"آخر فيلم" أو آليات تحول الشباب العربي نحو الإرهاب

افتتح مهرجان الفيلم العربي السابع في روتردام فعالياته بعرض فيلم المخرج التونسي نوري بوزيد "آخر فيلم" أو " Making off". وهو الفيلم الفائز بالجائزة الأولى في مهرجان قرطاج السينمائي الأخير. قنطرة التقت، في روتردام، بالمخرج وكان الحوار التالي.

أستاذ نوري، فيلمك يتحدث عن شاب تونسي يحب الرقص ويتحول إلى انتحاري. لماذا اخترت هذا الموضوع؟

نوري بوزيد: لأني لقيت، بهذا الموضوع، أفضل طريقة للتعبير عن حالة الضياع التي يعيشها الشبان العرب على المستوى المستوى الفكري وعن حالة اليأس على المستوى الاقتصادي. ثم هذا الموضوع هو موضوع الساعة. الفيلم بقي مجمدا سنة كاملة في تونس بحجة أن هذا الموضوع غريب عن بلدنا.

وبعد عرضه مباشرة في قرطاج ونيله الجائزة الأولى تعرضت تونس لعملية إرهابية وتم توقيف العديد من الإرهابيين. والغريب أن شخصية المسؤول الأول عن هذه العملية تشبه كثيرا شخصية بطل الفيلم، إذ كان راقصا في الملاهي الليلية. أعتقد أن التحولات غريبة في هذا الواقع، الأمر الذي يجعل هؤلاء الشباب في مفترق طرق.

هل تقصد الشباب التونسي بشكل خاص أم الشباب العرب بشكل عام؟

بوزيد: الشباب العرب بشكل عام؛ ولكني اخترت المثال التونسي لأني في تونس ولا أتصور أن هذا مستحيل في بلدي. وأتصور أن الظروف التي خلقت هذا في بلد آخر يمكن أن تخلقه في تونس أيضا لكن بتفاوت طبعا.

لكن بطل فيلمك يتحول بسرعة شديدة إلى واحد من الإسلاميين المتشددين؛ وهو يبدو ساذجا جدا مع أنه متعلم وأكمل تعليمه حتى البكالوريا. فهل هذا التحول السريع ممكن فعلا في الواقع برأيك؟

بوزيد: طبعا، وإلا كيف تفسرين أحداث الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر؟ هذا شيء يحصل يوميا. لماذا يُمنع الشبان العرب من الحصول على تأشيرات للسفر إلى الخارج؟ هذا الخطر موجود في أي لحظة. أي عربي هو مشكوك فيه وفي أن يتحول إلى إرهابي. أنا أتحدث هنا عن الشباب.

مشكوك فيه؟ ولكن هذا التطور ليس إجباريا ...

بوزيد: نعم، ولكن هذا الشك لم يأت من فراغ وليس عبثيا. هناك أسباب، هناك تجارب. هذا حسب رأيي أصبح وكأنه مفروض وهذه هي الخطورة. ونحن لا بد أن نتهيأ لهذا النوع من التحولات.

طيب ما هي العوامل المفروضة التي تدفع بالشبان العرب لأن يصبحوا إرهابيين؟ ليس كل الشبان العرب إرهابيين.

بوزيد: دعينا نرجع إلى خطابات بن لادن. أنا درستها من أجل الإعداد للفيلم. فبن لادن يقول: إننا لا بد أن نأخذ هؤلاء الشبان في حالة يأس، في حالة الغرق في المشاكل الكبيرة أو في حالة خطر. وعلينا أن نأخذهم قبل الزواج، حتى لا يكون هناك التزام يربطهم. وحين يقول قبل الزواج يعني في رأيه قبل أن يعرف أي فتاة. فثمة عوامل داخلية، أي ظروف الشاب الخاصة، فشله، يأسه، عدم قدرته على الهرب إلى الخارج.

وإذا عدنا إلى بطل الفيلم فسنجد أنه لا يملك إمكانيات لأن يصبح راقصا أو أن يكمل دراسته أو أن يتواصل مع صديقته. هناك عوامل خارجية أيضا، كحرب العراق وحتى حرب لبنان والقضية الفلسطينية. هذه كلها عوامل مهمة جدا في تحميس الناس وخاصة الشبان. فكيف تفسرين مثلا حالة الشاب الذي فجر نفسه في مقبرة في الدار البيضاء؟ هل سيقتل الموتى؟ علما أنه لم يكن مطاردا في ذلك الوقت. في الليل وحده اختار المقبرة.

