"تحتاج فرنسا إلى حوار حقيقي عقلاني"
أصدر حوالي سبعين باحثا ومفكرا كتابا تحت عنوان الإسلام في فرنسا. مساهمات هؤلاء تعكس بوضوح المناقشات الطويلة العلنية حول التأثير الوهمي للإسلام خاصة على الهياكل والبنى الجمهورية للدولة العلمانية . ويوجه الكتاب اللوم أيضا للحكومة في باريس وذلك لرغبتها في تغيير الإسلام في فرنسا إلى الإسلام الفرنسي . وهذا تطور خطير والذي وفقا لرأي غالبية الباحثين عمّق الهوة بين الشريحة المسلمة الصامتة والليبرالية والمندمجة في المجتمع من جهة وبين الشريحة ذات الصوت العالي التي تضم الدعاة واللذين يدعون للعنف . وليس هناك خط واضح يمكن رسمه بين الإندماج الواعي وبين التأقلم الإجباري.
علاوة على ذلك فإن الجمهورية العلمانية تواجه نقاشا، انطلق من الحكومة نفسها، يدور في المقام الأول حول قانون يحظر الرموز الدينية في المدارس العامة. وهذا القانون الذي يحظر الحجاب الإسلامي يمنع ايضا إرتداء الصليب المسيح والقلنسوة اليهودية ، لكن الكثيرين من المسلمين يشعرون أن هذا الإجراء موجه اليهم بصفة خاصة .
وفي نفس الوقت تشعرالقوى اليمينية المتشددة بل وهي مقتنعة بأن قيمها الثقافية مهددة بسبب الستة ملايين مسلم الذين يعيشون في فرنسا. بل إن البعض منهم يخلط عمدا بين ماهو مسلم وبين التشدد الإسلامي مما يؤجج بشكل دفين الجدل الانتقادي الشعبوي بشأن ذلك.
الآن وبعد هذه الهجمات وماحدث ضد المؤسسات اليهودية أيضا والتي أثارت قلق المواطنين وانزعاجهم، فإن الحكومة الفرنسية وتحت التأثير الإعلامي اتخذت قرارات مثيرة للجدل والنقاش: وجود لاعبين من الشمال الأفريقي والقارة السمراء عموما في الفريق الوطني لكرة القدم في الفترة من عام 1998إلى عام 2000 قد حقق نجاحات باهرة للمجتمع الفرنسي بلا شك أكثر من تعيين اثنين من المسلمين في الحكومة .
ووفقا للموقف السياسي فإن هذه الإجراءات قد تُفهم كتنازل للإسلام أو كمحاولة تبديل الإسلام إلى دين ذي صبغة غربية. ويدرك معظم المواطنين أن هذين التفسيرين يشوبهما الخطأ. وهناك تنظيمان سياسيان ذوا أقلية يعوقان جهود الحكومة بعمليات إرهابية أيضا: الإسلاميون المتشددون الذين يرفضون أي اندماج من شأنه أن يمس ويجرح دينهم، أما اليمينيون المتشددون ذوو الميول العدوانية تجاه الأجانب فيرفضون هم الآخرون أي تنازل أو أي امتياز للأديان الأجنبية ويدافعون عن ذلك تحت عباءة العلمانية عن القيم المسيحية للعالم الغربي.
إن فرنسا البلد المستقِبل للمهاجرين لم تستطع أن تمنع خلافا بين الثقافات. وبينما يبحث المجتمع عن الإجابة الصحيحة والشافية يسود العنف المناقشات حول ذلك. تحتاج فرنسا في هذا الإطار إلى شيء ضروري وهام أكثر من حماية الشرطة للمساجد والمؤسسات اليهودية، ألا وهو الحوار الحقيقي بين الثقافات المتعددة، وفي المقام الأول حوار عقلاني وبناء حول تعريف الثقافات المتعددة وتحديده. إن ثقافة متعددة ومتنوعة بصبغة فرنسية واصدار قوانين حظر ومنع ليست الإجابة الصحيحة والمطلوبة.
بقلم جيرار فوسير، دويتشه فيلله 2004
ترجمة شكري عبد الحميد