الله لا يحب المسرفين...حماية بيئية بآيات قرآنية
السيد فضلون خالد، كل ثلاث سنوات يزور حوالي عشرة ملايين من الهندوس مهرجان كومبه ميلا، ثم يأخذون بعد ذلك حماما في نهر الغانج. وكل عام يذهب أكثر من ثلاثة ملايين مسلم إلى الحج في مكة المكرمة في المملكة العربية السعودية. وهناك بعض الأديان تحث المؤمنين على إنجاب عدد كبير من الأطفال. مع كل الاحترام الواجب حيال جميع الأديان، ألا يبدو أنه ليس هناك انسجام أو توافق كبير، بين حياة المرء بشكل يراعي صحة البيئة وبين كونه متدينا؟ ما هو رأيكم؟
فضلون خالد: التقاليد الدينية موجودة منذ وقت طويل، وهي كانت هناك قبل العصر الحديث وقبل الثورة الصناعية. لا يوجد أي دليل على أن الحج يساهم أو يتسبب في التلوث العالمي، أو أنه يرفع من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون. ما يفعله الناس اليوم، هو ما كان أسلافهم يمارسونه منذ قرون، والفرق الوحيد يكمن في أننا نعيش الآن في عصر، كل شيء فيه أصبح له أبعاد كبيرة، كالنقل والاتصالات وغيرها. لذا أصبح الملايين يحجون إلى أماكن مثل مكة المكرمة وغيرها.
وعندما يتواجد هذا العدد الكبير من الناس في مساحة صغيرة خلال فترة قصيرة من الزمن، عندها يجب البحث لمعرفة مدى العبء الذي يقع على البيئة. لكن رحلات الحج هذه لن يكون لها أي تأثير على البيئة على المدى الطويل. الآن يدور النقاش عما إذا كان من الضروري الاتجاه للحد من عدد رحلات الحج للشخص الواحد، وتحديدها برحلة واحدة في العمر،لكن ذلك سيسبب تعقيدات إدارية فقط. من جانب آخر، ما هو موقف المجتمع من السياحة الجماعية وهي قطاع ينمو بقوة؟ وما هو أثر سفر الملايين من الناس لقضاء عطلاتهم في المواقع الحساسة بيئيا في أنحاء العالم المختلفة؟ إن تأثير ذلك على البيئة يفوق بكثير تأثير الحج.
هدفكم هو أن يسهم دينكم، أي الإسلام، على المساعدة بشكل فعال في حماية العالم. كيف يمكن أن يتحقق ذلك؟ هل ورد في القرآن أن على المؤمنين عدم تدمير الطبيعة وأن عليهم العمل بشكل فعال للحفاظ على البيئة؟
فضلون خالد: القرآن يتضمن المبادئ الأخلاقية الأساسية وهي تفسر عبر سلوك النبي. على سبيل المثال، يقول القرآن بشكل قاطع في السورة رقم 6 (سورة الأنعام) الآية 141 " وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ". وقد تجلى فهم النبي لهذه الآية عن على النحو التالي: قام النبي بتوبيخ أحد أصحابه، وذلك لقيامه بسكب الماء الذي تبقى بعد إتمامه الوضوء. حينئذ قال له النبي: إنه كان عليه صب الماء الزائد مرة أخرى في النهر، من أجل أن يتسنى استخدامه لغيره من الناس ممن هم في حاجة إليه.
أسستم في عام 1994 المؤسسة الإسلامية للبيئة والعلوم البيئية، التي تعرف اختصارا بـ IFEES.ولكن قبل ذلك، كنتم تعملون في وزارة الداخلية البريطانية ما الذي جعلكم تقررون ترك عملكم في السياسة، والعمل في مجال البيئة مع التركيز على الدين؟
فضلون خالد: إنها قصة طويلة، لأنه لا يوجد لحظة واحدة بعينها دفعتني إلى ذلك، لكني سأروي القصة باختصار. ولدتُ عام 1932 في سريلانكا وجئت إلى بريطانيا عام 1953 للانضمام إلى سلاح الجو الملكي. كنت أرغب كثيرا في أن أصبح مهندس طيران. في عام 1962 تركت سلاح الجو الملكي ودخلت في منازعات عمل مع إدارة تفتقر إلى الحساسية حيال المهاجرين الجدد.