هذا يقودنا إلى السؤال: لماذا فجر الشاب في الفيلم نفسه في الميناء؟ لماذا لم ترسله، أنت كمخرج، إلى العراق مثلا كما هو شائع في هذه الأيام؟

بوزيد: هو اختار هذا الطريق. كما أني لا أحب أن أعمل فيلما عن أحداث صارت. هذا لا يهمني. لا أريد أن أجري وراء الأحداث، أريد أن أسبق الأحداث. وإلا ماذا أكون قد أضفت؟ أردت أن أقول: علينا أن ننتبه في مكان يبدو آمنا. هذا الشيء وارد، وعلينا أن نساعد هؤلاء الشبان لأن كل شيء ممكن. أثناء المناقشات حول الفيلم أجريت مقابلات مع خمسة أو ستة شبان وكل واحد كان يريد أن يحكي لي قصة حياته ويقول: قصتي هي القصة نفسها التي تتحدث عنها في الفيلم.

أنا فلتت من قبضة أناس وكنت مستعدا أن أذهب، ولكن في لحظة ما تراجعت، خفت. المشكلة أن وسائل الإعلام لا تتحدث عن الشبان الذين يرفضون وإنما تتحدث عن العمليات التي تحدث فقط. ولكن عدد الشبان الذين يرفضون أكبر بعشر مرات أو بعشرين مرة. فهدفي أن أعطي مثالا عن الذين يرفضون أن يكونوا قتلة، عن الذين يخافون.

وبطل فيلمي إنسان يرفض أن يكون قاتلا. ثم هل مصير الشاب الفلسطيني مقرر سلفا وهو أن يصبح قاتلا؟ إذا وجد فلسطيني يرفض القتل، فهذا هو الموضوع الذي أحب أن أواجهه. كما أنه من الممكن أن يخرج الإرهابي من أي وسط ومن حيث لا نترقبه، وفي الوقت نفسه فإن أي إرهابي مهيأ للتراجع وأن ينقلب على من يحرضه وأن يرفض.

وبطل الفيلم لم يكن مهيئا أم هو رافض؟

​​بوزيد: هو نفس الشيء لأنه خاف أن يكون قاتلا. وفي الوقت نفسه هو متمرد على كل شيء. هو نوعا ما عبثي ويحلم بأشياء استعراضية، يحلم أن يكون محط أنظار. يلبس كسوة البوليس لكي يقوم بمسرحية ويلبس حزاما ناسفا ويقوم بمسرحية لنفسه. لهذه الأسباب اخترت فنانا. ثم، لماذا يفجر نفسه في الميناء؟ لأن هذا المكان هو محدد لإمكانية الهروب إلى الخارج. وهو يتوق إلى الهروب إلى الخارج.

فلم ينزع هذه الفكرة من دماغه. وهو يحب أن يفجر نفسه مع من كان يريد أن يبعثه إلى هذه العملية والبوليس منعه. لكن نحن في النهاية في فيلم وكان لا بد لي ان اختار نهاية سينمائية فاخترت هذه النهاية واخترت أكبر ميناء في جنوب تونس. اخترت أن يكون وكأنه فأر في مصيدة. وأردت أن يموت بمفرده وأن ينال تعاطف الجمهور معه وتعاطفي معه. أردت أن يكون إلى آخر رمق ضحية، إلى درجة أنه يبدو الضحية الوحيدة لما قام به.

هل تقصد أن الشاب الذي يفجر نفسه أو الذي يريد أن يتحول إلى استشهادي هو دائما ضحية فحسب؟ أين مسؤوليته؟

بوزيد: المسؤولية واضحة في الفيلم. أنا أشير بالإصبع إلى المسؤول. كلنا مسؤولون: البوليس مسؤول، عدم وجود الحريات مسؤول، البناء العائلي مسؤول، الفشل في النطام التعليمي، كل هذه الأشياء تحمل مسؤولية. ولكن كلنا هيأناه واقتطفه الأصوليون. الأصوليون لا يستطيعون أن يعملوا أي شيء إذا لم يكن الشاب مهيأ. لذا أقول إن ظروفه الملموسة والاجتماعية مهمة في هذا التحول. هو ضحية ولكن في الوقت نفسه مسؤول لذلك قتلته. إذ لا يمكن أن يخرج سالما، فهو لعب بالنار وكان قابلا بالفكرة.

