"وقف كافة أعمال البناء في المستوطنات أمر غير واقعي"

حصل الفيلسوف الفلسطيني، سري نسيبة في برلين مع الكاتب الإسرائيلي، عاموس عوز، على جائزة سيغفريد أونسيلد "تكريمًا لعملهما في مجال الحوار والعيش المشترك. إيغال أفيدان في حوار مع رئيس جامعة القدس، سري نسيبة، حول فرص الوصول إلى اتِّفاق سلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين.

استأنف الإسرائيليون والفلسطينيون محادثات السلام المباشرة في الثاني من شهر أيلول/سبتمبر 2010، بعد توقّف استمر نحو عامين. ولكن هذه المفاوضات تهدِّد بالفشل إذا لم تقم إسرائيل بتمديد فترة تجميد البناء في المستوطنات لمدة عشرة أشهر، والتي انتهت في السادس والعشرين من أيلول/ سبتمبر. والرئيس الفلسطيني محمود عباس لن يقرِّر إن كانت منظمة التحرير الفلسطينية ستستمر في إجراء المحادثات المباشرة مع إسرائيل إلاَّ بعد التشاور مع وزراء خارجية الدول العربية.

قامت البحرية الإسرائيلية بإيقاف سفينة المساعدات "ايرين"، التي كان معظم ركابها من اليهود وخمسة إسرائيليون يحملون مساعدات "رمزية" إلى مستشفى في قطاع غزة المحاصر. فكيف تنظر إلى هذا العمل؟

سري نسيبة: هذه بادرة جيِّدة جدًا تدل على أنَّ اليهود والإسرائيليين يظهرون دعمهم لأهالي غزة. وهذا عمل شجاع من جانب نشطاء السلام، وكلما كان هناك المزيد من مثل هذه المبادرات، كان ذلك أفضل، وذلك لأنَّ هذه المبادرات تشكِّل جسرًا بين أنصار السلام على جانبي الجدار الفاصل. وربَّما يمكننا بهذه الطريقة دفع القيادات على كلا الجانبين إلى اتِّفاق سلام.

هل يعتبر حصار غزة الطريق الصحيح لإضعاف حماس سياسيًا؟

نسيبة: لا، مع أنَّني ضدّ حماس. غير أنَّني أعتقد أنَّ موقف كلّ من الإسرائيليين والسلطة الفلسطينية وكذلك الولايات المتَّحدة الأمريكية والمجتمع الدولي إزاء حركة حماس كان خاطئًا منذ البداية. وهذا الموقف يكمن في عزل حماس وعدم الاعتراف بفوزها في الانتخابات. وهذا كلّه يؤثِّر ضدّ عملية السلام، إذ كان يجب الاعتراف بحكومة حماس، وكان يجب على السلطة الفلسطينية أن لا تحاول قطّ التحوّل إلى جزء من الحكومة. ولكن كونها فعلت ذلك، فقد أثَّر هذا تأثيرًا سلبيًا على السلطة الفلسطينية وعلى حركة فتح.

رفضت المحكمة العليا في إسرائيل مطالب الفلسطينيين بقطعة أرض كبيرة في حي الشيخ جرَّاح في القدس الشرقية. وقرار المحكمة هذا يمكِّن المستوطنين اليهود من الانتقال إلى عشرات المنازل التي يسكن فيها الآن أشخاص فلسطينيون. كما احتج بعض الناشطين اليهود على طرد ثلاث عائلات فلسطينية. لقد نشأت في حي الشيخ جرَّاح في القدس التي كانت في تلك الأيَّام مقسَّمة.