هذه الأنشطة جعلتني مسيسا، لذلك قررت أن أتخلى عن مهنة الهندسة المحببة إلى قلبي، والعمل في مهنة أخرى أخدم من خلالها الآخرين. عملت لفترة قصيرة فقط في الجامعة كأخصائي اجتماعي. في عام 1968، تم توظيفي من قبل مجلس العلاقات العرقية Race Relations Board ، والذي تحول في وقت لاحق إلى لجنة المساواة العرقية. تجربتي هناك جعلتني أكثر اهتماماً بالسياسة.
وأعتقد الآن أن القضايا المتعلقة بالفقر والعرق والدين في العالم النامي لها أصل مشترك، ألا وهو هيمنة السياسة.في الوقت نفسه، بدأت في المشاركة في المؤتمرات التي تعقدها المنظمات البيئية مثل WWF . في إحدى هذه الاجتماعات في أوائل عام 1980، سُئِلتُ عما يقوله الإسلام عن البيئة؟ لم يكن لدي أي جواب. ولكنني اهتممت كثيرا بإيجاد إجابة على هذا السؤال، وقادني الطريق إلى علماء القرآن وفقهاء الإسلام، إلا أن أيا منهم لم يتمكن من أن يعطيني إجابة مُرْضِيَة تتناسب مع متطلبات العصر. وهكذا استقلتُ من وظيفتي في الوزارة وكان عمري آنذاك 58 عاما، وبدأت أبحاثي في الجامعة حول الأسس الموجودة في الإسلام للعلوم البيئية وحماية البيئة. في عام 1994 تأسست المؤسسة الإسلامية للبيئة والعلوم البيئيةIFEES وعبر هذه المنظمة البيئية، نقود على سبيل المثال البرامج الرامية إلى إعادة التشجير مع طلاب المدارس الدينية في إندونيسيا.
وهل قامت منظمة IFEESأيضا بمشاريع هناك في بلدكم الأصلي سريلانكا؟
فضلون خالد: نظمنا مرة واحدة ورشة صغيرة، ولكننا لم ننفذ مشاريع هناك. إلا أن تلك التجربة التي خضتها شخصيا في بلدي الأصلي، مهمة للغاية بالنسبة لي، فقد كان ذلك عندما بدأ وعيي البيئي بالتشكل، وقمت آنذاك بزيارة أحد إخوتي الذي ما زال يعيش في سريلانكا.
أخذني أخي إلى إحدى مزارع الشاي في الجبال. فكرت حينها: "كل الشاي الذي نشربه في العالم، يأتي من تلك المنطقة التي (تصحّر أجزاء منها بفعل التغير المناخي بعد أن) كانت تغطيها ذات يوم غابات مطيرة بكر. فكيف بإمكان الإنسان فعل ذلك؟". بطبيعة الحال، فإن اقتصاد سريلانكا قد تغير إلى الأفضل، والشاي يعد الآن مصدرا جيدا للعملة الصعبة، ولكن علينا أن نفكر في أن العولمة لها تأثير عميق على البيئة الطبيعية.
إن أكبر نجاح حققته مؤسستكم حتى الآن على جزيرة زنجبار بشرق إفريقيا. هل يمكنكم تسليط الضوء على تلك التجربة؟
فضلون خالد: في عام 1999 تلقيت مكالمة من منظمة كير CARE الدولية في زنجبار، إذ عجز الصيادون عن إطعام أسرهم بسبب عدم وجود ما يكفي من الأسماك للجميع، وذلك بسبب الصيد الجائر وإهدار الموارد. ولجأ الصيادون إلى استخدام الديناميت في الشعاب المرجانية للحصول على بعض الأسماك القليلة من هناك، فذهبنا إلى الجزيرة ونظمنا ورشة عمل على مدى يومين، قمنا خلالها بالاستعانة بالقرآن. في غضون 48 ساعة، حققنا ما أخفقت المنظمات الدولية في تحقيقه في أربع سنوات، وهي وقف الصيادين عن صيد السمك باستخدام الديناميت في الشعاب المرجانية.
