مادة التربية الإسلامية تشق طريقها إلى المدارس الألمانية

رجل يرتدي نظارات يكتب باللغة العربية على السبورة الخضراء.
معلم يُدرس التربية الإسلامية في إحدى المدارس بمدينة بون، عام 2022. (Photo: Picture Alliance / KNA | H. Oppitz)

يستمر الجدل في ألمانيا حول مكانة الإسلام في المجتمع، فيما يشقّ التعليم الديني الإسلامي طريقه داخل المدارس، على يد جيل جديد من المعلمين الألمان دون دعم كافٍ.

تقرير: رائدة شبيب

تنص المادة 7 من القانون الأساسي في ألمانيا، على أن الدولة مسؤولة عن التعليم الديني المذهبي في المدارس، ما يعني أن محتوى التعليم الديني يُحدده الانتماء الديني، فيما تُحدد الدولة، أو بالأحرى الولايات الاتحادية، إطار تدريسه كمادة دراسية. 

ورصدت منظمة Mediendienst Integration، ارتفاع عدد الطلاب المسجلين في برنامج التعليم الديني الإسلامي بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة، إذ حضر نحو 81 ألف طالب دروس التربية الدينية الإسلامية في العام الدراسي 2024-2025، أي ما يقرب من ضعف عددهم في عام 2015-2016. ومع ذلك، لا يزال هذا العدد ضئيلًا، إذ لا يتم حاليًا الوصول إلى أقل من 10% من الطلاب المسلمين في ألمانيا. 

وتختلف طريقة تدريس الإسلام، إذا كان يُدرّس أصلاً، اختلافًا كبيرًا بين الولايات الاتحادية، فهو ليس قائمًا على أسس دينية موحدة في كل مكان؛ على سبيل المثال، في هامبورغ تُدمج التربية الإسلامية ضمن برنامج "التعليم الديني للجميع". أما في الولايات الشرقية الألمانية، التي تقل فيها نسبة التلاميذ المسلمين، لا يوجد بها أي برنامج من هذا النوع على الإطلاق، بينما يُركّز النموذج البافاري، على الدراسات الدينية مع "تعليم إسلامي" تُديره الدولة. لا يُربك هذا التنوع الواسع من البرامج أولياء الأمور فحسب، بل يُشكّل أيضًا تحديًا لمعلمي التعليم الديني الإسلامي. 

جيل جديد من المعلمين

شهد تدريب المعلمين، تطوراتٍ كبيرة خلال العقد والنصف الماضيين، أبرزها إنشاء عدد من مراكز الدراسات الإسلامية والتربية الدينية في الكليات والجامعات الألمانية، ومنذ عام 2011، أُنشئت معاهد في مونستر، وأوسنابروك، وفرانكفورت/غيسن، وإرلانغن-نورمبرغ، ومؤخرًا في برلين وبادربورن. 

كما التحق نحو 2500 طالب في جميع أنحاء ألمانيا ببرامج الدراسات العليا في الفقه الإسلامي عام 2021، والتي يتيح العديد منها خيارًا إعداد معلمي التعليم الديني، ومنذ عام 2020، يعمل أكثر من 750 معلمًا للتربية الإسلامية بألمانيا.  

هكذا نشأ جيل جديد من معلمي التعليم الديني الإسلامي الذين يجمعون بين التعمق في الفقه الإسلامي، كما يُدرَّس في الجامعات الألمانية، وبين اندماجهم في برامج تدريب المعلمين المحلية، وإنها مهمة توازن دقيقة يتعين عليهم فيها التوفيق بين متطلبات المعرفة الدينية وخصوصيات المادة التي يدرسونها.

مطالب متنوعة

توضح أنيت عبد الرحمن، الأستاذة المساعدة في منهجية التدريس في معهد اللاهوت الإسلامي بجامعة أوسنابروك، أن التحدي الأساسي يتمثل في تبني نهج "قائم على الكفاءة" تجاه الدين نفسه ومصادره. 

وتقول عبد الرحمن، إن الهدف من التعليم الديني الإسلامي هو تمكين الشباب المسلمين من "التفاعل مع دينهم استنادًا إلى خلفيتهم الدينية واللاهوتية الخاصة، وبما يتلاءم مع المجتمع الذي يعيشون فيه. فهم يتعلمون توظيف معارفهم لتكوين آرائهم حول القضايا الشخصية أو التحديات الاجتماعية". 

يبدو هذا الهدف قابلًا للتطبيق في مواد دراسية أخرى، إلا أن الأمر ليس بتلك السلاسة في حالة التعليم الديني الإسلامي، إذ يواجه المعلمون في الصفوف الدراسية قيماً راسخة، وأحيانًا عميقة الجذور، تتشكل في الغالب داخل الأسرة أو المجتمع الديني، أو عبر دعاة وسائل التواصل الاجتماعي الذين نصّبوا أنفسهم بأنفسهم في السنوات الأخيرة. 

يشير أولفي كاراجيديك، الأستاذ المساعد ورئيس معهد اللاهوت الإسلامي والتربية الدينية بجامعة كارلسروه، إلى أن "القيم الإسلامية عالقة بين التقاليد الدينية والواقع الاجتماعي المعاصر، وبين التنشئة الدينية وتحديات العصر"، ما يجعل العملية التعليمية بمثابة عملية تفاوض مستمرة. 