نسيبة: حدث ذلك بالقرب من منزل والدي. وأنا غير واثق مما إذا كان سيتم فهم عواقب هذه القضية. وفي الآونة الأخيرة تظاهر الكثيرون من الإسرائيليين هناك من أجل الأسر الفلسطينية. ولكن حسب علمي لقد تم شراء هذه المنطقة قبل فترة طويلة من قبل اليهود، وقد قام الأردنيون بعد حرب عام 1948 بتسليمها إلى وكالة الأمم المتَّحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا، حتى تبني هناك منازل للاجئين الفلسطينيين القادمين من القدس الغربية. وإذا كان يجب على الفلسطينيين مغادرة منازلهم لأنَّهم يعيشون في أملاك يهودية، فلا بدّ من حصولهم على منازلهم القديمة في القدس الغربية. والإسرائيليون اليساريون لا يريدون هذا، ولذلك فهم يتظاهرون حتى يُسمح للفلسطينيين بالبقاء في حي الشيخ جرَّاح، وهذا يمكن أن يكون تسوية جيِّدة.

زاد استئناف أعمال البناء في المستوطنات من حدة الضغط الفلسطيني الداخلي على الرئيس الفلسطيني محمود عباس، الذي دعا من جديد إلى وقف البناء في المستوطنات اليهودية وقفًا تامًا، ولكنه لم يشترط ذلك من أجل الاستمرار في المفاوضات مع إسرائيل وترك القرار لجامعة الدول العربية. فهل هذا القرار صائب؟

نسيبة: تزيد مواصلة البناء في المستوطنات من صعوبة التوصّل إلى حلّ الدولتين. وحتى أنَّ هذا هو أكبر خطر بالنسبة لتقسيم البلاد، مثلما كان المبعوث الأمريكي ميتشل محقًا في إدراك ذلك. ولكني مع ذلك لم أكن سأفضّل وضع موضوع وقف الاستيطان في المقدمة. فمن الواضح أنَّه لا يمكننا نظرًا إلى تاريخ المفاوضات أن نتوقَّع أن يقوم الإسرائيليون بتجميد كافة أعمال البناء في المستوطنات، قبل أن ندخل معهم في مفاوضات.

ماذا سيفعل آلاف الفلسطينيين الذين يعملون في بناء المنازل في المستوطنات اليهودية؟

نسيبة: عندما يدعو سياسي "ذكي" إلى ضرورة توقّف عمَّال البناء الفلسطينيين عن العمل في المستوطنات اليهودية، فيجب عليه أن يقدِّم لهم بديلاً. ففي آخر المطاف يجب أن يبقى هؤلاء الناس على قيد الحياة. من المفارقة أن يبدو حلّ الدولتين، أي إقامة دولة فلسطينية بشكل سلمي قادرة على الحياة بجانب دولة إسرائيل، أمرًا يزداد استبعاده، على الرغم من أنَّ الكثيرين من الإسرائيليين والفلسطينيين يؤيِّدونه.

لقد ذكرت أنَّ أسباب ذلك تعود إلى وجود المستوطنات اليهودية والجدار العازل الذي يفصل الضفة الغربية عن القدس الشرقية وقطاع غزة. فماذا تقترح كبديل؟

نسيبة: إذا فشلت محادثات السلام، فيجب علينا إيجاد حلّ مؤقت، وإلاَّ فأنا أخشى من وقوع كارثة. ولذلك فأنا أقترح أن يحصل جميع الفلسطينيين في الضفة الغربية وفي قطاع غزة على كافة الحقوق المدنية في إسرائيل، ولكن من دون حصولهم على حقوق سياسية. وهذا يعني أنَّهم يحصلون على حرية التنقّل داخل إسرائيل، حيث يكون بإمكانهم العمل والعيش والحصول على خدمات الضمان الصحي وتأمين العمل. وأنا لا أقترح أن نحصل على حقّ التصويت في الانتخابات البرلمانية في إسرائيل أو أن نقيم دولة ثنائية القومية. ولكن ربَّما تكون هذه فكرة جيِّدة من أجل تهدئة الوضع؛ حتى يستطيع الإسرائيليون والفلسطينيون الالتقاء، ويكونوا على هذا النحو مستعدين استعدادًا أفضل للتوصّل إلى حل الدولتين - إذا كانوا يرغبون في ذلك.

