أديبة لبنانية: "لغاتنا مكسَّرة ومدننا مكسَّرة"

صحيح أن الشاعرة اللبنانية زينة هاشم بيك تكتب باللغة الإنكليزية، ولكن شعرها مفعم بروح اللغة العربية، لتنتج بذلك لغة حَدِّيَّة خاصة بها. الناقدة الأدبية مارسيا لينكس كويلي حاورتها لموقع قنطرة حول عملها في ساحة التوتر بين اللغات والمجتمعات والمعسكرات السياسية.

الكاتبة ، الكاتب: مارسيا لينكس كويلي

لقد أهديتِ مجموعتك الشعرية "أعلى من خفق القلوب" إلى "لغاتنا المكسَّرة ومدننا المكسَّرة". فلماذا تتحدَّثين عن لغات مكسَّرة؟

زينة هاشم بيك: أنا أشعر شخصيًا وكأنَّ جميع لغاتي مكسَّرة، وذلك لأنَّني أتكلم وأفكِّر بثلاث لغات، هي الفرنسية والإنكليزية والعربية. لماذا نتكلم الفرنسية والإنكليزية؟ بسبب الاستعمار والإمبريالية.

قبل ذلك، كان لديَّ شعور معيَّن بالذنب نحو اللغة العربية. كان يجب عليَّ أن أدرك أنَّ بإمكاني أن أجتاز هذه العتبة وأنَّه يجب عليَّ أن أجد القوة من أجل ذلك. والآن بتُّ أقبل بكلمة "مكسَّر" - وهي كلمة يمكن أن تبدو سلبيةً من فم شخص آخر. لغتي العربية ليست جيِّدة، وحتى عندما أقرأ باللغة الإنكليزية ما زلت بحاحة للبحث عن التعريفات. وكلَّ يوم ما زلت أتعلم كلمات جديدة.

لماذا تكتبين الكثير من القصائد حول الأخبار؟ أفكِّر هنا خاصة في القسم الثاني من مجموعة "أعلى من خفق القلوب". وأستذكر على سبيل المثال قصيدة "الإرهاب / الرياضيات"، التي تكتبين فيها حول قطع رؤوس واحد وعشرين شخصًا مسيحيًا مصريًا في ليبيا، وتليها قصيدة "الداخل إلى الخارج" حول الحرب على قطاع غزة في تموز/يوليو 2014. وبعد ذلك قصيدة "غزال: هذه الهجرة" المهداة لمدينة الموصل ومنطقة سنجار…

زينة هاشم بيك: هذا هو العالم الذي نعيش فيه والأخبار هي جزء منه أيضًا. أنا لا أسمع الأخبار كلَّ يوم، لأنَّها تحبطني. ولكنني أتذكَّر أنَّني عندما كنت طفلة صغيرة كنت أسمع الأخبار دائمًا مع والدي في السيارة. في تلك الفترة كنت أكره لغة الأخبار. فقد كانت مملة للغاية، وغير شعرية. وكان أبي يقرأ الصحيفة أيضًا. احتلت الأخبار التلفزيونية مساحة كبيرة في طفولتي.

هل كانت الأخبار اليومية في تلك الأيَّام تحدِّد شكل الحياة اليومية بسبب الحرب الأهلية اللبنانية (1975-1990)؟

الغلاف الإنكليزي لمجموعة قصائد الشاعرة اللبنانية زينة هاشم بيك بعنوان: "(صوت) أعلى من خفق القلوب". (published by Bauhan Publishing)
تركيز على عوالم الأخبار: "في الدول العربية تصدح الأخبار باستمرار في الراديو أو التلفزيون. وأنا كشاعرة أشعر أيضًا أنَّني مُلزمة بأن أدلي بشهادة. أشعر بأنَّني مسؤولة عما تنقله الأخبار. ولذلك فأنا آخذ لغة الأخبار وأقوم بتغييرها. ولكن مع ذلك يجب عليَّ أن أكون حذرةً"، مثلما تقول الشاعرة اللبنانية زينة هاشم بيك.

زينة هاشم بيك: في الدول العربية تصدح الأخبار باستمرار في الراديو أو التلفزيون. وأنا كشاعرة أشعر أيضًا أنَّني مُلزمة بأن أُدلي بشهادة. أشعر بأنَّني مسؤولة عما تنقله الأخبار. ولذلك فأنا آخذ لغة الأخبار وأقوم بتغييرها. ولكن مع ذلك يجب عليَّ أن أكون حذرةً.

لماذا الحذر ...؟

زينة هاشم بيك: لأنَّني لا أريد استخدام معاناة الأشخاص الآخرين من أجل قصائدي. أنا أعرِّف نفسي من خلال المعاناة. فأخيرًا لقد عشت الحرب. ومع ذلك يجب أن أكون حذرة. أنا لا أكتب قصيدة إلاَّ عندما أكون مصعوقة حقًا. ولن أفكِّر أبدًا بأنَّني "يجب الآن أن أكتب قصيدة ما عن فلسطين". وفقط عندما أكون مصعوقة في الصميم أكتب حول ذلك. وكذلك أنا لا أكتب ببساطة عن سوريا فقط من أجل الكتابة.

