"الاندماج نتاج التسامح والمسالمة"

في حوار مع راعي "المؤتمر الإسلامي-الألماني" الذي يتمحور حول إضفاء الطابع المؤسساتي على الإسلام ودمجه في ألمانيا يتحدث وزير الداخلية الألماني، فولفغانغ شويبله عن عملية اندماج المسلمين في النظام القيمي الذي ينص عليه الدستور الألماني وكيفية تعزيز آليات التسامح بين الأديان والثقافات.

​​السيد الوزير، هل شاهدتم فيلم "فتنة" الذي أنتجه "فيلديرز" عضو البرلمان الهولندي؟

فولفغانغ شويبله: كلا. لكن بعد كل ما قرأته عنه يبدو أن الأمر يتعلق بعملٍ مشين.

تم نشر هذا الفيلم على الإنترنت، ولا يحتاج صانعه إلى عرضه في صالات السينما. وعبّرتم عن رأيكم بخصوص ديناميكية خاصة للصور في سياق حديثكم عن قضية الرسوم الكاريكاتورية الخلافية قائلين: هناك جنوح نحو التطرف والتعبئة الآلية الكامنة في أسلوب الصحافة الإخبارية الذي رسخته القناة الإخبارية الأمريكية سي إن إن، والذي تنقله قناة الجزيرة إلى العالم العربي. بحسب معرفتكم بالفيلم الذي صنعه "فيلديرز"، هل تظنون أنه ستَظهر لغة بصرية مماثلة لها ديناميكية خاصة مريبة على الطرف النقيض للطرف المنتقد للإسلام؟

شويبله: لا أستسيغ ما يفعله هذا الرجل في هولندا. عمله المشين ليس أفضل من الأعمال المشينة التي يقوم بها الممسكون بزمام الأمور في "شبكة الإسلامويين" ضد العالم الغربي. شاهدت قبل بضع سنوات بعض الأعمال المعادية للساميّة التي انتشرت في الإنترنت عن طريق هذه المجوعات الإرهابية.

لدينا في ألمانيا تاريخ مديد من الأعمال المعادية للساميّة الحقيرة والوضيعة. هذا العمل على نفس المستوى ويستحق ذات الاحتقار. طريقة الاستفزاز التي يتبعها هذا الهولندي ليميّز نفسه تتناقض مع مفاهيم الديمقراطية الأساسية، لكن نظامنا الديمقراطي يؤكد على حرية التعبير ولا يمكننا أن نمنع ذلك. تناقشت مطولاً مع نظيري الهولندي عن حرجهفي هذا الموضوع، وقد أعرب عن رغبته الشديدة في منع الفيلم لكنه لا يستطيع ذلك. لا بد من تحمُّل ذلك، ولا بد من أن يعرف الجميع أن علينا أن نتحمل ذلك، لكن هذا لا يجعل المسألة مستساغة. وأنا لا زلت عند هذا الرأي.

يعمم "فيلديرز" من خلال تركيب الصور مقولات عن الإسلام، حيث يقتبس آيات من القرآن ثم يُلحقها بصور لأفعال مريبة. شاهدنا صور تحريض دعائي كهذه في كل الصراعات الدينية ذات الطابع الحربي في التاريخ المعاصر. أنتم تراقبون الإنترنت في سياق سياسة درء الخطر، لكن شروط تشكيل الرأي العام اليوم، تكمن في انتشار المعلومات في العالم بسرعة البرق، حيث يكاد السيطرة عليها. بوصفكم المبادر لعقد "المؤتمر الإسلامي-الألماني" تراهنون على الحوار وبذلك على الزمن والصبر والأصوات الأخرى. وقد عقدتم المؤتمر في ظل رأي عام منشغل ومستثار باستمرار. كيف تنظرون إلى هذا الوضع؟

