خط تماس داخلي، لا صراع حضارات
صدر مؤخرا كتاب "العدو القريب والعدو البعيد" وهو دراسة تفصيلية وعميقة حول المنظمات الإسلاموية المتطرفة وتتصف بقدرٍ عالٍ من الموضوعية حيث يبتعد الباحث غيدو شتاينبرغ في دراسته التأريخية والتوثيقية عن "المشاعر والمواقف الأخلاقية" التي ترتبط عادةً بهذا الموضوع. حوار أجراه يوسف حجازي مع الكاتب
السيد شتاينبرغ، لقد صدر كتابك الأخير تحت عنوان "العدو القريب والعدو البعيد. شبكات الإرهاب الإسلاموية". لماذا وقع اختيارك على هذا العنوان الشعبوي؟
شتاينبرغ: الكتاب ليس كتابًا علميًا محضًا. رغم أن تطلّعه علمي، ورغم إحتوائه على جملة من الحواشي والتذييلات، لكن غايته أيضًا أن يضع العلم بمتناول الجميع، أي جعل الموضوع في متناول المثقفين غير المختصين في هذا الحقل.
علاوة على ذلك لا أرى في "العدو القريب والعدو البعيد"، عنوانًا مثيرًا. وبوسعنا أن نمنح كتابًا علميًا هذا العنوان، فهو يصف حقل نشاطات الإرهاب الإسلاموي في فترة العشرين إلى الثلاثين عامًا الأخيرة على نحو دقيق، وبالتحديد مجالات النشاطات ضد الحكومات المحلية، أي –العدو القريب– وفي الآن ذاته الصراع ضد الغرب والولايات المتحدة وإسرائيل، أي –العدو البعيد–. من هنا أرى أن عنوان الكتاب يتناسب إلى حدٍ بعيدٍ مع محتواه.
ألا يوحي العنوان في أوروبا على الأقل، بأن "العدو القريب" هو الجار المسلم هنا في أوروبا، وبأن "العدو البعيد" هو المسلم المقيم في الشرق الأوسط؟
شتاينبرغ: ليس هذا هو ما أقصده فعليًا. قد يُفهم العنوان على هذا النحو المغلوط، لكني أعتقد أن بالإمكان تحمُّل سوء الفهم هذا. ومن يقرأ الكتاب سيعرف معنى العنوان.
أنت ترفض مقولة صراع الحضارات لا بل لديك القناعة بأن خط التماس هو خط إسلامي داخلي؟
شتاينبرغ: نعم، رغم أن للإرهاب الإسلاموي توجّها مناهضا للغرب أيضًا. إذ يدور الصراع في نظر كثيرٍ من الإسلامويين بين الغرب والإسلام. لكن إذا أمعنّا النظر في كتاباتهم، وفي أقوالهم، وفي أفعالهم، سنتوصل بسرعة كبيرة إلى قناعة مفادها أن معظم المجموعات تهاجم بالدرجة الأولى حكومات في العالم العربي. فجوهر الصراع إذًا ليس عالميًا، بل ما زال محليًا إلى حدٍ بعيدٍ، ويتعلق بظاهرة عربية داخلية، عرَّضت الغرب كذلك للمعاناة من تأثيراتها منذ سنوات عدة. القاعدة ظاهرة سعودية، ومصرية، ويمنية الخ.. وليست تعبيرًا عن صراعٍ عالميٍ بين الحضارات.
ألهذا تقترح في الكتاب تسميات جديدة للقاعدة مثل "إسلامويون مقاتلون ذوو علاقة بأفغانستان" أو "الإسلاموية العالمية المقاتلة"؟
شتاينبرغ: علينا أن نميّز بين ظاهرتين، فمن جهة هناك "القاعدة" كتنظيم كان ولا يزال موجودًا، ولكن لا بد في الواقع من تعريفه وتحديد حجمه على نحو أضيق مما نفعله هنا في الغرب. بمعنى أن القاعدة كانت تنظيمًا لم ينشأ إلا في عام 1997 وكانت غالبية أعضائه من السعوديين والمصريين. وتم تقويضه في عامي 2002/2003 إلى حدٍ بعيدٍ.
