا المعرض الجاري حاليا في برلين. وسائط الإيضاح السمعية والبصرية ليست هنا لتكون بمثابة مواد للتحقيق فحسب بل هي وسيلة من وسائل التعبير الفني أيضا.
بفضل صور الفيديو التشخيصية والبرامج الوثائقية والتقارير الإعلامية وأفلام السينما المستخدم فيها أساليب الخداع الفني يقترب الفنانون العراقيون المشاركون في المعرض من موطنهم الذي غادره البعض منهم قبل بضعة عقود. رؤية المقيم في المهجر هي بالضرورة رؤية من الخارج ، وهذا الأمر كثيرا ما تم طرحه في بعض الأعمال الفنية كموضوع قائم بحد ذاته.
أهمية المهجر
المسؤولة الفنية عن المعرض كاترين دافيد تشدد على أن المعرض المسمى "المعادلة العراقية" ليس بمثابة الرصيد الختامي للثقافة العراقية في الوقت الحاضر، بل أنه يشكل بالأحرى حلبة للمنجزات الخلاقة التي ابتدعها عراقيون عاملون في الحقل الفني.
وهي تضيف قائلة إنه يتحتم علينا أن نلاحظ بأن القسط الأكبر من الإنتاج الثقافي العراقي ظهر منذ عقود عديدة في المهجر.
هذا وإن سعى المشرفون على المعرض إلى إعطاء الصورة من داخل البلاد أيضا. فمن بين المشاركين في المعرض المخرج السينمائي عدي رشيد وسلام بكس الذي اشتهر بأعماله عبر شبكة الإنترنت، علما بأنهما كانا وما زالا يعيشان ويعملان في العراق.
يحتل في مقام الفنانين المقيمين في العراق المصور لطيف العاني مركزا متميزا، فقد كان طيلة عقود عدة شاهد عيان على الحياة اليومية في العراق. وقد عرضت له في المعرض بعض الصور غير الملونة التي التقطها في غضون الستينيات والمتسمة بطابع وثائقي. صوره تخلت على ما يبدو عن طابع التنميق بهدف إعطاء الواقع صورته الحقيقية.
نظرة الغرب
تناقض هذا الالتزام المتعمد بصورة الواقع التصورات المبنية على الأكليشيهات التي يستخدمها فنانون آخرون كمصادر لأعمالهم. فبعض الأعمال الفنية والكتب المعروضة في هذا المعرض تتناول على وجه خاص الرؤى التي تصوّر الشرق من خلال استخدام التنميق الرومانسي ونظرة الغرب إلى العراق.
عروض الفيديو التي أنتجها الفنان العراقي المقيم في المهجر سمير تتطرق إلى التغير الذي هيمن على رؤية الغرب لصورة العراق. حيث يعمد سمير إلى إظهار الفروق والمتناقضات بين فيلم هوليوود الأمريكي الخيالي "لص بغداد" الذي انتج عام 1924 وبين أمرين آخرين أحدهما صور شخصية راهنة لعائلة تنتمي إلى الطبقة الوسطى في بغداد والأمر الآخر يتناول التناقض المهيمن على التقارير التلفزيونية التاريخية والآنية الصادرة عن منتجين غربيين.
في الكثير من الحالات يتضمن معرض برلين أعمالا فنية تعكس حالة التأرجح بين وضعين مختلفين. حيث تشكل مسألة التعامل مع معطيات الحياة في دولة المهجر إحدى ركائز الأعمال الفنية المنتجة ليس فقط في حالة فناني الرسم بل أيضا بالنسبة للكتاب والشعراء أنفسهم.
هذا المعرض الذي يتضمن خليطا من فن الرسم والتصوير والأدب وفن الوسائط على نحو يبدو وكأنه اعتباطي وليس متعمدا، ينقل رسالة إجمالية فحواها أن الحياة الثقافية العراقية تمر اليوم بحالة جبرية وفعالة من العلاقة المبنية على الحوار مع العالم الغربي.
بقلم أريانا ميرزا
ترجمة عارف حجاج
حقوق الطبع قنطرة 2005
معرض "أعمال فنية عربية معاصرة. المعادلة العراقية" سيقام أيضا في برشلونه في الفترة بين أبريل/ نيسان ويوليو/ تموز 2006.
قنطرة
رسالة حب إلى بغداد
يعيش العراق مرحلة انتقالية صعبة من نظام استبدادي إلى نظام جديد غير واضح العوالم بعد. يحاول السينمائي الشاب عدي رشيد عرض مسار الحياة في بغداد ما بعد صدام من خلال فيلمه "غير صالح للعرض".
"عراقي في باريس" لصموئيل شمعون
يستمد الكاتب العراقي المقيم حاليا في لندن صموئيل شمعون معرفته قبل كل شيء من الحياة، التي تشبه الفيلم، يقدمها لنا الآن على شكل رواية، جديرة بأن نقرأها بمتعة وإعجاب، حسب رأي الكاتب العراقي المقيم في برلين فاضل عزاوي.