شويبله: هذا أحد الشروط الإطارية لحياتنا في القرن الحادي والعشرين ولا بد للمسلمين الذين يعيشون في هذا العالم الحديث من أن يتصالحوا باسم الله مع العالم الحديث. هم يستفيدون من هذا العالم. وكثيرٌ ممن يحاربون العالم الغربي الحديث يستفيدون منه. المسافة التي على الإسلام أن يقطعها ليصل إلى العالم الحديث أطول من المسافة التي على المسيحية أن تقطعها. فالمسيحية خلفت تاريخها في أوروبا إلى حد ما ورائها، إذ يمكن للمرء أن يغدو أكثر ذكاءً من خلال التجربة.

​يعتبر كمون التطرف عبر التوفر الدائم للمعلومات جزءا من العالم الحديث، وبما أن الإنترنت قد أصبح جزءا من حياتنا بسرعة خاطفة، يمكننا أن نتصور طبيعة التطور الذي سيحصل في الأعوام القادمة. وهذا الأمر واحد من أكبر التحديات التي تواجه عصرنا بغض النظر عن الدين. لا بد من السعي لعدم الانجرار إلى التطرف، ولا حتى في عملية الفعل ورد الفعل أو الاستفزاز والاستفزاز المضاد. يجب أن نراهن على كل الأطراف وأن نؤثر على جميع الناس كي لا ينتجوا أفعالاً مشينةً كهذه.

جمعتم خبرةً على مدى قرابة عامين من خلال "المؤتمر الإسلامي-الألماني" بوصفه أداةً لاندماج المسلمين في ألمانيا كما أعلنتم منذ البدايات المبكرة. وجاءت ردودٌ من الرأي العام بالطبع عقب اجتماعات المؤتمر الموسعة الثلاثة، ولا بد أنكم قستم مدى نجاحكم وكذلك مستوى تقدمكم المزمع بناؤه على هذه الردود. ألا تخشون من أن ديناميكية صياغة الرأي العام لصورة "الإسلام" أصبحت تثبِّت صورا سلبية، بحيث أن نهج المشاورات المعمقة والنتائج المصوغة خطوة بخطوة وبشكلٍ مشترك لم تعد تواكب سرعة تثبيت هذه الصور لدى الرأي العام؟

شويبله: نعرف من خلال البحوث التي تجرى على الدماغ أن الإثارة الشديدة تقصي الإثارة الأضعف. بالطبع هناك خطر يكمن في أن تؤثر مقولات أحادية الجانب كالتي يعممها رالف غيوردانو على سبيل المثال في دمغ صورةٍ عن الإسلام بشكل أقوى مما تفعله المنشورات التي تسعى لإيصال المعلومة المعرفية. لكن بوسع المرء أن يرسم أيضاً صورةً سلبية للمسيحيين وللدين المسيحي على النحو الذي يفعله هذا الهولندي، فهناك أيضاً أصوليون في المسيحية. علينا أن نبذل كل ما في وسعنا من أجل الوصول إلى صورة واقعية. والتعارف المتبادل هو أفضل السبل إلى ذلك، فهناك حيث يعيش الناس مع بعضهم بعضا لا يحقق المتطرفون الذين يريدون إحداث الشقيقة عبر المواجهات أي نجاحات.

كما نعلم أن الشعارات المعادية للأجانب ناجحة، حيث لا وجود لتجربةٍ في العيش المشترك مع مواطنين من أصولٍ أجنبية. صديقي القديم لويس يونغ وهو سناتور سابق في الإلزاس الأدنى خاض تجربةً مماثلةً قبل عشرين عاماً في بلديته الصغيرة "هارزكيرشن"، حيث شغل منصب العمدة على مدى عدة عقود. حصل لو بان في "هارزكيرشن" على أكثر من عشرين بالمائة من الأصوات، الأمر الذي سبب الاستياء الشديد لصديقي الذي قال لي: "أتعلم، أنا أعرف أهالي القرية التي يقطنها ثمانمائة مواطن حق المعرفة، سألتهم لماذا انتخبتم لو بان؟ وكان الجواب: بسبب الأجانب. لا يوجد لدينا أجانب في قريتنا". هكذا تجري الأمور. وهكذا نستبين الترابط بين عناصر الحلقة.

