"رؤية اوباما قد تكون خطوة نحو عولمة إنسانية جديدة"
بعضهم يصف الحوار بين الحضارات عموما، والحوار بين أوروبا والعالم العربي خصوصا بأنه حوار طرشان أو حوار قباحات على حد تعبير الأمير الحسن بن طلال، ما هو تقديرك لمستوى هذا الحوار في الوقت الحاضر؟
طيب تيزيني: بغض النظر عن أحكام كهذه لا بد من القول أنه لم يتحقق سوى القليل على صعيد هذا الحوار قياسا إلى ما هو مطلوب. غير أن الجديد يتمثل في أن الباب قد فُتح على مصراعيه أمام الحوار في دول عربية، بينما ما تزال الأخرى تتلكأ رغم حراك كثيف تشهده باتجاه تذليل عقبات الحوار بين الفئات المعنية لدى الطرفين الأوروبي والعربي.
هل يعني حديثك عن تلكؤ دول عربية في فتح أبوابها أمام الحوار تحميل الجانب العربي مسؤولية العقبات التي تواجهه؟
تيزيني: إلى حد ما، غير أن المسؤولية الكبرى تقع على عاتق فئات مشاركة تأتي إلى الحوار بشروط وأحكام مسبقة. وكما تعرف فإن الحوار الديمقراطي لا يتماشى مع ذلك، لأن المطلوب هو حوار حر على أساس الند للند يمكننا في إطاره طرح المشكلات ومحاولة الإجابة عنها بشفافية تامة.
هذا فيما يتعلق بالجانب العربي، لكن ما هي مآخذك على الجانب الأوروبي؟
تيزيني: هناك مشكلات كبرى منها أن عددا لا بأس به من المحاورين يأتون وفي أذهانهم صور غير دقيقة عن العرب والمسلمين. كما يأتون كمعلمين يريدون فرض كيفية الحوار وآلياته وموضوعاته انطلاقا من هيمنة نزعة المركزية الأوروبية أو ما يُسمّى المركزية الأوروبية- الأمريكية على تفكيرهم. وفي هذا الإطار واجهنا مشكلات كبرى مع مجموعات أجنبية وبينها مجموعات ألمانية لم تكن تدرك أن هناك محاورين عرب يمكن أن يكونوا ندا لها في الحوار بالمعنى الإيجابي.
وهذه المجموعات كانت تنظر إلى ما يحدث في العالم العربي نظرة المواسي أو نظرة التفوق متناسبة أن الدخول إلى حوار من موقع المعلم يفسد كل شيء. ولعل من طرائف الأمور أنني أجيب دائما على هؤلاء من موقف أوروبي جاء على لسان الأمير تشارلز الذي حذر في مقال له الأوروبيين من اعتبار الطرف الآخر أقل سوية منهم. كما دعا إلى اعتراف أوروبا بفضل الحضارة العربية في العصور الوسيطة على تطور الأوروبيين وتقدمهم بحيث تقوم بين الطرفين علاقة ندية ديمقراطية مفتوحة.
لكن المشكلة أيضا في قبول دور المعلم للمحاورين الأوروبيين من قبل مجموعات عربية معنية بالحوار ربما لديها عقدة النقص تجاه الآخر؟
تيزيني: نعم، هناك مجموعة من المفكرين العرب الذين يرون أن الحوار مع أوروبا يجب أن يتم من باب العلاقة بين المعلم والطالب على أساس اعتقادهم بأن الحضارة الأوروبية هي الأساس. غير أن هؤلاء ينسون بأن أوروبا تأثرت أيضا بالحضارة العربية من باب موقعها هي ذاتها. وهنا أود التأكيد على ضرورة احترام الخصوصيات الداخلية التي تسمح بدفع الحوار بيننا وبين الآخر.
لكن هناك من يتحدث على تراجع نزعة الوعظية لاسيما لدى الأوروبيين، هل لاحظت ذلك بالفعل؟
تيزيني: نعم هذه النزعة تراجعت، وقد لاحظت ذلك خلال لقاءات منها مؤتمر حضرته في بيروت مؤخرا عن الحوار العربي الأوروبي. بداية علت أصوات المعلمين فيه، لكن هذه الأصوات خفتت في نهايته، إذ فرضت نفسها حالة جدية لدى الطرفين العربي والأوروبي باتجاه تفهم كل منهما للآخر بعيدا عن النزعة المذكورة. وهذا ما شجع على تأكيد مواصلة اللقاءات قريبا في برلين أو لندن.
