الغرب والعالم الإسلامي

اشتركت الأكاديمية السورية حنان قصاب حسن في إعداد تقرير معهد العلاقات الخارجية الألماني عن علاقة العالم الإسلامي مع الغرب. في لقاء مع قنطرة تحدثت الأكاديمية عن عملية إعداد التقرير وتقييمها لمبادرات الحوار.

أنت واحدة من المثقفين الذين شاركوا في كتابة تقرير معهد العلاقات الخارجية عن العلاقة بين الغرب والعالم الإسلامي. أثناء تقديم التقرير في معهد غوته قلت إنك لا تعتبرين نفسك جزءً من العالم الإسلامي وإنما عربية أو سورية أو مواطنة في هذا العالم. هل تعتقدين أنّ مصطلح العالم الإسلامي هو من إنتاج الغرب؟

حنان قصاب حسن: نعم، من الممكن أن نعتبره هكذا، لأنه لا يوجد هناك رابطة أو كيان واضح يربط العالم الإسلامي ببعض. كانت العلاقة لفترة طويلة علاقة قومية. توجد بلاد إسلامية ولكن لم تكن هناك أي رابطة أو تنظيم محدد يربط هذه البلاد ما عدا المؤتمر الإسلامي الذي له وجود هامشي. وبالتالي لم يكن هناك إحساس بالانتماء الإسلامي مقابل الانتماء القومي أو الانتماء السياسي.

لفترة طويلة كان الناس يعرّفون أنفسهم للآخرين حسب قناعاتهم الإيديولوجية. في صباي كان التعريف يتم كشيوعي، إخوان مسلمين أو قوميين سوريين أو بعثي. وكان الإحساس بالعروبة قوي. ليس فقط ضمن الخطاب السياسي الرسمي وإنما أيضاً في الوعي الجماعي. كان هناك إحساس بالانتماء ينعكس أيضا بالتفاعل مع القضايا في البلاد العربية الأخرى مثلا حرب الجزائر.

اليوم بدأ الإحساس بالانتماء الديني يقوى في بلاد لم يكن فيها أي تأكيد على دور الدين خصوصاً في سوريا. فقد كان هناك دائما إحساس بأننا دولة تتعايش فيها ديانات متعددة. لسنوات طويلة لم نكن نعرف ما هو دين الآخر. اليوم بدأت الرابطة الإسلامية تحل تدريجياً محل رابطة الانتماء القومي.

كتبت في مقدمة التقرير أن العالم الإسلامي، إذا أخذنا هذا المصطلح، هو متعدد الأفكار والإيديولوجيات، لكن عنوان الكتاب الفرعي هو موقف إسلامي. أليس هذا تناقضاً؟

قصاب حسن: أنا غير موافقة بشكل كامل على هذه التسمية، فحتى مصطلح الغرب، هو مصطلح وهمي. ما هو الغرب؟ جغرافياً قد يكون بالنسبة إلينا الغرب أو الشمال. وهذه التسمية ظهرت حسب السياق التاريخي: العالم الثالث مقابل العالم المتطور، الشمال والجنوب عندما بدأت فكرة الحوار بين الشمال والجنوب.

اليوم يجري الحديث عن عالم البحر الأبيض المتوسط، لا بل أصبح موضة. فعندما يقال الغرب، ما هو الغرب؟ الغرب هو أوروبا، هل هو أوروبا وأمريكا؟ هل هو الغرب المسيحي مقابل العالم الإسلامي، هل هو الغرب المتطور مقابل البلاد المتخلفة، هل هو الغرب الذي يحمل الصناعة والحداثة مقابل العالم الذي لم يدخل بعد في طور الحداثة كليا، هل هو الغرب الرأسمالي مقابل المعسكر الاشتراكي، وفي هذه الحالة حتى داخل أوروبا كان هناك انفصال.

ولذلك هذا التقابل بين عالم إسلامي وغرب، هو تقابل تولد بعد أحداث الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر بشكل واضح وبسبب مقولة صراع الحضارات وكأن الشرخ تم بين عقليتين اكثر منه بين منطقتين جغرافيتين أو بين كيانين.