أما كل تلك المجموعات التي تتجاوز التنظيم النواة من جهة ثانية، فلا تنتمي إلى القاعدة ويتعين أن لا تسمى بالقاعدة. نذكر على سبيل المثال "الجماعة الإسلامية" في مصر التي تخلت عن القتال المسلّح منذ عام 1997، وهي تنتمي بالتأكيد للدوائر الأوسع للإرهاب الإسلاموي، لكنها لا تنتمي بحال من الأحوال إلى القاعدة. كان هدفها دائمًا إسقاط نظام مبارك –العدو القريب– ولم تنضم أبدًا إلى القاعدة، لأنها امتنعت دائمًا عن تدويل القتال ضد العدو البعيد.
بناءً على هذه الرؤية، جاء الكتاب ليكون مساهمةً في تبيان تشكيلات مجموعات الإرهاب الإسلاموية المتنوعة. لذا يتعين علينا أن نعدِل عن التصور القائل بأن هناك منظمة تلتف حول العالم بأسره، أو أن ثمة شبكة تمتد خيوطها في كل العالم وتوجه النشاطات الإرهابية في كل مكان. هذه أسطورة وليست واقعًا.
لذلك تداولتَ مصطلح "مقاومة بلا قيادة"؟
شتاينبرغ: "مقاومة بلا قيادة" ظاهرة جديدة نشأت في لحظة التقويض البطيء للقاعدة في عامي 2002 و 2003. منذ ذلك الحين نلاحظ وجود مجموعات في أوروبا خصوصًا، ليس لها بأي شكل من الأشكال ارتباطات بالقاعدة يمكن إثباتها. وينطبق ذلك على سبيل المثال على من قاموا بضربات مدريد أو لندن. إذ تبين أن كل هذه المجموعات لم يكن لها اتصالات مباشرة مع القاعدة، لكنها تأثرت فعليًا بأيديولوجية القاعدة وبتوجهها الاستراتيجي بشكل قوي جدًا.
هل يشكل مسلمو أوروبا جزءاً من المجموعة التي يتوجه إليها كل من بن لادن والظواهري؟
شتاينبرغ: برأيي أن أيديولوجية القاعدة العالمية لم تلق صدى واسعًا في العالم العربي، فالسعوديون ما زالوا يقاتلون ضد حكومتهم قبل كل شيء، والمصريون كذلك. بيد أن توجه القاعدة المناهض للغرب وفكرة الجهاد العالمي قد وجدتا أمامهما أرضًا خصبة بين المسلمين في الشتات على وجه الخصوص، وهنا في أوروبا أيضًا. وبحسب تقديري فإن حالة الشتات هي الدافع لذلك. فالشخص الذي جرى اعتقاله في وطنه الأم وعلاوة على ذلك في البلد المستقبِل مرة ثانية، يكون على استعداد أكبر لتقبُّل الأيديولوجيات العالمية.
أليس هذا دافعًا غير كافٍ لإتِّباع بن لادن والظواهري ...
شتاينبرغ: هذا بالطبع تعليل واحد فقط لملاقاة هذه الأيديولوجية العالمية لأرض خصبة هنا بالذات. سبب قرار المسلم الأوروبي للقيام بنشاطات تنسجم مع رؤية القاعدة يعود بطبيعة الحال لأسباب ملموسة أكثر. الحالة المعيشية هنا تشكل أحد الدوافع بلا ريب: ففي كثير من الأحوال كما هو الحال في هجمات مدريد، تحول شبان من الشريحة الاجتماعية–الاقتصادية المعدمة إلى مجرمين. حيث يواجه هؤلاء الشبان مشاكل كبيرة جدًا مع مجتمع الأكثرية، ويرون فيه مجتمعًا عنصريًا أو بشكل أعم مجتمعًا معاديًا، وهو حتمًا كذلك في أجزاءٍ منه.
