سماحة الإسلام ستنتصر على قباحة التطرف
البروفيسور كريمي، يسود في العالم غير الإسلامي تصوُّر يفيد بأنَّ النقاش النقدي لمحتويات الإيمان يعتبر في الواقع أمرًا مستحيلًا في الإسلام. فهل هذا الانطباع صحيح؟
أحمد ميلاد كريمي: أنا أفهم هذه الروية الخارجية، النابعة من واقع إسلامي صاخب وصارخ يضعنا جميعًا في حالة من الرعب والهلع. فحتى نحن المسلمون ضحايا لهذا الصراخ الصاخب والمتعصِّب. لكن في المقابل يعتبر النقاش الفقهي النقدي لجميع مسائل الإيمان من صلب التقاليد الروحية الإسلامية.
لقد حملت منذ القرن الثامن الميلادي ترجماتُ كتب العصور القديمة وشروحاتُها وعيًا نقديًا إلى الإسلام. نحن لا نعرف من العصور الوسطى في السياق المسيحي، على سبيل المثال، مصطلح "فيلسوف". الادِّعاء بعدم وجود روح نقد في التقاليد الإسلامية يعدُّ خطأً تامًا في تقدير الحقائق التاريخية.
واليوم؟
أحمد ميلاد كريمي: كان يوجد في التاريخ الإسلامي منذ القرن الثامن الميلادي وحتى القرن الخامس عشر الميلادي ازدهار عظيم في جميع العلوم. ولكن هذه العصور انتهت منذ فترة طويلة. من المنظور الإسلامي الداخلي نحن عالقون في أزمة ثقافية وروحية.
برأيك ما المخرج؟
أحمد ميلاد كريمي: توجد من أجل ذلك وصفة واحدة فقط: التذكُّر والتعليم الشامل. وتحديدًا ليس تذكُّرًا بطريقة نستحضر بها من جديد عصور الإسلام الذهبية. رجاءً لا نريد أية تصوُّرات خيالية! بل المقصود هو انتقال من التقاليد إلى المستقبل، وليس من خلال الخروج عن التقاليد، لأنَّ هذا هو بالذات ما يفعله حاليًا الأصوليون، الذين يرفضون التقاليد ويعتقدون أنَّ بإمكانهم القفز للخلف من القرن الحادي والعشرين إلى عصر النبي.
هل تعتقد أنَّ الإسلام قابل للإصلاح؟
أحمد ميلاد كريمي: هناك أصوات تقول لا يمكن الخروج من الأزمة إلَّا من خلال إصلاح كلِّ شيء. يبدو هذا في اللحظة الأولى جيِّدًا، فنحن جميعًا مع التجديد والإصلاح. ولكنه أمرٌ صعب، لأنَّ إصلاح الدين لا يمكن أن يتم بدؤه من قِبَل زعيم واحد فقط. فالوقت أصبح اليوم معقّدًا جدًا للقيام بذلك.
أنا أراهن بحزم وإصرار على العلم وأعتقد أنَّنا بعد بضعة أعوام سيكون لدينا علماء دين مسلمون شباب قادرون على الحوار وقد تعلموا تقاليدهم الخاصة تعلُّمًا جيِّدًا، ولكنهم في الوقت نفسه يَكِنُون كلَّ الاحترام للتقاليد الأخرى. هذا التصوُّر يمنحني الأمل. وبهذا المعنى فأنا أدعو إلى إصلاح من دون مصلح، إصلاح لا يحمل توقيعًا.
هل لديك فكرة كيف يستطيع المجتمع المسلم منع تحوُّل الشباب إلى متطرِّفين؟
أحمد ميلاد كريمي: أعتقد أنَّه يستطيع، على الرغم من أنَّ هذا لا ينبغي أن يكون مهمة حصرية للمسلمين. لأنَّ قراءتنا - الداعية للدفاع عن السلام والعدالة والثقة والتعايش الناجح - يمكن إثباتها بحجج قوية. الشباب الذين يبحثون عن دينهم على شبكة الإنترنت وليس في المساجد، أصبحوا مشرَّدين دينيًا وقد غرَّر بهم الأصوليون أو السلفيون. ولكنني أرى فيهم أيضًا جزءًا من جاليتهم الخاصة. هؤلاء ليسوا أشخاصًا ضائعين، بل يمكن كسبهم وتشجيعهم على الخير. أنا واثق من أنَّ الصوت الهادئ واللطيف ولكن المتمايز في ديني سوف يفرض نفسه على المدى الطويل.