أنا أجد أن هناك عقلية تسمي الآخر الغرب، لتطلق عليه أية تسمية، وهناك عقلية تسميه العالم الإسلامي، بمعنى كل ما يضم هذه الشعوب التي بدأت تعرف نفسها بكيانها الإسلامي. طبعاً في البلاد العربية توجد بلاد إسلامية،و توجد بلاد أقرب إلى العلمانية، سورية والعراق مثلاً.

كيف أعددتم التقرير؟ انتم ستة مؤلفين من دول مختلفة والكتاب يتكون من ثمانية فصول.

قصاب حسن: وزعنا الفصول فيما بيننا، وتناقشنا في المرحلة الأولى حول كيفية كتابة التقرير. وقد واجهتنا في المرحلة الأولى صعوبات كثيرة لأننا لم نكن نعرف بعضنا البعض. فقد التقينا لأيام قليلة في المؤتمر الأول وحاولنا أن نفكر بوسيلة في كتابة التقرير. بالطبع كان هناك خلاف حاد بيننا، لأننا متفاوتون في الرؤية وفي التكوين، فالأكاديمي يختلف عن الصحافي، ومتفاوتون في المنظور أيضا؛ فالمشاكل بالنسبة إلى شخص قادم من البوسنة ليست مماثلة للمشاكل التي تهم شخصاً من فلسطين أو من سوريا. وظل هذا الخلاف سائداً نوعاً ما، وحاولنا أن نستثمره لنعطي للكتاب تنوعاً يتناسب والتنوع الموجود في العالم الإسلامي.

أفهم من كلامك أنكم حددتم الموضوعات ووزعتموها على بعضكم؟

قصاب حسن: بدأنا بنقاش عام حول الفكرة، حول ما يمكن أن نكتبه. حاولنا تحديد المحاور الأساسية للكتاب ثم افترقنا ليعمل كل في بلده ويكتب مخططات أولية حول النظرة التي يحب كل منا أن يعالج الموضوع من خلاله ثم التقينا مرة ثانية وقررنا من يكتب ماذا.

ناقشنا في عدة أيام الموضوعات وافترقنا من جديد وتبادلنا الكتابة عبر البريد الإلكتروني ثم التقينا مرة أخرى وكانت الصياغة شبه نهائية. بعد ذلك جاءت الحاجة لشخص ما يقوم بالصياغة الكاملة لكل التقارير، هنا حصلت خلافات حول بعض المصطلحات وبعض التفسيرات. فتم حذف جزء من القسم الذي كتبته، لأنني في تحليلي للإشكالية وكيف تولدت، وجدت أنّ للولايات الأمريكية الدورَ الأكبر في تأجيج هذا الصراع، هنا اعترض بعض الزملاء قائلين بأننا لا نريد أن يتحول الكتاب إلى تقرير ضد الولايات المتحدة.

فما كان مني إلا أن قبلت بالفكرة ووافقت على الحذف. علماً أنني حاولت في التحليل الذي قمت به أن أكون موضوعية؛ فأنا لا توجد عندي أية أفكار مسبقة تجاه أي شعب من شعوب العالم. لكن على المستوى السياسي هناك دور كبير لمن يريد أن يطرح نفسه كسيد للعالم وبالتالي لا يمكن إهماله، وخصوصاً بعد أحداث الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر وتداعياتها في العراق وفلسطين وفي كل العالم الإسلامي .تتولد دائماً من الولايات المتحدة.

هل تهتمين منذ زمن طويل بالعلاقة بين الشرق والغرب؟

قصاب حسن: لا أبداً. اهتمامي يتركز على الحضارات، على الثقافة بحكم تدريسي وتكويني الثقافي. فأنا أدرّس تاريخ الحضارة الفرنسية في قسم الأدب الفرنسي بجامعة دمشق. وبشكل عام تعنيني التحولات الحضارية داخل كل حضارة بشكل كبير كسمة عامة لحركة التاريخ. لكن لم اهتم إطلاقاً بكل ما يتعلق بالعالم الإسلامي وفي الحقيقة يمكن أن تعتبريني جاهلة بأمور الدين.