الاندماج، أي العيش المشترك هو شرط التسامح والمسالمة. لذا كان علينا أن نقول مع كامل احترامنا للسيد أردوغان: إننا نرحب بالمواطنين الأتراك أو الذين ينحدرون من أصولٍ تركية، لكننا نريد منهم عندما يعزمون على العيش هنا أن يعيشوا معنا وليس إلى جانبنا.

أتحدث أحياناً عن تجربتي الذاتية، انحدر من مدينة هومبيرغ الصغيرة الواقعة في الغابة السوداء، حيث عايش والديّ ذات يوم حدث انتقال عائلات تركية للسكن في أحد المساكن التابعة لإحدى الشركات الكبرى الموجودة في المنطقة والمجاورة لمنزلهما. تبادر من والدتي موقفا رافضاً في البداية، لكن بعدما سكن الناس هناك لبضعة أيام قالت لي على الهاتف: "لا يمكنك أن تتصور مدى لطف هؤلاء الناس"! إذن القرب والتواصل يقوضان الأحكام المسبقة. وهذا ينسحب أيضاً على ممثلي المسلمين في حوارهم فيما بينهم. الخلاف هو الخطوة الأولى نحو دستور اجتماعي منفتح. من هنا تجدني راضيا عن " المؤتمر الإسلامي-الألماني"، حيث تأخذ خلافاتنا طابعاً حضارياً للغاية.

يقطن رالف غيوردانو في مدينة كولونيا، حيث يعيش عدد كبير من الأتراك. وهو يؤسس مواقفه المتطرفة في تشكيكها بجدوى الاندماج التي تواجهونها على مقولات تتعلق بالفقه الإسلامي. هناك ما يسمى بمفهوم "التقية" لدى المسلمين الذي يسمح لهم بأن يُظهروا غير ما يُبطنوا أمام غير المسلمين، من هنا لا يمكن عقد اتفاقيات ملزمة مع المسلمين تتعلق بقضايا سياسية حساسة، كما لا مكان للخلاف العقلاني معهم. كيف كانت تجربتكم وتجربة موظفيكم في المشاورات التي حصلت في أثناء " المؤتمر الإسلامي-الألماني "؟ وهل عشتم لحظات بين الفينة والأخرى ساوركم الشك فيها بمصداقية ممثلي الاتحادات والروابط الإسلامية وباستعدادهم لخوض الحوار؟

شويبله: كلا. المسلمون بالمناسبة ليسوا أفضل أو أسوأ من غيرهم من البشر. أما السؤال عما إذا كان بوسعنا أن نصدقهم أم لا وإذا كانوا يُظهرون غير ما يُبطنون فيبدو لي سؤالاً نعرفه في سياق آخر سلبي. عُدْ في التاريخ الألماني بضع مئات من السنين إلى الوراء أو لا داعي للعودة كثيراً إلى الوراء، عد إلى بواكير فترة ما بعد الحرب، إلى الحقبة التي تأسس خلالها الحزب الذي أنتمي إليه- الحزب المسيحي الديمقراطي. كان أبي آنذاك كاثوليكياً لكنه تزوج كما هو معلوم من امرأةٍ بروتستانتية، وتحمَّل كافة التبعات التي نشأت عن ذلك. فقد دفع هذا الزواج رئيس الأساقفة للاحتجاج رسمياً على ترشيح شخصٍ كوالدي لمنصب العمدة على قائمة حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي. لم يحصل ذلك في القرن السابع أو الثامن عشر بل بعد الحرب العالمية الثانية، ونجد ذلك موثقاً في تأريخ الاتحاد المسيحي الديمقراطي في جنوب بادن. أي أن الأمر لا يبعد كثيراً عن يومنا هذا.