ما الذي قرأتِه عندما كنت طفلة وأثَّر بك؟ هل قرأت الشعر؟

زينة هاشم بيك: عندما كنت طفلة لم أكن أقرأ كثيرًا. لم يكن يوجد لدينا الكثير من الكتب. فقد كانت لدينا حربٌ أهلية. والكتب التي كانت موجودة لم تكن مناسبة لعمري. وبالتالي فقد كانت مضاميني الأدبية الأولى هي القصص التي كانت ترويها والدتي وخالاتي وعمَّاتي. وبطبيعة الحال الأغاني أيضًا؛ والديَّ كانا دائمًا يغنِّيان شيئًا ما. وكذلك كان وقع الشارع أمام منزلنا جزءًا من مضاميني الأدبية الأولى.

لغة الشعر كانت دائمًا تعجبني بشكل خاص. ولكن عندما كنت طفلة كنت أقرأ فقط ما تطلبه المدرسة. وفي سن التاسعة أو العاشرة قالت لي معلمة الأدب: "اختاري لك قصيدة واحفظيها عن ظهر قلب". ومثلما يمكن أن يفعل ذلك جميع الأطفال، بحثت بعد ذلك عن قصائد قصيرة، ووجدت قصيدة "غدًا، عند الفجر" للشاعر فيكتور هوغو، وهي القصيدة التي يعالج فيها المؤلف وفاة ابنته ذات التسعة عشر ربيعًا. أتذكَّر كيف كنت أتساءل: بماذا أشعر في هذه القصيدة؟ وأتذكَّر كيف ألقيتها في الفصل الدراسي. لقد كانت لحظة مهمة.

أنت لم تختاريها فقط للقراءة، بل حتى من أجل إلقائها؟

زينة هاشم بيك: نعم، بالضبط. والدتي فنَّانة وتتحدَّث كثيرًا في قصصها. كانت تقول لي دائمًا: "أنت كاتبة". وحتى الإعلانات في التلفزيون كنت أحفظها عن ظهر قلب ثم كنت أقوم بتقليدها. كنت اخترع القصص، وأكتب تعريفات لكلمات، لم يكن من الممكن العثور عليها في القواميس، لأنَّها كانت تعريفاتي. وأعتقد أنَّ أمي كانت تشاهد كلَّ هذا.

هل كان للانتقال إلى دبي تأثير عليك كشاعرة؟

زينة هاشم بيك: دبي منحتني المجال والسلام: شيءٌ لم يكن موجودًا لديَّ في بيروت. كتابي الأوَّل كله يدور حول بيروت. أنا أحبُّ هذه المدينة. ولكن عندما أتخيَّل أن أعيش في بيروت، مع طفلين صغيرين، مع كلِّ تلك الفوضى وبالقرب من عائلتي...

لقد منحتني دبي الفرصة لأعيش مثلما أريد. عندما يكون الأطفال في المدرسة، أجلس، ولا أضطر للحديث مع والدتي أو مع حماتي. ولا أضطر لزيارة أي شخص، بل أستطيع أن أكتب بكلِّ سهولة. وهكذا فقد ربحت الوحدة التي كنت بحاجة لها. أنا لا أعتقد أنَّني كنت سأكتب كتابي الأوَّل حول بيروت، لو أنَّني لم أكن بعيدة عن بيروت.

هل تعتقدين أنَّ شعرك سيكون اليوم مختلفًا لو أنَّك لم تنتقلي إلى دبي بل إلى كندا؟

زينة هاشم بيك: عندما لا أكون في العالم العربي، عندما لا أسمع أية أصوات عربية، أشعر وكأنَّني في المنفى. ومع ذلك فمن الممكن أن يكون الانتقال جيِّدًا بالنسبة لي. ماذا سيكون لو أنَّني انتقلت إلى الولايات المتَّحدة الأمريكية؟ سأكون على اتِّصال بالكثير من الكتَّاب الذين ينالون أعجابي. ستكون لديَّ المزيد من الاتِّصالات.

ومع ذلك فأنا لا أشعر في دبي بأنَّني مهمَّشة. لم أشعر فيها بتاتاً  كأنني كاتبة "مسلمة". أنا ببساطة أنا نفسي. الدين جزءٌ مهم من حياتي وأنا أكتب حول ذلك. غير أنَّني غير مضطرة هنا إلى أن أثبت ذاتي، لأنَّني أنا المقياس. في حين أنَّ الكتَّاب المسلمين يواجهون ذلك كلَّ يوم في الولايات المتَّحدة الأمريكية.

 

حاورتها: مارسيا لينكس كويلي

عن الألمانية ترجمة: رائد الباش

حقوق النشر: موقع قنطرة 2017

ar.Qantara.de

 

زينة هاشم بيك شاعرة لبنانية من مواليد عام 1981 تعيش في دبي مع زوجها وطفليهما، صدرت لها أربع مجموعات شعرية: "أن تعيش في الخريف" (2014) و"أغنية عربية" (2016) و"كان يا مكان" (2016) و" أعلى من خفق القلوب" (2017)، فازت بعدة جوائز من بينها جائزة دار نشر باك ووترز وجائزة الشاعرة لولا هاسكنز.