مكافحة التمييز ضد الأقليات في ألمانيا
السيد هيرونيموس، كيف تتجسد العنصرية في الحياة اليومية الألمانية؟
أندرياس هيرونيموس: إننا في معهد هامبورغ لأبحاث الهجرة والعنصرية لدينا طريقة خاصة لمعالجة موضوع العنصرية. فالعنصرية تعتبر بالنسبة لنا ليست سلوكا أخلاقيا وإنما مبدأ بِنيوي للمجتمعات المستعمرة وبعد فترة الاستعمار. والوضع يتعلق ببناء دول قومية وإنشاء هويّات لدول قومية وآليات حرمان ومنح نشأت منها هذه الدول القومية بهذا المعنى.
والعنصرية في هذا الخصوص لها أوجه كثيرة. لنسرد مثالا من النوع الغريب إلى حد ما للتمييز العنصري، وهو أن إحدى الطالبات التي كانت تعمل قبل التحاقها بالجامعة كحلاّقة في صالونات الحلاقة بمدينة هامبورغ حكت ليَ في إحدى الحلقات العلمية أن رئيسها السابق نهاها يوما من الأيام من خدمة الزبونات العربيات. وعلل هذا التوجيه بأن المرأة العربية لها شعر كثيف يستهلك مزيدا من الشامبو وهذا يتسبب في كثرة التكلفة. وهذا نوع من العنصرية لأسباب التكلفة.
إن المرء لا يجب عليه أن يقارن دائما العنصرية بحركة "حليقي الرؤوس" أو النازية أو ما شابه ذلك. فالعنصرية موجودة اليوم على أشكال أخرى كثيرة. هكذا يمكن للمرء على سبيل المثال الكلام عن "عنصرية النخبة"، وهي ظاهرة اعتزال للنخبة الأوروبية أو بشكل عام "نخبة الجنس الأبيض" في مقابل الطبقات الضعيفة اجتماعيا. هذه العنصرية الجديدة النوع لا تستند بعد على براهين العنصرية القديمة - التي تضطهد كل ما هو متفاوت - ولكنها بحق مستنيرة، ويمكنها أن تدمج ذوي الشذوذ الجنسي والنساء وأنماط معينة من المهاجرين والمهاجرات.
في هذا الصدد يرى المرء ظاهرة الخوف من الإسلام الجديدة التي تنتشر في العالم الغربي منذ الحادي عشر من سبتمبر/أيلول وتُبعد مجموعة دينية معينة بناء على أوصاف ظاهرة كاللحية والقفطان والحجاب أيضا. كما هو الوضع في ظاهرة العداء للسامية حيث تسود صورة اليهود الشرقيين ذي اللحى والجلباب الأسود.
ما هو بالضبط نشاط معهد هامبورغ لأبحاث الهجرة والعنصرية؟
هيرونيموس: لدينا أنشطة في ميادين مختلفة. ففي الميدان المحلي، وهذا يعني بالنسبة لنا مدينة هامبورغ والمنطقة، نعمل يدا واحدة مع منظمات الهجرة ونسعى إلى اجراء اتصلات مع الشركات ونراجع لها على سبيل المثال مبادئ التوظيف ونقدم لها خدمات في المجال العلمي مثل تقارير الخبراء. إننا نعتبر أنفسنا من هذا الجانب كحافز لتطوير المنظمات، الشيء الذي يتضمن أيضا دعما لتكافؤ الفرص.
وعلى مستوى ألمانيا فنحن أعضاء في منظمة "شبكة ضد العنصرية" التي تضم على سبيل المثال المجلس الأعلى ليهود ألمانيا والمجلس الأعلى للغجر وجمعيات إسلامية والإتحاد الرياضي الألماني والكنائس.
كما لنا نشاط أيضا على المستوى العالمي، فالمعهد عضو في منظمة "شبكة أوروبية ضد العنصرية" ويكتب سنويا منذ 2002 تقريرا عن وضع العنصرية تجاه المجموعات المعنية في ألمانيا، وهذا التقرير يدخل بدوره منذ عام 2004 في التقرير الأوروبي.
وليس آخرا فإن المعهد كان له تمثيل في مؤتمر الأمم المتحدة ضد العنصرية في دوربان عام 2001 واستطاع أن يقدم تغييرات في الوثائق النهائية.
يعتبر معهد هامبورغ لأبحاث الهجرة والعنصرية أحد ناشري كتاب "الكفاءة المتعددة الثقافات كفرصة" عام 2004، وهذا الكتاب يعد "دراسة لاكتشاف القدرات المهنية للشباب الذين ينحدرون من أصول مهاجرة". إلى مَن توجه هذه الدراسة، وأي قدرات يراد اكتشافها؟
هيرونيموس: إن الكتاب موجه في المقام الأول إلى الشباب المنحدرين من أصول مهاجرة ليتيح لهم تقييم قدراتهم الشخصية ويفتح لهم مدخلا لقدراتهم الخاصة، ومن خلال معرفة قدراتهم يمكنهم التعبير عن أنفسهم بطريقة أفضل في سوق العمالة.
والكتاب يخاطب أيضا المدرسين والأخصائيين الإجتماعيين وكل العاملين في مجال التأهيل ولهم صلة بالشباب المنحدرين من أصول مهاجرة. ويعتبر الكتاب كأداة يكشف بها التلميذ نقاط قوته وضعفه ليقويها أو يحسنها.
هل ترون أن "قانون المساواة العامة" الصادر في 2006 هو المحاولة الصحيحة للوقوف حيال التمييز العنصري؟
هيرونيموس: يمكنني أن أقول أنّ هذا القانون يوضح بكل بساطة روح المعاملة الرياضية. وهو يستند إلى اللوائح الأوروبية ولاقى صعوبة كبيرة في تطبيقه في ألمانيا، وكثر الحديث عن "الهول البيروقراطي" وتخوف من حدوث "سيل من الشكاوي".
لم يحدث أي شيء من هذا القبيل، وأعتقد أن القانون يساعد على دفع قضية بناء الوعي وتحديد شكل التعامل الحسن في مجتمعنا. والآن يتعلق الوضع بإشهار القانون وأن نقول لمن يشعرون بالتمييز العنصري تجاههم "أنتم لكم حقوق".
لهذا قام المعهد بالمساهمة في تطوير دراسة لتطبيق القانون ويحاول الآن تأسيس رابطة للمكاتب المستقلة ضد العنصرية التي تعمل على المستوى المحلي والإقليمي. هذه المكاتب الاستشارية موجودة بكثرة منذ مدة طويلة ولكنها لم تحظ بالتنظيم حتى الآن.
هكذا نجد اليوم على مستوى ألمانيا مركزا لمكافحة التمييز العنصري ومهمته تطبيق هذا القانون وتقديم المشورة، ولكن ليس هناك مثل هذه المؤسسة على المستوى المحلي والإقليمي. معنى ذلك أن هناك رأس بدون جسد. والرابطة الاتحادية لمراكز مكافحة التمييز العنصري التي أسسناها في 22 مايو/أيار 2007 سوف تكون بمثابة الجسد لهذا الرأس وسوف تقدم المشورة للمحتاجين مباشرة.
أجرت الحوار سوزان جواد
ترجمة عبد اللطيف شعيب
حقوق الطبع قنطرة 2007
قنطرة