​​لدينا باحثون مرموقون في الإسلام في بلادنا ومع احترامنا لا ينتمي السيد رالف غيوردانو لهؤلاء. الباحثون يقولون إن الكلام عن أن المسلمين يظهرون غير ما يبطنون خرافة. كما أن تجربتنا الملموسة في "المؤتمر الإسلامي-الألماني" تتناقض مع هذا الكلام. وبالمناسبة، المسيحيون لا يقولون دائماً الحقيقة. كما تعلم نسمع في "مأساة متّى" أن الديك صاح ثلاث مرات، لهذا السبب يضع أتباع المذهب البروتستانتي ديكاً معدنياً رقيقاً يتحرك بحسب الريح على أبراج كنائسهم بغية التذكير بأن الإنسان يتغير مع تبدل أحوال الطقس. هكذا هي الحياة، نحن في النهاية بشر ولذا نحتاج للخلاص كما تعلم.

يذكرنا موضوع "التقية" بقصة اليسوعيين. وقد أُبعد هؤلاء عن ألمانيا قبل وقت قصيرٍ لأن اعتقاداً كان يسود بأنهم يظهرون غير ما يبطنون. كما اتُهم اليهود بذلك أيضاً.

شويبله: لأننا جميعنا خضنا هذه التجربة تحديداً ولأن للألمان حصة مميزة في هذا التاريخ، أرى أنه من شأننا أن نكون قد أصبحنا اليوم أكثر حكمةً في الواقع. لنقل بعبارات خالية من اللؤم: علينا أن نتوقف عن الإصغاء إلى حماقات كهذه عندما يتعلق الأمر بالإسلام. تجد دائماً الصالح والطالح. ليس كل أهل التبت على ما يرام مثلاً، رغم ذلك أعتقد أن الحكومة الصينية غير محقة عندما تسعى للمماثلة بين الدلاي لاما وبن لادن. هذا هراء.

كان للديمقراطية المسيحية دور ريادي عبر الطريق الطويل الذي سلكته المسيحية في سعيها للوصول إلى علاقةٍ مسالمةٍ مع الحداثة، حيث كان على الجانب الكاثوليكي تجريب أشكال تنظيمية حديثة والتحرر التدريجي من التوجيهات الكنسية لتعليم الدين المسيحي، تلاه على الجانب البروتستانتي التخلي عن دولة الكنيسة الوطنية. مع الحذر عند إجراء مقارنة كهذه: هل لديكم الانطباع بأنه هناك ما يدفعنا للاعتقاد بأن ثمة توجهاً لدى أردوغان وحزبه (بهذا المعنى السوسيولوجي) نحو ديمقراطية إسلامية، وإلى تحديث ذاتي جدلي مشابه؟

شويبله: على أي حال، لا يوجد حتى الآن ما يتعارض مع الأمل بأن الأمر كذلك أو من شأنه أن يكون كذلك. اتهم كثيرون حزب العدالة والتنمية (AKP) بأنه ذئب في جلد حمل وديع، لكن أردوغان وحزبه لم يفعلا ما يؤكد هذا التهمة. بالمناسبة، إن عدم تصوّرنا لإمكانية أن يقدم أحد ما في ألمانيا على تقديم طلب لحظر حزب المستشارة الألمانية ولأن تقبل المحكمة الدستورية أن تبحث في هذا الطلب يُظهر مدى غرابة الأوضاع التركية بالنسبة لنا. لذا لا بد من فهم تاريخ تركيا بعد الحرب العالمية الثانية، لكي يتسنى تقدير أهمية الإصلاحات. يزعم أردوغان وحزب العدالة والتنمية أنهما يريدان حزبًا شديد الشبه بحزبي الاتحاد الديمقراطي المسيحي (CDU) والاتحاد الاشتراكي المسيحي (CSU) الألمانيين، لذلك يريد حزب العدالة والتنمية أيضًا أن يدخل البيت الأوروبي.