لكن تراجع سمة الوعظية لا يعني أن الحوار خرج من دائرة هيمنة الأحكام المسبقة، أليس كذلك؟
تيزيني: إلى حد ما، غير أن أبواب الحوار فُتحت على قوى أخرى تضم مفكرين وصناع قرار يسهمون في ضبطه. هؤلاء ومنهم الأمير تشارلز قادرون على مساعدة الآخرين في اكتشاف الإشكالات التي يعاونون منها كإشكالية المركزية الأوروبية أو المركزية الأوربية- الأمريكية التي تقوم على الاعتقاد بأن أوروبا هي أساس الحضارة. كما يساعدون على وضع مفهوم الحوار في سياقه التاريخي وليس خارج التاريخ كي ندرك من نحن ومن الآخر ونتحاور على أساس ذلك.
دعني أسألك مرة أخرى عن الأحكام المسبقة التي تؤرقني شخصيا، هل لك أن تذكر نجاحات ملموسة تحققت على صعيد تجاوزها في ضوء إجابتك على سؤالي السابق؟
تيزيني: في ضوء خبراتي اكتشفت أن الحوار بين العرب وأوروبا يجب أن يسير على خطين أولهما الحوار بيننا كعرب وثانيهما الحوار بيننا وبين الأوروبيين. على الخط الأول قاد الحوار بين محاورين عرب وأنا منهم إلى تحقيق نتائج في إطار ما أسميه وضع ضوابط لحوار حر وديمقراطي. ومن هذه النتائج تشكيل جماعات وجمعيات مهمتها العمل على تعزيز علاقات الحوار بيننا مثل جمعية العلمانيين العرب وجمعية العقلانيين العرب وجمعية الحداثة العربية. وقد طلبنا من زملائنا الأوروبيين تلقف هذه التجربة ليقدموا لنا حصيلة تساعدنا على تقريب وجهات النظر وتعزيز علاقات الحوار بيننا رغم الصعوبات التي تواجهنا كمحاورين عرب.
ماذا تقصد بهذه الصعوبات؟
تيزيني: من شروط الحوار الناجح كما تعرف قيامه في جو ديمقراطي، ونحن في العالم العربي نعاني من إشكالية عظمى، أقصد إشكالية النظم السياسية التي لا تشجع على الحوار في الداخل ومع الخارج. وهذا ما نواجهه عندما تظهر في هذه المناسبة أو تلك مجموعات متحاورين ينصاعون لنظمهم السياسية ويحاولون تمرير أجندة لا تليق بالحوار. ومقابل هؤلاء تقف مجموعات ترفض الانصياع لهذه النظم فتواجه إشكاليات عديدة مع نظمها.
هل تريد من خلال قولك التأكيد مجددا على أهمية الديمقراطية في المجتمعات العربية؟
تيزيني: نعم، هذه المسألة التي تُطرح بقوة منذ فترة ما بعد استقلال الدول العربية ليست ضرورية سياسية وحسب، بل يتضح ن الحرية الديمقراطية ليست ضرورية سياسة بل ضرورة وجودية، لأن استمرار العرب ضمن مشروع قابل للتقدم مرهون بمدى استخدامها لأدوات الديمقراطية والتنوير والاستقلال الفكري والحوار من موقع ديمقراطي.
هل أنت متفائل بإعطاء دفعة جديدة للحوار مع الإدارة الأمريكية الجديدة بقيادة اوباما؟
تيزيني: نعم أنا متفائل وأقول ذلك بدقة معرفية وليس بحماسة سياسية. أنا سعيد بوصول هذا الرجل إلى الحكم لأن ذلك يفتح إمكانية البدء بمحاولة جديدة لإعادة بناء الولايات المتحدة الأمريكية وفق ما يعتقد البعض أنه غير ممكن، لا بل مستحيل. أقصد إعادة بنائها باتجاه انفتاحها نحو العالم وسقوط أيديولوجية الليبرالية الجديدة الأمريكية في إطار الأزمة المالية العالمية. ويؤكد على ضرورة البناء هذه الأزمة التي نعيشها الآن، حيث العالم في حالة حيص بيص. هناك حالة حوار جديدة بين الأمريكيين أنفسهم وعلى العرب تلقف هذه الفرصة التاريخية لإصلاح أوضاعهم داخل بلدانهم والتأثير في مجرى الحوار العالمي. وفي هذا السياق أقول إنها أول مرة في تاريخ أوروبا والولايات المتحدة التي يفسح فيها للعرب الدخول إلى عوالم أخرى تريد المساعدة من خلال حوار مفتوح.
