"تفجير الاسكندرية سيغير وجه مصر "

في البداية كيف تنظر للأحداث الأخيرة المتعلقة بالهجوم على كنيسة القديسيين بالإسكندرية في احتفالات بدء العام الجديد؟]
شمعي أسعد: هذه الأحداث خطيرة للغاية لأنها تمثل نقلة نوعية في شكل الأحداث الطائفية التي حدثت في مصر مؤخرا، فهذه الكنيسة نفسها في الإسكندرية تعرض فيها أقباط قبل ثلاث سنوات لاعتداء باستخدام السكين، ثم توالت الأحداث بعد ذلك حتى حادث نجع حمادي في صعيد مصر أثناء احتفالات الأقباط العام الماضي واستخدم فيها المهاجمون رشاشات آلية والآن في حادث الإسكندرية ليلة رأس السنة الهجوم بقنبلة، أى أن الأمر تطور من سكين إلى رشاش إلى قنابل تفجيرية، والسؤال الذي يطرح نفسه الآن هو ماذا ننتظر المرة المقبلة "صواريخ"؟!.
فما يرعبني ليس الحادث في حد ذاته فقط، بل أيضا الوسيلة التي تطورت وأصبحت قاسية ومخيفة للغاية، وأنا أعتقد أن هذا الهجوم سيغير وجه مصر ويخلق مرحلة جديدة مرعبة بعده وأشبهها بالمرحلة الجديدة التي أعقبت حادث تفجير برجي مركز التجارة العالمي بالولايات المتحدة. فالأمور ضبابية والمستقبل مجهول ولكنه يتجه نحو الأسواء وخاصة أنني في دولة لا تقوم بحمايتي كقبطي ولم تأخذ تهديدات تنظيم القاعدة الأخيرة ضد كنائس مصر على محمل الجد، فلا يوجد عذر للدولة المصرية في هذا الحادث بالتحديد لأنها لم تفاجىء بالأمر، بل كانت التهديدات واضحة وعلنية، ولكنها تعاملت معها باستخفاف.
إذاً أنت مع التفسيرات التي تذهب إلى أن المتهم أطراف خارجية مثل تنظيم القاعدة؟
أسعد: في الحقيقة ليست الأطراف الخارجية وحدها المتهمة، ولكن حتى إذا كانت الضربة من الخارج، فلن تتم سوى بمساعدة صديق من الداخل وعلى الأرجح طبعا أن هذا الصديق مصري مشبع بالأفكار المغلوطة والمتطرفة التي تساهل معها المجتمع وأوصلت الحال إلى ما هو عليه الآن.
فالمتهم أيضا التربة الصالحة حاليا في مصر لحدوث مثل هذه الجرائم، وقد تحدثت في كتابي عن هذه التفاصيل اليومية الصغيرة التي تنثر بذورها يوميا في التربة والتي تحكم علاقة المسلم بالمسيحي ومنها الصور النمطية الشائعة والغريبة لدى المسلم بأن القبطي رائحته سيئة أو ما يطلق عليه من أنه "عضمة زرقاء" أو فكرة أن الكنائس تمتلىء بالأسلحة والذخيرة وهناك أسود ونمور بالأديرة يتم إطلاقها على القبطيات اللواتي يعلن إسلامهن.
ومن قام بقتل وترويع هؤلاء الأطفال والنساء والرجال الذين كانوا يصلون ويدعون ربهم في كنيسة القديسيين مشبع بهذه الأفكار التي يضاف إليها اعتقاده أيضا أن القبطي داخل الكنيسة عندما ستدق الساعة الثانية عشرة سيقوم بتقبيل الفتاة التي تجلس بجانبه، ولذلك فهم اعتبرهم أعداءه. ففي كتابي رصدت التفاصيل اليومية التي تحكم العلاقة دون حتى أن يدركها من يمارسها وليس عن أحداث بعينها مثل أحداث قرية الكشح في صعيد مصر أو نجع حمادي أو غيرهم، بل عن التفاصيل التي تنتج هذه الأحداث وتسبب كل هذا البلاء.
إذاً كتابك "حارة النصارى" موجه للقارىء المسلم مثلما كتبت في بدايته؟
أسعد: نعم ففي المقدمة كتبت "إذا كانوا قد قالوا لك إن المسيحيين ريحتهم وحشة حتى أقنعوك، وإذا كان أحدهم قد أخبرك بيقين أن الأديرة تعج بالأسود والنمور لتأديب المرتدين عن المسيحية وصدّقت أنت ذلك، وإذا كانوا قد رددوا كثيرًا على مسمعك أن الكنائس لم تعد كنائس بل صارت مخازن أسلحة وذخيرة حتى صرت تنزعج من وجود الكنائس، إذا كنت صدقت أن "الأقباط خونة"، أو أن رجال الدين المسيحي يلبسون ملابس الحداد حزنًا على وجودك أنت شخصيًا.... فهذا الكتاب لك".