ويتوقع كاراجيديك، أن تزداد مهنة تدريس التعليم الديني الإسلامي تعقيدًا في ظل "للتغير الديناميكي في تطوير مفاهيم التدريس الخاصة بالمواد الدراسية واستكشاف مجالات دراسية جديدة"، وتتنوع التحديات على نطاق واسع، بدءًا من التساؤلات حول المعالجة المناسبة للقرآن الكريم والسنة النبوية في الفصول الدراسية، وصولًا إلى متطلبات تعليمية أحدث، مثل كيفية دمج الذكاء الاصطناعي في التعليم. 

لذلك، تعمل الجامعات باستمرار على تطوير مواد جديدة لاستخدامها في الصفوف مثل دليل التعليم البيئي في التعليم الديني الإسلامي، الذي أنشأه مركز اللاهوت الإسلامي في جامعة مونستر، إلى جانب أبحاثها الأخرى. 

معاداة السامية و"التعبير الديني التصادمي"

لا تقتصر التحديات على المناهج فقط، بل أيضًا الفهم الاجتماعي، وبحسب دراسة أجرتها جامعة الرور في بوخوم، يواجه معلمو جميع المواد الدراسية، صعوبة في تمييز الصور النمطية المعادية للسامية ومعالجتها. وتكتسب هذه المسألة أهمية خاصة، نظرًا لحساسية الموضوع بعد أحداث السابع من أكتوبر وما تلاها من حرب غزة. 

ولمعالجة هذه المسألة، يوصي مؤلفو الدراسة، بتدريب مكثف للمعلمين، مع التركيز على التنوع الديني واليهودية في التعليم الديني الإسلامي، وتطوير أفكار تهدف إلى الوقاية من معاداة السامية. 

وقد خلصت دراسة مثيرة للجدل أجرتها جامعة مونستر مؤخرًا إلى أن بعض طلاب إعداد معلمي الدين الإسلامي يحملون أيضًا معتقدات معادية للسامية أو أصولية، لكن البروفيسور مهند خورشيد، رئيس فريق الدراسة في مونستر، أوضح في مقابلة مع صحيفة دي تسايت الألمانية، أن تلك الأفكار تعود على الأرجح إلى التنشئة الاجتماعية في المساجد، وهيمنة المحتوى الإسلامي على وسائل التواصل الاجتماعي، أكثر من ارتباطها بالتعليم الأكاديمي الإسلامي نفسه. 

وأضاف أن مواقف الطلاب تتغير إيجابيًا مع تقدمهم دراسيًا، إذ يمكن للتعليم الجامعي أن يصحح الأفكار المتشددة المستمدة سواء عبر الإنترنت أو داخل بعض المجتمعات. 

كما أظهرت دراسات ميدانية أخرى، أن العديد من طلاب التعليم الديني الإسلامي يرون أنفسهم كناقلين للمعرفة، وبناة جسور، وأشخاص يمتلكون القدرة على التفكير النقدي. 

وأوصت هذه الدراسات، بتصميم برنامج تدريب خاص لمعلمي هذا التخصص، يشمل التعلم من خلال التقاء الأديان، والتدريب العملي التعددي، وتعزيز مهارات التواصل، وتقبّل الاختلاف، إضافةً إلى الدعم النفسي والإعلامي والاجتماعي التربوي. 

المعلمون كوسطاء في حل النزاعات؟

تزداد أهمية هذه المهارات في المدارس التي تتفاقم فيها النزاعات المرتبطة بالإسلام، ففي بعض الأماكن، تُسجَّل حالات تمييز ضد الطلاب المسلمين، بينما تَرِد في أماكن أخرى تقارير عن ضغوط دينية تُمارس داخل الأوساط الطلابية المسلمة، مثل إجبار بعض الطلبة لزملائهم على الصيام، أو ارتداء ملابس معينة لمجاراة العادات الإسلامية الصارمة. 

تمثل تلك الحالات من "التعبير الديني التصادمي" تحديًا متناميًا، خصوصًا في المدارس الواقعة في الأحياء الحضرية ذات الكثافة المهاجرة.. فمبدأ الحرية الدينية السلبية، أي رفض أي معتقد ديني، يستحق الحماية تمامًا مثل حق الفرد في تكوين هويته الدينية، ومن ثم يجب الحد من التمييز القائم على الهوية الدينية. 

ومن هنا يمكن لمعلمي التعليم الديني الإسلامي أن يلعبوا دورًا محوريًا في التواصل المباشر مع الطلبة ذوي الخلفية الدينية، ومنع الصدام داخل المدارس، وأن يكونوا نقطة تواصل وربما وسطاء في حالات التمييز. 

وعندما يُقدَّم التعليم الديني الإسلامي على أيدي معلمين مؤهلين، ضمن هياكل شفافة ومناهج تعددية، فإنه يمكن أن يسهم في تعزيز الاندماج، ومعالجة أساليب التدريس الديني الحديثة والقضايا المعاصرة، والحد من الأمية الدينية، والتطرف، ولكي يتحقق ذلك، على ألمانيا أن تقدّر هؤلاء المعلمين وتدعمهم بوصفهم موردًا تربويًا وإنسانيًا إيجابيًا داخل النظام التعليمي. 

 

ترجمه من الألمانية: م. تايلور

قنطرة ©