"للإسلام وجوه أخرى في أوروبا"
تُتهم "الندوة العالمية للشباب الإسلامي" في الولايات المتحدة منذ سنوات بدعم الإرهاب الإسلامي. لكن الأمين العام المساعد للتخطيط والتنمية حميد الشايجي ظهر في الحوار التالي بمظهر المسلم المنفتح الذي يطالب المسلمين في أوربا باندماج نسبي في مجتمعهم الجديد.
اُتهمت "الندوة العالمية للشباب الإسلامي" خاصة بعد الـ١١ من أيلول/سبتمبر ٢٠٠١ في الولايات المتحدة الأمريكية بمساندة ودعم نشاطات إرهابية لأن رئيس فرع الندوة في الولايات المتحدة تربطه صلة قرابة بأسامة بن لادن.
تعمل هذه المنظمة التي يقع مقرها في العاصمة السعودية الرياض علي مستوى عالمي - ويتمحور عملها في الدرجة الأولى في المشاريع الإنسانية وتعليم ودعم الشباب المسلم.
بيد أن هذه المنظمة نفت الاتهامات الموجهة إليها من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، وكذلك الافتراضات التي تفيد أنها تريد بعملها نشر الإسلام طبقًا للمفهوم الوهابي السلفي.
يجب على المسلمين أن يندمجوا
أما د. حميد الشايجي، الأمين العام المساعد للتخطيط والتنمية، فيقول إنه من الممكن في الفترة الحالية أن يكون للإسلام وجوه أخرى في أوروبا أو في أجزاء أخرى من العالم:
"أعتقد أن هذا ممكن إذا حاول المجتمع الإسلامي أن يندمج في المجتمع الذي يقيم فيه. ولا بد من تنظيم الشباب ودعمهم. كذلك يجب عليهم أن يكيّفوا أنفسهم مع المعطيات وطرق الحياة المحلية، بيد أنه عليهم المحافظة على هويتهم".
لكن إلى أي مدًى من الممكن والجائز لهم الـ"محافظة على هويتهم الخاصة"؟ وبماذا يمكن ويجوز للمسلمين تقديم تنازلات مقابل محيطهم الثقافي، المطبوع بطابع مختلف بفضل التاريخ الآخر والثقافة والدين؟
يجيب الشايجي بجواب براغماتي، على سؤالنا: متى يجوز للمسلمين أن يأخذوا مثل هذه الأمور - الغريبة عن ثقافتهم ودينهم:
"عندما نتطرق إلى الحياة اليومية - مثلاً في حال شراء بيت بقرض لقاء رهن. أو في حال تغطية وجه المرأة. أو حتى إذا تطرق الأمر إلى كلمة الـ"جهاد" وأشياء كثيرة من هذا القبيل. يجب أن تكون هذه الأشياء مختلفة لدى المسلمين - كل بحسب المجتمع المحلي الذي يقيم فيه، وذلك لأن المسلمين يسكنون أوروبا. نحن نريد أن تنشئ الجالية المسلمة - حيثما تواجدت - مجتمعها الخاص بها، مع هويتها الخاصة. بحسب مكان تواجد أبنائها. فإذا قلنا إنهم في ألمانيا، فجيب أن يكونوا مسلمين ألمان".
مطالب من الدولة
يقول الشايجي، إن على الدولة أن تُعنى أكثر بالأقلية المسلمة وأن تقدم خدمات لمسلميها، حتى تطيب أنفسهم في مجتمع الدولة ويشعروا بشعور المواطنة. وحينها فقط سيصبح الإسلام -على حد قوله- جزءً حقيقيًا من كل مجتمع من المجتمعات المعنية:
"عندما سيقوم الألمان بإنشاء هيئة إسلامية، تقوم بنشر الإسلام، مثلما نريد، وعندما سيُعنون بالمسلمين - على أنهم مسلمين ألمان أو فرنسيين أو بريطانيين، عندما تُسدى لهم يد العون في الحياة اليومية، فلن يحتاج هؤلاء المسلمون لأن يتوجهوا إلى المملكة العربية السعودية، من أجل الحصول على مساعدات وأموال لمشاريعهم ومساجدهم ومدارسهم. فعندها سيكون لديهم دعم محلي. ومن الضروري جدًا للحكومات الأوروبية: أن تهتم برعاياها"
كذلك يجب على الدول الأوروبية أن تساعد مواطنيها المسلمين وأن تتساهل معهم على المستوى الديني. هناك حاجة في أوروبا - على حد قوله- لمرجع ديني محلي مثلاً، يكون على معرفة أحسن باحتياجات المسلمين وما يواجههم من معطيات.
