جس نبض الحرية في قصة حب سعودية
عالج الفيلم عدداً كبيراً من المظاهر الحياتية المثيرة للجدل في السعودية، ويعتبر ذلك طرحا جريئاً. فكيف استطعت تناول ذلك؟
صباغ: بداية عندما كتبت الفيلم، لم يخطر ببالي أن يأخذ منحنىً رومانسياً كوميدياً كما طُرح في مهرجان برلين، خاصة أنه لا توجد في الواقع سينما سعودية، لذا كان علي أن أستعير ذلك من أجناس أدبية مختلفة. وأعتقد أن وصف (النضج التاريخي أو الحضاري) يلائم الفيلم بشكل أكبر لأنه يحتوي على كوميديا عبثية، وهذا هو الطابع الذي غلب على الفيلم؛ لأننا في عالمنا العربي نعيش عصر الظلام، وتهيمن على الخطاب صفة إرهاب المنظمات كداعش وغيرها، وهو أمر يطول شرحه، لذلك اصطنعت الكوميديا لأنك من خلالها تصل إلى قلوب الناس.
كما أن خلفيتي الصحافية ساعدتني في ذلك؛ فبدأت قبل 10 سنوات ككاتب عمود في صحيفة الوطن، وهي ليبرالية نوعاً ما، وتحتوي على مساحة لنقد الحكومة، والمراكز الدينية، وأنظمة العقوبات والمظاهر الرجعية في المجتمع. فحاولت جاهداً أن أنقل هذه الخبرات إلى أعمالي السينمائية.
هنالك الآن حركة ثقافية محجوبة خلف الستار وثقافة نقدية كاللتي نشاهدها على اليوتيوب، وتكون هذه الحركات مرتبطة بأحداث الساعة؛ فبعد أحداث 11 أيلول/سبتمبر بدأت تطرح أسئلة مثل: لماذا يشارك شبان من بلداننا في العمليات الانتحارية؟ وبدأ النقد يتخذ أشكالاً أخرى بنبرة مرتفعة قليلاً خاصة بعد الربيع العربي وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، والسعودية كانت جزءاً من هذه الموجة، على الأقل في مفاهيم الحوار والخطاب. وهذا تم عكسه في إنتاج النص الفني.
في أعمالك تصنع من الرقابة والسلطات مادة كوميدية، ألا يجلب لك ذلك المشاكل؟
صباغ: هذا هو الغرض مما نصنعه. فقد جئنا من قاعدة شعبية، ونحاول أن نخرج بمفاهيمنا وطرقنا الخاصة، وبالتأكيد لا نقبل بالسير على نفس نهج الحكومة. عليك بالمناورة أحيانا، وأحيانا أخرى عليك أن تكون مخادعا وذكيا. أنا أستخدم الكوميديا والنقد لإيصال صوتي.
مثلا، فكرت أن أحذف بعض المشاهد من الفيلم مماشاةً للمجتمع السعودي؛ لأنك حين تشتري فيلما أمريكيا أو أجنبيا بشكل عام في السعودية فإن بعض المشاهد تكون محذوفة، كاللتي لها علاقة بالعري والكحول وغيرها. وإذا سبق لك وأن سافرت بالطيران السعودي فإن هذه المشاهد أيضا محذوفة من أفلام الطائرة.
نحن اعتدنا على ذلك، وأصبح ذلك نهج حياتنا ولا ندقق به. لذا اخترت أن أتمرد على الواقع قليلاً، وأستخدم تلك المحظورات في فيلمي لأجعل الناس يتساءلون لماذا نفعل ونُسلِّم لذلك؟ هذا سخف! وبالتأكيد يجب عليك أن تكون ذكيا حيال ذلك الطرح، وأن تأخذ بعين الاعتبار أن هنالك عدداً من الخطوط الحمراء التي لا نستطيع تجاوزها. وهذه الخطوط هي من صُنْع المجتمع أكثر مما هي مِن إيجاد الحكومات، ولكنْ ثمة عدد من المناطق الرمادية المرنة التي نحاول التغيير بها، كما نحاول أن نغير من هذه المسلَّمات.
يعيش العالم العربي اليوم وقتاً صعباً. مثلاً في السعودية هنالك إجماع وطني على أن هذه الحكومة ليست الأفضل أوالأكفأ ولكنها تبذل قصار جهدها، وربما الحل البديل سيكون خطيرا . فمن كان يتوقع أن دولاً كسوريا وليبيا تواجه هذا المصير يوماً؟ نحن نحاول تغيير الوضع الراهن، ولكن بطريقة مسؤولة.
أحيانا يُنْشِىء الفن قوة وتأثيرا معيناً على المجتمع. هل هذه الحالة تنطبق على السعودية أيضا؟
صباغ: لو زرت جدة اليوم لوجدتها مكانا ساحرا، فهنالك العديد من المواهب الشابة من كلا الجنسين، وهم يحاولون التعبير عن غضبهم وطاقاتهم ومشاعرهم وتحويلها إلى قطع فنية. ليس هنالك معاهد فنية ولا مصادر تمويل ولا حتى ساحة ثقافية رسمية. وفي خضم هذه الفوضى، هنالك دائما شعاع أمل. دائما أسعى وراء البحث عن أشكال جديدة للقص الروائي. أغير النص مرات عدة لأقتنع بالنهاية بالصيغة النهائية المناسبة، وأعتبر هذا مبتكراً، وأنانياً بنفس الوقت حينما يحقق الفنان ربحاً على أنقاض قضية مجتمع يعاني.