إلا أن الأحزاب المسيحية الديمقراطية تواجه مصاعب في هذا النقاش لأنه متشابك مع مسألة انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي أيضا. الإسلام ليس كنيسة، لذلك لا يجوز الإفراط في البحث عن المتوازيات. لكن يبدو أن المبدأ الأساس: حزب العدالة والتنمية يريد أن ينفتح على التعددية في نظام تتم صياغته بشكل ديمقراطي، منطلقا من موقف ديني. وهذا ما يتعيّن علينا أن نحرص عليه أيضًا وهو محور نقاش العلاقة بين الدولة والدين في كافة أنحاء أوروبا. هذا النقاش يدور في فرنسا في ظل شروط مختلفة تماما عنها في ألمانيا مثلاً. واللافت أن نيكولا ساركوزي هو الذي قال، بناءً على خبرته عندما كان وزيرا للداخلية، أنه يتوجب على الجمهورية الفرنسية أن تعيد النظر في مواقفها القديمة، وربما مواقفها التي باتت قديمة فيما يتعلق بالعلمانية.

عندما أقابله سوف أتابع النقاش معه حول هذه النقطة بالذات، فالخلاف حول المبادئ العامة لمعاهدة الدستور الأوروبي لا يمكن أن يكون نهاية الجدل حول الدولة والدين. وسيتضح أن ألمانيا هي البلد الأوروبي الكبير الوحيد المقسم مذهبيًا إلى نصفين متساويين تقريبًا، الذي يمكنه أن يقدم خبرة نوعية في هذا الصدد. ينسحب هذا على نظامنا الفيدرالي: حيث يمكننا في حال لم نتصرف بتكبُّر وعجرفة، بل بقدر كاف من التواضع أن نفسح المجال لآخرين بأن يشاركونا هذه الخبرة. تمامًا كما استطعنا نحن التعلّم من خبرات هابسبورغ في وسط أوروبا وربما كان علينا أن نتعلم من قبل، لكي نتفادى النزاع في يوغوسلافيا. ولا زالت هناك إمكانية لاستنباط العبر الإيجابية من التاريخ.

أرى أن العلاقة بين الدولة والطوائف الدينية ستبقى في القرن الحادي والعشرين ذات أهمية فائقة، فهذا العالم الحديث بتغيراته السريعة للغاية وقدرته الفائقة على الإغراء وقدرته الفائقة على التغرير وما علينا في هذا السياق إلا أن نتذكر الأزمة المالية، لكي نلاحظ أن هذا العالم لن يكن بوسعه التعامل مع التطورات بعيدا عن الدين. أعتقد ذلك لأن هذا يتنافى مع الطبيعة الإنسانية.

السلام بين الأديان، وإفساح المجال لتعايش المعتقدات التي كانت تنفي حق الوجود لبعضها بعضا هو موضوع التاريخ الألماني على مدى مئات السنين. وقد يبدو من منظورنا الحاضر وكأن القانون أو الإطار القانوني للرايخ الألماني كان أكثر حكمة من الدين، ولوقت طويل جدا، فالطوائف الدينية نفسها لم تتخل في هذه الفترة بحال من الأحوال عن تطلعها وإرادتها بترتيب العالم بحسب معتقداتها إلا أنها قبلت بالإطار الدنيوي للتعايش. هل يمكن إذًن الذهاب إلى حد اعتبار هذا درسا من التاريخ الألماني، مفاده أنه لا بد من المحاولة بهدوء وأناة، ومن إعطاء الإسلام الغريب المعادي للحداثة بعضا من الوقت للتكيّف مع هذا الوضع ولإجراء جدله الداخلي وخوض تجربته، لكي يصبح قادرا على الانفتاح مع الوقت عبر قبول الإطار العام للعيش المشترك؟