لكن الإشكالية صارت تهددنا الآن في حياتنا اليومية، وبالتالي لم يعد من الممكن أن يغلق الإنسان عيونه عما يحصل. واكتشفت أنه لا يكفي أن ندير وجهنا للأمر وإنما أن نواجهه وأن نحاول أن نحلل لنرى كيف يمكن الخروج من المأزق وكيف يمكن أن نوقف هذا المد، هذا التيار (الإسلامي المتشدد) الذي بدأ يتنامى، وهو تيار صراعي. ولا بد من إيقاف هذا التيار بالتأثير على الشباب بمحاولة طرح ثقافة مغايرة لثقافة العنف.

بعد أحداث الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر قامت أوروبا بنشاطات كثيرة ومدت يدها، لنقل إلى العالم الإسلامي أو العربي، هل أثمرت هذه النشاطات عن تقارب ما بين الغرب والشرق؟

قصاب حسن: من خلال تتبعي لهذه النشاطات ذات الطابعين الثقافي والسياسي، لاحظت وجود رغبة في أجراء تحولات هادئة على المدى البعيد. وذلك من خلال طرح حوار من خلال مشاريع ترمي إلى تقريب شباب ضفتي البحر الأبيض المتوسط على الأقل من بعضهم البعض.

وهناك محاولات لترسيخ مبادئ جديدة حول حقوق الإنسان وحقوق المواطنة، هذه النشاطات مفيدة وإيجابية لأنها تتم بهدوء وبدون استفزاز. لنعترف أنها مازالت خجولة وتحتاج إلى وقت طويل وإلى مساعدة من الداخل، لأنّ هناك رفضاً لكل ما يأتي من الخارج، لذلك ثمة ضرورة لوجود من يقبل بالمساهمة في هذه النشاطات من الداخل كي تصبح فعالة.

هناك العديد من النشاطات للتقريب بين الشرق والغرب ولكنها محصورة على شريحة المثقفين والأكاديميين. هل تعتقدين أنّ هذا التفكير المنفتح يمكن أن يتسرب إلى الطبقات الأخرى؟

قصاب حسن: المشكلة هي أنّه من يستطيع أن يغير بشكل موضوعي هم المثقفون المستنيرون، وهؤلاء ممنوعون من الكلام، ولا يوجد لديهم أي منبر لا في الإعلام ولا في التربية، لأنّ هناك إقصاءً لهم عن مجالات التربية. قد تجدين مقالات لهم في الصحافة، لكن من يقرأ اليوم؟

السؤال هو: لأي درجة نستطيع أن نؤثر، طالما أنّ وسيلتنا هي الكتابة والكتابة لا تُقرأ. بالطبع الإعلام له دور كبير، لكن إذا استعرضنا كل المحطات التلفزيونية لوجدنا كماً هائلاً من البرامج الدينية مقابل عدد قليل جداً من البرامج التي تسير في الاتجاه المعاكس.

وحتى ضمن البرامج الحوارية التي تقدمها بعض المحطات بين علمانيين وبين متدينين، نجد أن الجو يكون غالباً متشنجاً بشكل لا يسمح بإقامة حوار حقيقي والمتفرج ينحاز مباشرة إلى جانب واحد ولا يُنصت للآخر. برأيي أن هذه البرامج غير مجدية على الإطلاق. المجدي هو التربية والعمل على الجيل الجديد من الصغار، لأننا على الأقل يمكن أن نفكر انه بعد عشرين سنة سيكون لدينا جيل مستنير من جديد.

أجرت الحوار لاريسا بندر

© قنطرة 2004

حنان قصاب حسن أستاذة الأدب الفرنسي في جامعة دمشق

الصيغة العربية لتقرير معهد العلاقات الخارجية هنا