صورة سلبية وأحكام مسبقة
تم في الدراسة المذكورة إجراء استطلاع مع أشخاص أوروبيين وأمريكيين ومسلمين مقيمين سواء في أوروبا أو في الدول العربية بما فيها شمال أفريقيا أو في إندونيسيا حول مواقفهم تجاه الغرب والإسلام وحول موضوع دقيق آخر هو الإرهاب النابع من أرضية التطرف الإسلاموي.
تدل نتائج الدراسة على ما يبدو بأن صورة الغرب القائمة لدى المسلمين المقيمين في أوروبا تتسم بمقدار أكبر من الإيجابية وتوازن المقاييس عن الصورة القائمة في هذا السياق لدى المسلمين المقيمين في البلدان الإسلامية نفسها. مسلمو أوروبا يعربون عن تقييمهم "الإيجابي" هذا من خلال وجود نظرة لديهم نحو مواطني دول الغرب الصناعية بكونهم يتحلون بالمصداقية والتسامح وبالتعامل بروح الاحترام مع المرأة. أما في البلدان الإسلامية نفسها فترى أغلبية سكانها بأن مواطني الدول الغربية أنانيو النزعة يكترثون بمحض مصالحهم الذاتية ويفتقدون إلى القيم الأخلاقية بل حتى أنهم يميلون إلى استخدام العنف وتبني الأفكار المتطرفة.
رؤية ألمانية قاتمة
تتطابق هذه الرؤية مع الصورة القائمة في دول الغرب الصناعية تجاه المسلمين فالسكان هناك ينظرون إلى المسلمين نظرة سلبية كما أنهم يرون بأن فرص التعايش السلمي بين المجموعتين ضئيلة. هنا أيضا عكست الدراسة صورة راسخة واضحة، فالمسلمون وفقا للاستطلاع الذي جرى مع السكان الغربيين على نطاق واسع متعصبون وميالون لاستخدام العنف كما أن لديهم نقصا حيال معدلات التسامح. كانت أكثر النتائج إثارة للقلق تلك النتائج لاستطلاعات الرأي في ألمانيا حيث أنها كانت أكثر سلبية من الدول الأوروبية الأخرى.
تتسم الرؤية الألمانية بطابع سلبي يفوق الحال لدى مواطني الدول الأوروبية الأخرى في سياق آخر هو الاعتقاد بحتمية اندلاع الصراع بين أنماط الحياة لدى المسلمين ولدى المجتمعات الغربية الحديثة، وذلك على الرغم من أن أغلبية المسلمين المقيمين في ألمانيا لا ترى وفقا للدراسة حتى أدنى وجود لهذا الصراع.
كيف يمكن تفسير هذه الصورة السلبية القائمة حول المسلمين في ألمانيا رغم عدم توجيه هجمات إسلاموية لحسن الحظ فوق أراضيها ورغم أن المجموعات الإسلاموية المدعومة من تنظيم القاعدة لا تلقى في صفوف المهاجرين المسلمين في هذا البلد إلا درجة ضئيلة من التعاطف؟ لماذا يتصدر الألمان بالذات هذا التقييم السلبي سابقين بذلك الفرنسيين والبريطانيين؟
جدل أحادي في الإعلام
نحن نعيش اليوم في عصر تعطى فيه أولوية فائقة للتغطية الإعلامية للآراء والأحاسيس الجماعية. بالتالي أصبح الجدل الأحادي الرؤية والمتسم بطابع عاطفي يتصدر أبواب الإعلام سواء حول الزواج القسري أو قتل فتيات ونساء تركيات تحت مفهوم "الدفاع عن قيم الشرف" أو فيما يتعلق بتصرفات تتسم بالفلتان أو الجرم نابعة عن شباب مسلمين في بعض المدارس الألمانية (على سبيل المثال مدرسة روتلي في برلين) أو حول إدخال اختبارات التأكد من الآراء والميول في ولاية بادن فورتمبيرغ أو بشأن ملف انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي.
نظرا لكون هذا الجدل قد احتل صلب اهتمام الرأي العام الألماني في غضون الشهور الأخيرة فإن ذلك يحول دون خلق صورة متوازنة لدى الرأي العام أو تحقيق تقارب بين الألمان وأفراد الجاليات المسلمة. على العكس فإن هذا الجدل يكرّس الصورة السلبية القائمة حول المسلمين بكونهم مفتقدين للتمدن ومناوئين للديموقراطية ومعادين لمبادئ الدستور ولحقوق المرأة وبكونهم يفتقرون الى لتسامح إزاء نظرتهم للأديان الأخرى. من خلال ذلك أصبح الرأي العام الألماني ينظر إليهم كعنصر مهيأ وقابل لتهديد الأمن الداخلي أيضا.