ولكن التعاطف معه ضروري لأن باختلاف نظرة الغرب للصراع ضد الإرهاب نظرتنا لا يمكن أن تكون إلا بمحبة للشبان حتى ننقذهم. صراعنا ضد الإرهاب ليس في منع وقوع العمليات، فحسب، بل هو أن نمنع أن يولد إرهابيون. علينا أن ننقذهم في مرحلة ما قبل التنفيذ؛ وهذا هو الفرق بين الصراع العسكري والبوليسي الأميركي والغربي والصراع المفروض علينا أن نواجهه، وهو صراع حضاري وثقافي وإيديولوجي وسياسي. لا بد أن نعطيهم جزءا من الجنة على الأرض حتى لا يحلموا بأن يضحوا بحياتهم من أجل الجنة التي ستكون مفقودة.

قلت أنك قرأت خطابات بن لادن. هل تحدثت مع أصوليين في تونس أيضا؟

بوزيد: ليس في تونس. تحدثت مع أصوليين في بلجيكا والمغرب في فترة لم يكونوا ممنوعين، أي قبل عمليات لندن. عمليات لندن تمت أثناء تصوير الفيلم. أصدقائي في بلجيكا ساعدوني في الاتصال بالناس حتى أفهم كيف يأخذون الشبان ويبعثونهم إلى أفغانستان وبأي طريقة وكيف يتم الاختيار وماذا يفعلون. هذا أفادني في الكتابة وفي في بناء الشخصية. أكثرهم كانوا دارسين أو جاؤوا من أجل الدراسة.

هم كانوا يأخذون الشبان الذين عانوا من مشاكل مع السلطة؛ مثلا الخارجين من السجن ولأسباب تافهة كالدعارة أو المخدرات. فهم يتحولون إلى عبء على عائلاتهم. ففسروا لي في بلجيكا أن الإسلاميين يعطون لعائلاتهم مبالغ مالية، عشرين ألف دولار، مثلا، فالعائلات تفرح لأنهم يأخذونهم وينقذونهم، تفرح العائلات لذهابهم لأنهم يحملون شيئا من العار.

أثناء كتابة السيناريو اكتشفت أشياء غريبة. ولا تنسين أن تغلغل الدين الإسلامي عند الناس ازداد بسبب موقف الغرب من الإسلام. لأن ليس هناك أي مسلم بما فيهم أنا، وأنا ملحد بقناعة ومع ذلك لا أقبل بنقد الإسلام كدين من قبل المسيحيين. فالإسلام ثقافتي وشخصيتي، ولكني أقبل بالطبع نقد الإرهاب. طيب لماذا يسبون الإسلام ولا يسبون المسيحية؟

لكن النقد والسب شيئان مختلفان.

بوزيد: أنا أقصد نقد المقدس. هذا مرفوض. إذا أردت كمسيحية أن تساعدي في خروج الإسلام من الأزمة فلا تنتقدينه. شجعي المسلمين على أن ينتقدوه. لأن رد الفعل سيكون عكس ما تريدين، لأن هذا لا يخصك، فكمسيحية ما علاقتك بالدين الإسلامي؟. أنا لا أسمح لنفسي أيضا بنقد الديانة اليهودية.

نقد الدين أم المقدسات؟

بوزيد: نقد النص الأساسي، أي القرآن.

ولكن من الممكن نقد تعامل أو تصرف المسلمين في هذه الأيام؟

بوزيد: نعم، إذا وجدوا الطرق المناسبة. أنا أعطيك مثالا: الصور الكاريكاتورية التي تناولت شخصية النبي محمد هي بالتأكيد تعبير عن الحرية. أكيد أن هؤلاء الذين دافعوا عن هذه العملية دافعوا عن حرية التعبير. ولكن عليهم أن يفهموا أن هذه الطريقة في الدفاع عن حرية التعبير ستنتج إرهابيين. عليك أن تختاري. هل تريدين حرية التعبير التي تولد إرهابيين أم تريدين إيقاف التيار الإرهابي؟ لماذا تُضحكين الناس على شيء مقدس؟ رد الفعل يكون عكسيا.

