"يمكن التوفيق بين الإسلام والديمقراطية"

يعتبر محمد مجتهد شبستاري واحدا من أهم علماء الدين الشيعة. يتحدث شبستاري في الجزء الثاني من الحوار الصحفي المطول الذي أجرته معه فاطمة الصغير عن علاقة الديمقراطية بالإسلام وعن كيفية تأثير الثورة الإيرانية على فكره.

​​هل يتوجب على المرء أن يفصل بين الدولة والدين لكي يبقى مؤمنًا؟

محمد مجتهد شبستاري: أجل. هذا يعني إمكانية تقديم دفعات أخلاقية للسياسة من منطلقات دينية على أية حال، أما أن تُجعل المؤسسات الدينية مؤسسات سياسية كالحكومة مثلا أو أن يُقال: سياستنا هي ديننا وديننا هو سياستنا، فهذا غير مقبول.

إذًا لا بد من إعادة التفكير من أجل الفصل بين هذين المجالين ومن أجل الاهتداء ثانية إلى العقيدة الدينية؟

شبستاري: هذا صحيح، إن الفصل من صالح العقيدة.

كيف يمكن تبيان هذا الأمر للناس الذين يؤمنون بعكس ذلك والذين يعتقدون بأن إيمانهم لا يكتمل ولا يقوى إلا عبر عدم الفصل بين الدولة والدين؟ كيف تشرحون هذا الأمر لطلابكم على سبيل المثال؟

شبستاري: كثيرٌ من طلابي يفهمون ما أقول، فالتحولات في إيران أدت لأن يفهم الناس هناك هذه المقولات اليوم أفضل منه قبل 15 عامًا. خبِر الناس بأنفسهم ضرورة نقد الإجراءات السياسية باستمرار، وأنه لا بد من تحسينها وتغييرها. إن من يمارس السياسة هم من البشر، وهم يقومون بأخطاءٍ كثيرة بغض النظر أكانوا يتحدثون في إطار الدين أم لا. وقد أظهرت هذه التجارب أن النقاش عن الدين أو التصدي للمسائل السياسية لا بد وأن يخضع لمقاييسها الخاصة، أي للفصل بين الدين والدولة.

فهم طلابي بشكلٍ جيدٍ ضرورة اعتبار السياسة جهدًا إنسانيًا وليس قضيةً منزَّلة من عند الله أو أن مقاييسها تنبع من القرآن أو السُّنة وذلك لكي نجعل من السياسة شيئًا يمكن نقده. لا يجوز تقديس السياسة. هنا تكمن المعضلة. لا يجوز تقديس القائد السياسي كان من كان. كما لا يجوز تقديس الإجراءات السياسية. أما الله فيجب تقديسه في المسجد. إذًا يمكن للدين أن يكون جسرًا، وأن يعطي دفعات أخلاقية للسياسة كي لا تكون السياسة سياسة غير أخلاقية.

إذا كان هناك نظام اجتماعي ونظام دولة، الأمر الذي يحد من الحريات، كيف يمكن تفسير الحرية؟

شبستاري: جوهر مفهومي الأكثر حداثةً أننا بوصفنا بشرًا ننتمي لمجتمع ما، قبل أن نكون ملايين المسلمين ننتمي لمجتمع ما. قبل أن نتوجه للقرآن والسُّنة لنعرف ما الذي يقوله القرآن والسُّنة، نحتاج إلى مجتمعٍ وإلى نظامٍ وإلى مؤسسة اجتماعية نعيش فيها ثم يأتي بعد ذلك وفي المقام الثاني السؤال عن الدين. وأقول دائمًا أن هذه التصورات والمقاييس التي يجب أن تأتي في المقام الأول لا يمكن أن تكون غير الحقوق العالمية للإنسان.

إذًا لا يمكن لدينٍ معين ...

شبستاري: ... أن يُفرض بالإكراه.

... أو أن يُنصّبَ نظامًا سياسيًا؟

شبستاري: كلا، كلا، كلا! لا يمكن القيام بذلك لأن هناك أناسًا لا يريدون إتّباع هذا الدين، بل يريدون شيئًا آخر، وما إلى ذلك.

ما هو شكل الدولة العادلة برأيكم؟

شبستاري: اعتماد الحقوق العالمية للإنسان هو المقياس الوحيد بحسب رأي، بالرغم من أنني أعلم أن المواد الثلاثين للإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي صدر في عام 1948 لا يمكن أن تؤوّل وتطبق بنفس الطريقة في كل الدول، لكنني لا أرى إمكانية أخرى رغم ذلك.

هذا يعني أن بوسع كل مسلم أن يقول وهو مرتاح الضمير أن الديمقراطية شكلٌ عادلٌ من أشكال الحكم، وأنا بوصفي مسلمًا...

شبستاري: أقبل بها! لا أقول أنها موجودة في القرآن، بل أقول أنني كمسلم أقبل بها.

حقوق الإنسان والديمقراطية تتوافق مع مغزى الإسلام. هل هذا فهمٌ خاطئ؟

شبستاري: ما المقصود بـ "تتوافق مع مغزى الإسلام"؟

هناك حجج يتداولها بها بعض المسلمين تقول إن هذا الأمر موجودٌ في نصوص القرآن، أو تقول إن لا اعتراض لحكم الله عليها لأنها عادلة. ويقول أحدهم إنه لدينا في الإسلام مبدأ الشورى وهذه هي الديمقراطية بينما يقول آخر إن ذلك من روح هذا الكتاب.

شبستاري: أرى أنه يمكن للمسلمين اليوم أن يحظوا بالديمقراطية دون أن يخالفوا الإسلام. وأنا أمثّل الرأي الثاني الذي ذكرته.

يهمني طريقة وصولك إلى هذا الفكر.