كثيرًا ما يستند المعروفون باسم نقَّاد الإسلام إلى نفس الآيات القرآنية العنيفة تمامًا مثل المتطرِّفين الشباب. كيف يمكن التأكُّد من عدم إساءة تفسير القرآن؟
أحمد ميلاد كريمي: هذا سؤال خطير ومهم للغاية. في الحقيقة إنَّ أشخاصًا مثل (السياسي الألماني المعادي للإسلام) تيلو زاراتسين والسلفيين يقرؤون القرآن بطريقة متشابهة. وبحسب رأيهم يجب على المرء فقط أن يفتح ترجمة القرآن ويُنَفِّذ ما يجده مكتوبًا هناك. غير أنَّ هذه عجرفة مرعبة.
في الواقع لا توجد قراءة صحيحة للقرآن. لو كانت هناك قراءة صحيحة واحدة، فعندئذ يمكن للمرء أن يطالب بوضع دليل استخدام للقرآن. يمكن القول إنَّ القرآن مُعقّدٌ، ولكننا نضيف إليه قراءة صحيحة، وعندئذ يمكن للمرء استخدامه. ولكن عندئذ قد يخلط المرء بين القرآن والغسَّالة.
كيف يجب إذًا أن يفهم المسلمون القرآن؟
أحمد ميلاد كريمي: يوجد بيني - أنا القارئ الذي يريد أن يفهم رسالة الله - وبين القرآن شيء أطلق عليه اسم "الفضاء الثالث". أي "فضاء الفهم". وهذا يعني أنَّني لا أستطيع بتاتًا الالتزام بالقرآن، بل أستطيع فقط الالتزام بفهم القرآن. إنَّ مَنْ يعترف بذلك يعترف أيضًا بأنَّ شخصًا آخر يمكن أن يفهم القرآن بشكل مختلف من حيث المبدأ.
عندما أُهمل هذا "الفضاء الثالث"، فإنَّني أفعل وكأنَّني ألتزم بحروف القرآن، وعندها لن يكون هذا سوى قراءة متشدِّدة للقرآن. لو كان يوجد لدينا فقط تفسير محدَّد لآية ما، فإنَّ القرآن كان سيضيع تاريخيًا. لا يمكن في ألمانيا في القرن الحادي والعشرين تطبيق التفسير نفسه مثلما كانت الحال في بغداد في القرن الحادي عشر.
{المنتقدون المعادون للإسلام والمتطرفون الإسلامويون يفسرون القرآن بطريقة متشابهة.}
طالما أنَّك تعترف بإمكانية قراءة القرآن قراءة متشدِّدة، فهذا يعني أنَّ لدى الإسلام مشكلة كبيرة؟
حمد ميلاد كريمي: هذه القراءة ممكنة، ولكنها غير مقنعة. في الواقع كلُّ دين لديه هذه المشكلة، لأنَّ الأديان نفسها غير فاعلة. وحتى المسيحية لا تستطيع الدفاع عن نفسها. يمكن أن توجد في الإسلام قراءات مختلفة، ولكن بالذات القراءات الخاصة بالجماعات الأصولية، التي تعتبر غير إنسانية وتحتقر الخلق والخالق، لا يمكنها الصمود أمام التقاليد الروحية الإسلامية الراقية.
وهل تعتقد أن الأمر مشابه في المسيحية؟
أحمد ميلاد كريمي: يمكنني على سبيل المثال القول إنَّ الله لم يصبح إنسانًا في المسيحية، بل أصبح وعلى وجه التحديد رجلًا - وأن أستنتج من هنا خضوع المرأة للرجل. ولكن بالقراءات الأخرى يمكن للمرء أن يُبيٍِّن لي أنَّ الأمر الحاسم في عيسى الناصري هو تَجَسُّده وليس ذكورته. إذا كنتُ إنسانًا عاقلًا، فإنَّني سأرى أنَّ القراءة المعادية للمرأة لها نقاط ضعف. ولكن إذا كنتُ عقائديًا متشدِّدًا -لا يُصِرُّ فقط على قراءته بل يريد من خلالها أيضًا التغرير بالآخرين وممارسة السلطة- فعندئذ تتحوَّل المشكلة من دينية إلى سياسية.
ترجمة: رائد الباش
حقوق النشر: وكالة الأنباء الإنجيلية / موقع قنطرة 2018
[embed:render:embedded:node:32449]