كيف تأثرت بالمخرجين المحليين والعالميين؟
صباغ: ما تعلمته من جامعة نيويورك في الإخراج السينمائي، هو الخروج عن مألوف قصص الأبطال والطرح التقليدي؛ كالأفلام التي تستعرض أمجاد الإسلام و"معركة الجزائر". جيلنا لديه القليل من المجد وهذا ينعكس في الشكليات أكثر منه في الأفلام.
من الملاحظ أن الغالبية العظمى من جيلنا محبطون، وهذا للأسف ينعكس على نوعية الأعمال التي تنتج حالياً. وتواجدي في مهرجان برلين السينمائي فرصة تسنح لي اللقاء بصانعي الأفلام وتبادل الأفكار فيما بيننا.
كيف تم تمويل الفيلم وأين سيوزع؟
صباغ: أظن أن الحديث ما زال مبكراً عن التوزيع. أما عن التمويل فلم يكن هنالك تمويلاً خاصاً، تقدمت بطلب الحصول على تمويل من جهات عدة في الوطن العربي، ولكنها رفضت تمويل فيلمي ربما لأنني لم أحصد الشهرة المطلوبة بعد. ولكن ذلك منحني القوة لأستمر، وأن أبحث عن مصادر تمويل بديلة مثل تمويل الأسرة، مثلاً هنالك 95% من الذين عملوا بالفيلم من دون عقود عمل، وكلهم أناس نثق بهم ونعرفهم جيدا. وهذه طريقة مبتكرة في صنع الفن. فعليك أن تؤمن بهذه اللحظات والفرص التي تقدم لك: كلحظة الأسبوع الماضي عندما عرض الفيلم لأول مرة في برلين؛ إذ كان من الرائع رؤية رواد السينما الألمان يضحكون على الكوميديا السعودية.
هل تخطط لعرض الفيلم بالسعودية؟
.صباغ: بالتأكيد، حاليا يمنع عرضه في القاعات العامة، ولكن هنالك استثناءات. وكما تعلم الكثير من ميسوري الحال لديهم سينما خاصة في بيوتهم، ولكن ليس في الأماكن العامة . وربما السينما العمومية الوحيدة تعرض فيلماً وحيداً وهو حج ابن بطوطة إلى مكة. وسنحاول جهدنا لعرض فيلمنا لأنه يتزامن مع الخطاب الرسمي للإصلاح والاستماع إلى الجيل الصاعد. ونحن نحاول جس النبض وإحداث التغيير.
كان في جدة سينما مزدهرة بالخفاء في الخمسينيات والستينيات وحتى السبعينيات حركة سينمائية نشطة، وكانت تُعْرَض أفلامٌ مصرية وأمريكية وإيطالية. نحن ثقافة تستند على الاستهلاك. وفي زمن انخفاض أسعار النفط سيتغير ذلك، ويجب أن نتحول إلى دولة منتجة وهذا سيكون له تأثير على الفن. وفيلمي هو جزء من هذه البيئة المتغيرة.
هل شكَّل الإنترنت فضاء مهماً لهذا التغيير؟
صباغ: لا أستطيع أن أعطيك إجابة حتمية على ذلك بعد . ولكن أعتقد أن الإنترنت في السعودية مهم للغاية. فهو يزودنا بمنصة بديلة للمعيقات الحكومية، ويعطي الفرصة للمواهب في الظهور على الساوند كلاود واليوتيوب مثلاً وغيرها.
ففي هذا الصدد نعم هو جيد. ولكن في نفس الوقت هو شئ لحظيّ. أحيانا يظهر لنا بأن العملة الوحيدة هي إشارة الإعجاب أو عدم الاعجاب، وهنا نقع في خطر بحيث يكون هدفنا الوحيد هو إرضاء الآخرين. السينما أعمق من ذلك، فهي تأخذ وقتا أطول لإعداد فيلم واحد وعرضه كما أنه يبقى للأبد. الإنترنت هو وسيلة عظيمة، ولكن لا يجب أن تكون الوسيلة الوحيدة.
هل أنت متفائل بالجيل القادم وكيف يمكنهم صنع التغيير؟
صباغ: أشعر بأنهم أكثر نشاطاً. فهنالك حس لديهم بأن أصواتهم مسموعة ولديهم تصميم برسم قدرهم وطريقهم. هم بحاجة أكبر إلى التعاون والعمل معا. أود رؤية نشاطات عابرة للحدود تضم معاهد تعمل في بلدان عربية مختلفة ودول من العالم. فنحن نفتقد إلى هذه المعاهد العابرة للحدود ونحتاج المزيد منها.
حاوره: رينه فيلدانغل
ترجمة: آ.ع