أنت تريد إذاً زيادة حقوق الفلسطينيين في القدس الشرقية. ولكن هل يعتبر هذا النموذج ناجحًا؟

نسيبة: لا، ولكنه على الأقل أفضل بكثير من نموذج غزة.

يعتبر الاتِّحاد الأوروبي أحد أكبر مموِّلي السلطة الفلسطينية. فكيف يمكن لبروكسل دفع عملية السلام إلى الأمام؟

نسيبة: إذا كان الأوروبيون يقدِّمون الدعم المالي للسلطة الفلسطينية، من أجل التشجيع على إقامة دولة فلسطينية، فيجب عليهم تحديد جدول زمني لمدة المفاوضات. ولكن إذا كانوا يفعلون ذلك من أجل تهدئة ضمائرهم المعذَّبة، فيجب عليهم التفكير في كيفية الاستمرار في تقديم الدعم. وربَّما سيكون من الأفضل دعم الفلسطينيين في إسرائيل أو الاستثمار في نظامنا التعليمي. ويجب أن يتحمّل الإسرائيليون وحدهم تكاليف البنية التحتية في الأراضي المحتلة.

تشكِّل قضية اللاجئين الفلسطينيين أحد العثرات في طريق التوصّل إلى اتِّفاق سلام نهائي. وفي مبادرة السلام التي أطلقتها مع رئيس المخابرات الإسرائيلي السابق، عامي أيالون في عام 2003، استبعدت عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى إسرائيل. ومع ذلك قام ربع مليون إسرائيلي ومائة وستين ألف فلسطيني بالتوقيع على وثيقتك المبدئية. فكيف تفسر هذا الدعم؟

نسيبة: سيكون من بين الأسس التي سيقوم عليها حلّ الدولتين أن يتخلى الفلسطينيون عن مطالبتهم بعودة لاجئيهم إلى إسرائيل. وبدلاً عن ذلك من المفترض حصولهم على تعويضات أو العودة إلى الدولة الفلسطينية، بالإضافة إلى احتمالات أخرى. ولكن مع ذلك يجب أن يكون هذا التنازل جزءًا من اتِّفاق شامل، وإلاَّ فلن يكون ساري المفعول. وأنا أفهم احتياجات الإسرائيليين، كما أنَّني مستعد للاهتمام بذلك، ولكن فقط إذا احترمت إسرائيل مقابل ذلك احتياجاتي.

أجرى الحوار: إيغال أفيدان
ترجمة: رائد الباش
مراجعة: هشام العدم
حقوق النشر: قنطرة 2010

قنطرة

حوار مع ساري نسيبة:
"القيم الإنسانية توحد والدينية تفرق"
يرى الفيلسوف الفلسطيني المعروف والحاصل على جائزة ليو-كوبليف للسلام ساري نسيبة أن حق العودة مجرد وهم لا يتماشى ومعطيات الواقع، مؤكدا رفضه عسكرة الانتفاضة كونها ألحقت الضرر بالمصالح العليا للشعب الفلسطيني. مهند حامد وأدهم المناصرة حاورا البروفيسور ساري نسيبة حول مستقبل عملية السلام الشرق أوسطية وآليات تفعيل الحوار بين الأديان والثقافات.

السيرة الذاتية لساري نسيبة:
"كان لي موطن اسمه فلسطين"
تشكل سيرة "كان لي موطن اسمه فلسطين" لساري نسيبة تعبيرا عن فضاءات حالمة تتنقل بين الذاكرة المكانية والزمانية في فصول من الأحداث السياسية والمحطات التاريخية التي تشكل نقاطا مفصلية في تجسيد الحالة الفلسطينية بكل مدخلاتها وانعطافاتها. أندرياس بفلتش في عرض لهذه السيرة.

جوائز وقادة:
العناد والشجاعة
منح منتدى ليف كوبيليف في كولونيا جائزة السلام وحقوق الإنسان إلى الفلسطيني سري نسيبة والإسرائيلي أوري أفنيري. أولريكه فيسترينغ تعرّف بناشط السلام الإسرائيلي.