ما هو بالضبط الذي دفع الصيادين إلى تغيير رأيهم؟
فضلون خالد: أحد الصيادين قال لي: "يجب أن نطيع قوانين الخالق، لأنها جزء من الخلق، ولكننا غير ملزمين بالانصياع لقوانين الحكومة. بالطبع نحن لا نشجع أي شخص على خرق القانون، ولكن دروس القرآن يمكن أن تؤثر بسرعة وبقوة على الإنسان.
إذاً فشعب زنجبار يمكن إقناعه بشكل أفضل وأسهل بالحجج الدينية أكثر من الأسباب العقلانية. ماذا عن الأديان الأخرى؟ هل تحض أيضا على حماية البيئة كما هو الحال مع الإسلام؟ وبتعبير آخر: من يملك أدوات أكثر فعالية لجعل المؤمنين يحافظون على البيئة؟
فضلون خالد: إليك هذا التشبيه المجازي: إذا كان أناس من مختلف الأديان يجلسون في غرفة واحدة، وسقفها يوشك أن ينهار على رؤوسهم. هل سيقول أحدهم للآخر: "أنت كاثوليكي أو هندوسي، لذلك ليس من شأني ما يحدث؟" إننا جميعا نعيش على كوكب واحد، وليس لنا مفر خارجه. لذا نحن بحاجة إلى الحديث معا والعمل يدا بيد. في عام 1995 كنت في اليابان حيث ترأست مؤتمرا حول الأديان والأراضي والحفاظ على الطبيعة. تسع ديانات مختلفة كانت ممثَّلة في ذلك المؤتمر وقد توصلنا في ختامه إلى عشر نقاط مشتركة بيننا جميعا: على سبيل المثال، أنه لا توجد مشكلة بالنسبة لنا على الاتفاق بأن جميع تقاليدنا تحض على رعاية الأرض والحفاظ عليها. ولعل هذا أمر في غاية الوضوح، ولكننا لا نظهره بجلاء من خلال الممارسة العملية.
بلغتَ الآن الثمانين من العمر، ومازلتَ تواصل العمل من أجل التعريف بموضوع حماية البيئة في الإسلام. حماسك لا يزال كبيراً جداً. من أين تستمد الطاقة اللازمة لإنجاز عملك؟
فضلون خالد: لا أعرف حقيقة. ربما لأنني كنت ملزما كمتدين بوضع جبيني على الأرض خمس مرات في اليوم، وأعني هنا أن الصلاة منحتني القوة. وربما يمدني بالطاقة كذلك أحفادي السبعة الذين أحبهم كثيرا. لقد عشت على كوكب أخضر رائع، وأريد أن أتركه في حالة أفضل مما وجدته عليها. أفكر فيما سأتركه لأولادي وأحفادي؟ هذا هو السؤال الذي إذا أجبنا عليه بصدق، يمكن له أن يجعل كل منا ناشطا في مجال الحفاظ على البيئة.
وبالتأكيد، فإن هذا لا يقع ضمن الواجبات الدينية بشكل مباشر، وإنما يعتبر من المصلحة العامة، وقد قال الله في كتابه في الآية 4 من السورة رقم 57 من القرآن الكريم ما معناه أن خلق السماوات والأرض أكبر من خلق البشرية. هذا هو الواقع، على الرغم من أن الله أعطانا نحن البشر مكانة خاصة حين منحنا نعمة العقل. لكن يجب علينا أن ندرك أمرا مهما: كل شيء نقوم به، يترك تأثيرا على الناس وعلى الأشياء الأخرى. وإذا قمت مثلا هنا في إنكلترا بقطع شجرة، فسيشعر بآثار ذلك من يعيش في ألمانيا.
أو إذا غرس شخص ما شجرة في الصين، فسيستفيد منها من يعيش في أوروبا. نحن في حاجة إلى تغيير نمط حياتنا، وذلك لأن آثار الحياة العصرية عالمية وهي في الوقت ذاته قاتلة. نحن في حاجة إلى خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالية، وإلى تقليل الاستهلاك، كما يجب علينا ألا نسافر كثيرا. وإذا ما واصلنا نمط حياتنا كالمعتاد، فهذا سيكون له عواقبه، إذ سيكون ذلك شكلا من أشكال الانتحار الجماعي.
حاورته: فرانتسيسكا بادنشير
ترجمة: نهلة طاهر
تحرير: سمر كرم
حقوق النشر: دويتشه فيله 2013