شبستاري: (ضاحكًا) للإجابة لا بد من كتابة كتاب عن الموضوع.

أنتم من شاهدي العصر على الثورة الإسلامية وقد عايشتموها خلال الثلاثين سنة الأخيرة. وقد عملتم باستمرار على تطوير فكركم. يهمني اليوم أن أعرف مدى تأثير هذه الثورة عليكم، وهل كانت لكم تجارب مفصلية دفعتكم لمواصلة التفكير بهذه الطريقة وعلى هذا النحو؟

شبستاري: هذه مسألة معقدة وتحتاج لوقتٍ طويلٍ لتبيانها. لكنني أستطيع أن أقول إنه إلى جانب دراستي كان للتحول السياسي وللأحداث السياسية التأثير الأكبر علي في السنوات الثمانية والعشرين الأخيرة. لقد اهتديت إلى مواقفي الحالية وإلى مفاهيمي لأنني خضت تجارب جيدة وسيئة كثيرة على مدى هذه الفترة، كما لعبت هذه التجارب دائمًا دورًا في تطوير الفكر الذي أحمله. أرى أنه لا يسعنا أن ننظر إلى آرائنا الفلسفية أو الدينية أو اللاهوتية بشكلٍ منفصلٍ عن تجاربنا الشخصية، فالمرء يتوصّل إلى نهج تفكيرٍ معينٍ من خلال نمط حياته ومن خلال ما يعايشه من ثورة وسياسة وما إلى ذلك. أنا متأثر للغاية بتجاربي.

واجهتم خيبات أمل أيضًا. يأتي ردّ بعض الناس في أحوال كهذه بإدارة الظهر للناس والدولة أو بالتخلي عن عقيدتهم أيضًا. ما الذي دفعكم للمضي في التفكير؟ وما الذي منحكم الثقة بحيث لم يكن ردّكم بقول: سأغادر إيران أو سأتخلى عن العقيدة؟

شبستاري: لقد انشغلت منذ يفاعتي باستمرار بالدين والإسلام والسياسة، منذ أن كنت في العشرين من العمر مرورًا بالثورة وحتى يومنا هذا، أي نحو أربعين عامًا. كنا ننظر إلى الثورة بعد حدوثها باعتبارها طفلنا وربيبة شعبنا إذا جاز التعبير. هكذا كان الأمر بالنسبة لنا. لم يكن بوسعي أن أقول ببساطة، حسنًا ها أنا ذاهب... بعد كل جهود هذا الشعب العظيم في إيران، الذي ضحى كثيرًا على مدى حقبات طويلة في الزمن الغابر، ثم عايش هذه الثورة. إن ما حدث لم يكن كما كان له أن يكون. الثورة كانت بالنسبة لنا طفلًا ذا أخطاء كثيرة جلب لنا في أطوار نموه الكثير من الشقاء. لم استطع التخلّي عن هذا ببساطة، فقلبي كان مرتبطًا بالثورة بوصفها حدثًا سياسيًا يتوق للحرية. ولم استطع التخلي عن انتمائي للإسلام لكوني ترعرعت في كنف بيت متديّن ولارتباطي الوثيق بالدين. لهذين السببين لم أكن يائسًا أو مُعرضًا أبدًا والحمد لله. لقد فكّرت مليًا واخطت لنفسي هذا الطريق.

كيف يمكن للمرء أن يحافظ على الأمل في ظل ظروف صعبة كهذه؟

شبستاري: آمل بأن لا أيأس طالما أنا على قيد الحياة. كلا، لا يمكنني أن أغادر بلدي. هذا أمرٌ لا يمكنني تخيّله. جاءني عدد من العروض للتدريس لأمدٍ طويلٍ هنا في جامعات أوروبية، لكني رفضتها. لا يسعني مغادرة بلدي، وسأبقى فيها وسأفي بمهامي هناك، علاوة على ذلك أنا مرتبط بعائلتي إلى حدٍ بعيد.

أحتفظ بالأمل وأعززه. أنا قلق بسبب النقاش العالمي الحالي بخصوص إيران، لكنني آمل أن لا يحدث شيئًا.

أجرت المقابلة: فاطمة الصغير
ترجمت يوسف حجازي
حقوق الطبع: قنطرة 2008

قنطرة
حوار مع محمد مجتهد شبستاري:
"الإسلام دين وليس برنامجاً سياسياً"
يعد محمد مجتهد شبستاري واحدا من أهم علماء الدين الشيعة وفلاسفتهم المعاصرين. في الجزء الأول من الحوار الصحفي المسهب، الذي أجرته معه فاطمة صغير تحدث الفيلسوف والفقيه الإيراني المرموق عن العلاقة المعقدة بين الدولة والدين ودور القضايا الدينية في عصر العولمة.

المسلمون والمسيحيون في اندونيسيا:
حوار الأديان في زحمة ثقافة العنف
على الرغم من أن حرية الأديان تشكل أحد ثوابت الدستور الاندونيسي، إلا أن الأزمة الاقتصادية والسياسية وغياب الفهم الصحيح للإسلام زاد من حدة الصدامات بين المسلمين والمسيحيين. آريان فاريبورز يرصد بعض مظاهر عمل المنظمات الإسلامية الليبرالية و الكنائس المسيحية في تشجيع الحوار والتصدي للتطرف.

محمد مجتهد شبستري:
الإيمان والعقل والحرية
هل يمكن أن توجد حقوق إنسان إسلامية؟ وهل أحكام القرآن صالحة لكل زمان أم نها قابلة للتغيير وفقا لاجتهادات العقل؟ تلك هي أسئلة الفكر الإسلامي الحديث التي تحتل صدارة اهتمامات العالم الإيراني محمد شبستري.