وبالطبع أنا استهدف القارىء المسلم بهدف أن يتعرف علينا والذي يكرهني أقول له أنا لا أستحق ذلك وهذه هي الحقائق وخاصة أن الاعلام التلفزيوني الرسمي لا تيتح مساحات للأقباط للتحدث عن أنفسهن وحقائق عقيدتهم، وخاصة أنه حتى المثقفين المسلمين لا يعرفون عن الدين المسيحي الكثير وهناك بعض الصحف الحكومية تجهل وتخلط حتى بين أسماء بعض الأعياد القبطية.
وكيف ترى الآن سبل وامكانيات ردم هذه الفجوة، هل سيظل الأمر يحل بقبلات شيخ الأزهر و بابا الكنيسة؟ وهل الهجرة للخارج كما يتردد حلا؟
أسعد: لا لم يعد الأمر بهذه الرومانسية، فقبل الحادث كنت أطالب في كتابي بمزيد من التفاهم والتسامح وقبول الآخر وكنت أطلب من المسلم أن يقبلني، أما الآن أطلب منه أن يمد يده لأنه يمثل الأغلبية لإخراج القبطي من عزلته ولحمايته والمساهمة في إشعاره بالأمان، فالآن لم يعد التدخل الأمني أو الدولة قادرين على حماية الأقباط وفقدنا الثقة في الدولة ولكن لم نفقد الثقة في المجتمع الذي يضمنا مع المسلمين والذي اخرج مبادرات مثل "معا نصلي" في الاحتفالات هذا الأسبوع. وما أرغب فيه أن يكف المسلمين عن عمل تسويق للإسلام لأنني لا أتهم ولا أهتم الآن بأي ديانة، بل أهتم فقط بأن اشعر بالأمان، ففي ظل ما يحدث لا أهتم بالاديان بل بالإنسان. أما بالنسبة لفكرة الهجرة فهي حلول لحظية عندما يشعر الإنسان بالخطر في بلده .
وهل مازالت تحذر كما في جاء في عنوانك الفرعي للكتاب "قبل أن ينكمش الأقباط ويصبح كل ما لهم في هذا الوطن..حارة "؟.
أسعد: الآن ربما أغير العنوان وأقول " قبل أن ينفجر في وجه الأقباط مزيد من القنابل ويصبح كل ما لهم في الوطن حارة".
أجرت الحوار: نيللي يوسف
مراجعة: هشام العدم
حقوق النشر: قنطرة 2010
ولد الكاتب والمدون القبطي شمعي أسعد عام 1970 ويعيش في مدينة الإسكندرية ويعمل مهندسا بتكنولوجيا المعلومات وله العديد من الكتابات المختلفة وصاحب مدونة بعنوان "قصاقيص ورق"، وطبع كتابه "حارة النصارى" عام 2010.
قنطرة
مصير المسيحيين في العالم العربي:
مواطنون أصلاء لا دخلاء
مع تجدد الاعتداءات الإرهابية ضد مسيحيي الشرق والتي كان آخرها تفجير كنيسة الاسكندرية يرى حسني عبيدي، مدير مركز الدراسات والبحوث حول العالم العربي والمتوسط في جنيف، أن مصير المسيحيين في الشرق الأوسط مرتبط بمصير العالم العربي ككل، مؤكدا أن المسيحيين ليسوا أقلية دينية جرى استيرادها من الخارج، بل هم جزء لا يتجزأ من نسيج المنطقة وتاريخها.
تفجير كنيسة الاسكندرية:
من المسؤول ومن المستفيد؟
بعد يوم من التفجيرات التي استهدفت أقباطا مصريين بعد خروجهم من كنيسة القديسين في الاسكندرية، سيطرت حالة من الصدمة والغضب والألم على المسلمين والأقباط على السواء في العاصمة الثانية لمصر. هاني درويش من الاسكندرية في حديث مع مواطنين مصريين عن هذا العمل الإرهابي ودوافعه.
الاحتقان الطائفي في مصر:
الإقصاء الديني في مواجهة المواطنة
يرى عمرو حمزاوي، كبير الباحثين في معهد كارينغي للسلام العالمي، في مقالته الآتية أنه لابد من مواجهة ظاهرة الإقصاء الديني المنتشرة في مصر من خلال تحرك الدولة لمعالجة ظواهر الاحتقان الطائفي لخلق بيئية مجتمعية تقوم على تعزيز حقوق المواطنة وتفعيل مؤسسات المجتمع المدني.