تقصد دعوة أوباما للحوار مع العالم الإسلامي وفتح صفحة جديدة معه؟
تيزيني: نعم وقد رحب الكثيرون بها، حتى إنني قرأت مؤخرا أنه يدعو إلى عالم كوني جديد يقوم على العدالة والحرية والكفاية المادية.
هل تعتقد أنه سيتمكن من ضبط نفوذ جماعات الضغط لتمرير مشروعه؟
تيزيني: هذا أمر ما يزال في حدود الإمكان، أمام أوباما الآن أربع سنوات في الحكم وقد تليها أربع سنوات أخرى. يمكنني أن أسمي مبادرته حسب علم الاجتماع السياسي بأنها مبادرة تاريخية قد لا تتكرر. المهم أن يتم من خلال هذه المبادرة إعادة بناء الناس والتأسيس لحالة محتملة يقوم عليها مشروع آخر غير المشروع الذي عرفناه من خلال إدارة جورج بوش الابن.
مثل هذه المبادرة تتطلب دعم الجميع، أليس كذلك؟
تيزيني: صحيح لاسيما في العالم العربي الذي يشكل جزءا من نقطة الرحى في العالم. على العرب الإسهام في التأسيس لحالة تدعم أوباما عبر مشروع يتبناه ونحن جزء منه. وهذا بدوره يمكن أن ينقلنا من عالم تسوده العولمة المتوحشة إلى عولمة إنسانية جديدة. ومما يعنيه ذلك أننا لن نفرط بما أنجزته الإنسانية، بل سنأخذ ما أنجزته في سياق يقبله العالم بإطار نظام يؤسس على ثلاث نقاط هي العدل والحرية والكفاية المادية. وهذا الثلاثي هو سيد الموقف وعلى الجميع أن يثبتوا أنهم قادرون على تحقيقه بقدر أو بآخر.
أجرى الحوار: إبراهيم محمد
حقوق الطبع: دويتشه فيله 2009
البروفسور طيب تيزيني الموجود حاليا كأستاذ زائر في جامعة ايرلانغن الألمانية، من مواليد حمص السورية عام 1934. حصل على الدكتوراه في الفلسفة من برلين عام 1967. ومنذ ذلك الحين عمل أستاذا للفلسفة والفكر العربي في العديد من الجامعات العربية والأوروبية. وللدكتور تيزيني العديد من المؤلفات الواسعة الانتشار في مجالات الفلسفة والعولمة والفكر العربي الحديث والمعاصر، إضافة إلى مئات المقالات والسجالات في الحوار بين الحضارات. ويعد من أهم الفلاسفة العرب المعاصرين. وقد اختارته مؤسسة كونكورديا الألمانية الفرنسية الفلسفية ضمن قائمتها التي تضم أهم مائة فيلسوف في القرن العشرين.
قنطرة
حوار مع المفكر السوري الطيب التيزيني:
"التطرف نتاج غياب الحريات والديمقراطية"
يري المفكر العربي المعروف الطيب التيزيني، أستاذ العلوم السياسية والفلسفية في جامعة دمشق، أن الحركات الإسلامية الأصولية تقطف ثمار غياب الحرية في العالم العربي. كما يرفض فرضية الصراع بين الأديان ويشدد على أن هذا الصراع يمثل في الواقع صراع هيمنة على الثروات النفطية في العالم الإسلامي. عفراء محمد حاورته في دمشق.
محمد شحرور:
لا أمل في إصلاح سياسي دون إصلاح ديني!!
فرض المفكر الإسلامي السوري الدكتور محمد شحرور نفسه على الساحة الثقافية الإسلامية بقوة منذ صدور كتابه الموسوعي "الكتاب والقرآن ـ قراءة عصرية" الذي طرح فيه نظرة جديدة للإسلام من خلال المنهج اللغوي كما دعا فيه إلى فقه جديد في قضية المرأة المسلمة. وقد تعرض شحرور في الآونة الأخيرة إلى حملة إعلامية شديدة وصلت إلى حد المطالبة بمحاكمته بسبب ما اعتبر انتقاص من شأن الرسول ومن أحكام إسلامية وردت في القرآن والسنة. في الحوار التالي يطالب شحرور بإصلاح ديني جذري في العالم العربي
إدارة أوباما والعالم الإسلامي:
قطيعة مع الرؤية الاختزالية....آفاق شراكة جديدة؟
مد الرئيس الأمريكي باراك أوباما يده إلى العالم الإسلامي وعرض عليه شراكة جديدة قائمة على أساس الاحترام المتبادل. أوباما يرسل بهذه إشارة هامة تنبئ بانتهاء حقبة الرئيس جورج دبليو بوش إلى غير رجعة، وفق تعليق لؤي المدهون.