ولكن إذا سخرت صحيفة أوروبية من شخصية المسيح فسيثير هذا بالتاكيد انتقادات واسعة ولكن ليس الإرهاب. أين الفرق؟

بوزيد: المسيحية وجدت حلولا لمشاكلها وأنجزت عملية الإصلاح الديني وهذا ما لم يحصل عندنا.

يعني الدين الإسلامي بحاجة إلى إصلاح في رأيك؟

بوزيد: طبعا، ولكن من الداخل وليس من قبل المسيحين. لا تعطيني درسا في مقدساتي. شجعي المسلمين أو العرب المسلمين بجميع فئاتهم أن يقوموا بهذا الإصلاح، هذا أمر مهم. لكن أن يأتي البابا وينتقد الإسلام فهذا مرفوض. هم لم يفهموا أن الشباب المسلم لا يسمح بنقد مقدساته، أي أنهم لم يفهموا أنهم يستفزون شيئا لا يمس. هذا الذي يجعل الشاب العربي، الضائع، مستعدا للموت بشرف. إذا لم يفهموا هذه النقطة فهم لم يفهموا الإرهاب.

قد عُرض الفيلم في قرطاج ونال الجائزة الأولى. فهل كانت هناك تهديدات من قبل إسلاميين؟

بوزيد: لا، كانت هناك انتقادات وليس تهديدات. الفيلم صنع بشيء من الدهاء. أنا لم أحاول أن أتصرف بعدم احترام تجاه أي طرف. أردت أن أكون واضحا في هذه المسألة. لا بد أن نفهم من الداخل، أن نفهم تناقضاتهم الداخلية التي فهمها بطل الفيلم لأنهم ألقوا القبض عليه بسبب تردده وخوفه. كذلك حاولت فهم رأيهم في الديموقراطية.

لأن الأمر لا يستوي حين يكون التيار الإسلامي في المعارضة أو في الحكم. هم يعتبرون الديمقراطية كفرا حين يصلون إلى السلطة لكنهم في الوقت نفسه يكافحون من أجل وجودهم باسم الديموقراطية. وهذا هو التناقض. ثم لم أتردد في أن آخذ الآيات التي تتحدث عن الجهاد والتي على أساسها يقومون بالجهاد. وحين يقولون إن القرآن صالح لكل زمان ومكان فهم يفرضون علينا أن هذا يُنفّذ الآن.

هل تعرض الفيلم للرقابة من قبل الحكومة التونسية؟

بوزيد: الأحداث التي حصلت هي التي أعطت للفيلم حقه، ردة الفيلم الكبيرة جدا أيام قرطاج وردة فعل الصحافة وخاصة عملية القرصنة التي تعرض لها الفيلم أعني الـ "د ف د". وهكذا انتشر الفيلم على نطاق واسع حتى قبل عرضه في قرطاج. هذا ما دفع بالرقابة إلى التراجع عما قررته قبل ذلك، أي حذف جزئين من الفيلم، وهما حديثي عن القرآن ومشهد الانفجار.

أجرت الحوار لاريسا بندر
حقوق الطبع قنطرة 2007

قنطرة

فيلم محمود قعبور "أن تكون أسامة"
يدور الفيلم حول ستة رجال عرب في كندا، يجمع بينهم إسمهم المشترك: "أسامة". في هذه المقابلة يتحدث المخرج محمود قعبور عن مدى تأثير الحادي عشر من أيلول/سبتمبر على التسامح في كندا.

فيلم " الجنة الآن" للمخرج هاني ابو اسعد
عرض في مهرجان برلين السينمائي فيلم" الجنة الآن" للمخرج الفلسطيني هاني ابو اسعد، وهو أول فيلم يتحدث عن الإنتحار وفلسفته في العمل السياسي. إيغال أفيدان اجرى حوارا مع المخرج.

إنني أستخدم الكليشيهات لأكسرها"
"أضرار لاحقة" فيلم ألماني حصد العديد من الجوائز ويثير إعجاب الجمهور والنقاد، عاكسا آثار الأحداث السياسية على الناس العاديين ومصائرهم. فهيمة فرساي التقت مخرج الفيلم المصري الأصل سمير نصر وأجرت معه الحوار التالي