مشاعر رفض
رغم أن للأحكام المسبقة القائمة حيال المهاجرين المسلمين تقاليد قديمة في ألمانيا فإن هناك بعض المستجدات في هذا السياق حيث يتم على نحو تعميمي تحميل المهاجرين المسلمين أو الإسلام نفسه مسؤولية ظهور المشاكل المتعلقة بكافة شرائح المجتمع وتردي الأوضاع الاجتماعية. وكانت جمعية مؤسسات البنى الأساسية للأبحاث السوسيولوجية قد أجرت في غضون التسعينيات "استطلاعا سكانيا عاما مبنيا على علم الاجتماع" اتضح منه بأن الأغلبية الكبرى للألمان تضمر أحاسيس الرفض حيال المسلمين وأنها أقل رغبة بأن يكون أفراد مسلمون جيرانا لها أو أن يرتبطوا بها عائليا مقارنة بالإيطاليين أو الأوروبيين الشرقيين المنحدرين من أصول ألمانية مثلا.
المدهش في هذا الصدد أن الأحكام المسبقة تجاه المسلمين تواجدت في أوقات لم يكن لا ملف الإرهاب الإسلاموي ولا موضوع فشل اندماج المهاجرين في المجتمع قد هيمنا على الجدل الدائر في صفوف الرأي العام.
لكن الأسباب تبقى واحدة وهي أن الأغلبية العظمى للألمان إما لم يكن لها سوى اتصال ضئيل جدا بالمهاجرين المسلمين منذ بدء هجرة الأجانب بغرض البحث عن العمل أو أن يكون مثل هذا الاتصال في حكم المعدوم. بالتالي فقد اعتمدت الأغلبية السكانية في أحكامها وتقييماتها على أجواء الجدل العام المتسمة بطابع الانفعالية. هذا الجدل كان له وقع الجرح في سمعة المسلمين نظرا لكونه تعمد اكتساب صفة المرجعية العامة للتقييم.
على هذا المنوال فقد وصلت دراسة صادرة عن منبر علم الاقتصاد الاجتماعي التابع للمعهد الألماني للأبحاث الاقتصادية إلى نتيجة فحواها أن الأغلبية الكبيرة من المسلمين ليس لها صداقات مع أفراد ألمان، على الرغم من أن معظم المسلمين يرغبون في إنشاء عدد أكبر من الصلات مع الألمان. هذه النتيجة تظهر لنا بوضوح بأن هناك حاجة ماسة لممارسة سياسة تقوم بجانب محاربة التمييز الاجتماعي الذي يعاني منه المهاجرون المسلمون بتقوية ساعد حوار الحضارات والأديان في ألمانيا.
من أجل تقارب متبادل
ليس إدماج المهاجرين ومساواتهم بالألمان في القطاعين التعليمي والمهني وحدهما أهم عناصر تأمين وضمان تحقيق التقارب المتبادل بين الألمان والمهاجرين وتكريس السلام الاجتماعي بالتالي، بل يتبع ذلك أيضا ترتيب اللقاءات الكفيلة بخلق التعارف المتبادل الخالي من الأحكام المسبقة وتوثيق عرى الاتصال والتبادل على نحو دوري وخلق صداقات بين الألمان والمسلمين.
لا يمكن التغلب على الأحكام المسبقة وعلى روح التحامل في التعامل مع المهاجرين المسلمين إلا من خلال سلوك هذا الطريق. وهنا يتطلب الأمر اتخاذ مبادرات معنية بهذا الشأن ودعمها سواء من قبل المؤسسات الحكومية أو من تنظيمات المجتمع المدني. كما أن الأمر يتطلب في نفس الوقت قيام السياسيين والمنظمات والاتحادات وأجهزة الإعلام بالتصدي على نحو ملتزم لتيارات معاداة الإسلام المتزايدة في ألمانيا.
أولغير بولات
ترجمة عارف حجاج
حقوق الطبع قنطرة 2006
قنطرة
الخوف من الآخر مرض الساعة
خطابات التفوق الثقافي تعبير عن هوس مبني على الشعور بالضعفو التهديد. هذا الخوف قائم لدى العالمين الغربي والإسلامي، وحالة الخوف الهستيري هذه مرحلة تسبق اللجوء إلى العنف الحقيقي، حسب روبرت ميسيك
"لا زال هناك الكثير من الأسئلة المفتوحة"
لا يجري بحث مواقف المسلمين من الدولة والمجتمع في ألمانيا إلا ما ندر، وهذا ما يؤجج نظريات المؤامرة حول "المسلمين" والإرهاب في المجتمع الألماني، حسب رأي الصحفي المتخصص في شؤون الأجانب والمسلمين في ألمانيت إبرهارد زايدل.
نقاش مغرض
يعاني الأتراك في ألمانيا من مشاكل ومصاعب عديدة أهم من جرائم الشرف والزواج القسري التي تروج لها وسائل الإعلام في هذه الأيام. هم يعانون من البطالة ومن النبذ الاجتماعي. فلماذا التركيز على جرائم الشرف والزواج القسري؟ هذا ما تحاول الباحثة في شؤون الهجرة أولغير بولات الإجابة عنه في تعليقها.