يطالب الشايجي قائلاً: "إننا ندعو لأن يكون للمسلمين في ألمانيا مفتيهم الخاص الذي يفهم الحياة في ألمانيا. فهذا المفتي سيفتي بما يتفق مع المعيشة هناك. أما المفتي الذي في المملكة العربية السعودية، فهو لم يعش في الخارج قط، ولا يعرف شيئًا عن الحياة في ألمانيا. لهذا السبب يجب علينا - وأعتقد أن هذا واجب والتزام على المجموعة الأوروبية - أن ننشئ في أوروبا مراكز للفتوى، من أجل أوروبا المسلمة، ومدرسة تخرّج مدرسين، أوروبيين ومسلمين أيضًا، يفهمون الحياة هناك ويمكن لهم نقل الرسالة بشكل أفضل، ممن هم مثلاً من جامعة الأزهر في مصر أو المملكة العربية السعودية أو أي مكان آخر".
مراعاة المسلمين
أبدى الشايجي تفهمه على اعتراضي عندما أخبرته أن الدولة ليس مسؤولة في أوروبا عن مثل هذه الواجبات، لكنه طالب مع ذلك، بأن تمنح الدولة الطائفة المسلمة الجديدة نسبيًا في أوروبا نوعًا من الـ"مساعدة من أجل البداية":
»نعم أفهم هذا. خاصة إذا كان المرء يعيش في مجتمع علماني، لا يكون فيه للدولة علاقة بالدين ولا يجب على الدولة أن تدعم أديان معينة، ولا الأديان الأخرى. لكن الطائفة المسلمة في ألمانيا مثلاً غير معترف بها كالأديان الأخرى - مثل المسيحية أو اليهودية. والطائفة المسلمة جديدة هناك - بمعنى أنه لا يوجد لها تاريخ طويل. إذا نظرنا إلى الكنيسة، الكاثوليكية على سبيل المثال - فهي تمتلك تاريخ ولها منشآتها الخاصة من كنائس ومدارس إلخ. أما بالنسبة للمسلمين فهذا غير موجود لديهم".
كذلك يجب على الدولة - على حد قوله - أن تراعي مشاعر وأحاسيس المسلمين الخاصة. حتى وإن كانوا مجرد أقلية.
يقول الشايجي موضحًا: "طبعًا إن الأقلية لا تستطيع أن تجبر الأغلبية على إقتناعاتها. كذلك هم لا يريدون تغيير المدارس أو النظام التربوي. أو النظام الاقتصادي. ولا يفكرون بهذا قط. لكنهم يقولون: لا تجبرني على نظام ثقافي جديد. نعم، أنا جزء من المجتمع، وسأحافظ على كل النظم، لكن في نقاط معينة - لا تتعارض مع القانون - لا أريد لابنتي أو ابني أن يفعل هذا. يجب على المرء فهم ذلك الموقف: عندما نريد أن نندمج وننخرط في المجتمع بشكل حقيقي، فإننا لا نحتاج إلى التسامح فقط، إنما - مثلما أعتقد - إلى تخطيط استراتيجي".
إذن - على حد قول الشايجي - يجب على الدولة أن تسهّل، من خلال التخطيط، التعايش مع مواطنيها المسلمين. ولهذا السبب فإن الدولة تساهم أكثر بكثير من المحاولات الكثيرة لإجراء "حوار بين الثقافات":
»مثلما أرى، فإن هذا يقع ضمن القرار السياسي أكثر من أن يكون حوارًا بين الأديان. نعم - سوف يفتح الحوار بين المعتقدات والأديان والحضارات طريقًا للتفاهم، لتفاهم أفضل بين الأديان والحضارات المختلفة: وعليه سأفهم ماذا تفعلون وستفهمون ماذا أفعل. وهذا سيمكننا من التعاون في المجالات التي نتفق عليها«.
بقلم بيتر فيليب
دويتشه فيلّه DW-WORLD.DE 2005 ©
ترجمة رائد الباش