أعتبر هذه العلاقة بين إرهابيي الفترة الأخيرة ومجتمع الأكثرية من أهم النقاط. أضف إلى هذا، التأثيرات الدافعة إلى التطرف القادمة من الوطن الأم، كالأيديولوجيات على سبيل المثال. كانت هذه التأثيرات مغربية عند المعتدين في مدريد، فمعظمهم كانوا من المغاربة. وإذا أخذنا هذا بعين الاعتبار سنفهم التوجُّه نحو الدولة الإسبانية التي تمثل صورة العدو بالنسبة للإسلامويين المغاربة. السبب الحقيقي في هذه الحالة ليست الأيديولوجية العالمية. لكن هذه الأيديولوجية شكلت إحدى المسائل التي يحتاجها الشاب الغاضب لتطوير الحافز للقيام بنشاطات إرهابية ليس إلا. أما السبب فيكمن في الحالة المعيشية بالتأكيد.
هل يعني هذا أنك تدعو إلى زيادة الاندماج، ولماذا لم يرد هذا في كتابك؟
شتاينبرغ: الكتاب يتناول قبل أي شيء كل ما أعتبره مهمًا بخصوص تنظيم القاعدة. وهو محاولة لكشف النقاب عن جذور الإرهاب الإسلاموي، التي لا أراها في أوروبا. فأولاً وقبل كل شيء نجد هذه الجذور في مصر، والسعودية، واليمن، والأردن، والجزائر. لكن القاعدة تتحول بقوة متزايدة إلى ظاهرة أوروبية.
الاندماج هو العلاج بالطبع. بيد أنه لا يجب أن يُفهم اندماج الأجانب والمهاجرين باعتباره وسيلةً لمحاربة الإرهاب. يجب أن يكون اندماج المواطنين الجدد هدفًا سياسيًا شاملاً -بغض النظر أكانوا يحملون جواز سفر ألماني أم لا. وفي حالة النجاح سيؤدي الاندماج على الأمد البعيد إلى تقليل النشاطات الإرهابية. لكن على المرء أن يحذر من الخلط بين مهمة سياسية طويلة الأمد وبين مشكلة سياسية-أمنية قصيرة أو متوسطة الأمد مثل محاربة الإرهاب.
ألا تتخوف من أن يتبلور لدى القارئ انطباع بأن ملايين المسلمين في أوروبا تنقاد وراء بن لادن والظواهري؟
شتاينبرغ: أعتقد أن لكتابي تأثيرا يدحض هذا الانطباع. لأنه يقدم مساهمة في سبيل رؤية رصينة للظاهرة، ولأنه يعمق الوعي بأن مسألة الإرهاب الإسلاموي حتى اليوم تدور بشكل أساسي حول مشكلة تخص العالم العربي أو العالم الإسلامي. ما نشهده هو حرب أهلية عربية معظم ضحاياها من العرب والمسلمين. هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول صدَّرت هذه الحرب الأهلية إلى الغرب. وسيساعد إستبيان الأمر في جعل النقاشات الدائرة أكثر موضوعية.
أجرى الحوار يوسف حجازي
غيدو شتاينبرغ، باحث في العلوم الإسلامية، يعمل منذ خريف 2005 لدى مؤسسة العلوم والسياسة SWP ويهتم بالدرجة الأولى بشؤون العالم العربي والإرهاب الإسلاموي. وكان شتاينبرغ قد عمل في دائرة المستشار الألماني في قسم مكافحة الإرهاب بين عامي 2002-2005.
قنطرة
الهوية الإسلامية دمية في أيدي الجماعات الإرهابية
ينصح أفتاب مالك المسلمين بضرورة استعادة الصورة الحقيقية لدينهم الذي قد يستغله البعض لتحقيق أهداف سياسية. وينادي بضرورة احتضان الشباب المسلم والتقرب منه لمنعه من الوقوع في شرك التطرف والكراهية
صورة سلبية وأحكام مسبقة
تشير دراسة أصدرها معهد بيو في واشنطن حول الرؤية المتبادلة بين سكان دول الغرب الصناعية ولمسلمين الى أن العلاقة بين المجموعتين ما زالت تتسم بقدر كبير من السلبية. تعليق من أولغير بولات حول أشكال سوء الفهم الناشئة بين الطرفين