​​شويبله: ينبغي علينا أن نعطي المسلمين وقتا. أما النظام القانوني والقيم الواردة في دستورنا فهي مواضيع لا يمكن تأجيلها. جرى جدال في "المؤتمر الإسلامي-الألماني" كما هو معلوم عما إذا كان هناك نظام قيمي خارج الدستور، يمكنه أن يشمل أكثر من مجرد مواد من الدستور، ومنفتح على نحو يسمح للأديان والبشر بصياغته. إذا قبل المسلمون عناصر الدستور الأساسية، يكون باستطاعتهم بعد ذلك المشاركة في تكوين هذا النظام، وهم يحتاجون للوقت في سبيل هذا. إن حصر السلطة بيد الدولة، الذي يبدو الآن في طريقه إلى الزوال في ظل العولمة، كان الجواب على عجز المسيحيين من مختلف المذاهب على العيش المشترك السلمي. إن حرية المعتقد لا تعفي أحدا من الالتزام باحترام شمولية حقوق الإنسان، وبذلك تقتضي الديمقراطية دستورا على المستوى الوطني أو الأوروبي.

لكن إذا أراد المرء اكتشاف وظيفة الدولة في هذا الدستور من شأن تحقيق الإصلاح في الإسلام، بمفهوم تحويل حقوق الإنسان إلى معتقدات إسلامية، أن يؤدي إلى اضطرار الدولة من جديد لامتلاك حق تحديد دين المواطن الذي كان سائداً في القرن السادس عشر، كما أكّد مؤخرا مارتين هيكل المختص بقوانين الأديان من مدينة توبيغن في نشرة علمية حول تدريس الدين.

شويبله: لا زلت اعتبر أن القوانين الدستورية الخاصة بالأديان الواردة في الدستور الألماني جيدة حقاً. هذه القوانين لم نسنّها بأنفسنا، فهي ترجع إلى الدستور الذي أقر في عهد جمهورية فايمار، لكنها كانت جيدة بحيث تم تضمينها في الدستور الجديد. والآن يستند المسلمون إلى هذه القوانين، ويقولون إنهم يريدون امتلاك الحقوق نفسها أسوة بالديانات الأخرى. ونحن نقول: إذا أردتم نفس الحقوق فعليكم أن تقبلوا بشروطها. وإذا قبلوا بها سيكون بالفعل لهم الحق بتدريس الدين في المدارس الحكومية بمفهوم تدريس المعتقد الديني لا بمفهوم علوم الدين.

لا يمكن للولايات الألمانية أن تقوم بتدريس المعتقد الإسلامي من دون شريك، بحسب نص المادة 7 من الدستور الألماني. بالطبع سنؤثر عندها على الإسلام بشكل غير مباشر. لكن فقط بشكل غير مباشر وليس بمعنى الوصاية، حيث سيتم دعم تلك القوى في الإسلام التي تقبل الدستور والتي تراهن على التسامح والتعايش السلمي وترفض استغلال المتطرفين للدين الذين يريدون جعل المعتقدات الدينية نظامًا دنيويًا.

أحد الأدوات الكلاسيكية لقانون التسامح هو إمكانية وجود الاستثناء. حيث تسمح الدولة بالاستثناءات في الحالات التي يستند فيها المؤمن إلى ضميره عندما يتنافى فيها تطبيق واجبه القانوني مع واجباته الدينية. وتضمن الدولة الحق في هذه الاستثناءات في أغلب الأحيان لصالح الأقليات عملياً، أو لصالح المجموعات الدينية الصغيرة. وقد استند المسلمون المتدينون إلى هذا المبدأ أمام القضاء في سبيل التوصل إلى الإعفاء من دروس السباحة المختلطة. هل فقد تطبيق الاستثناء فائدته أمام الدين الإسلامي الذي أصبح اليوم ديناً شعبياً في ألمانيا؟

شويبله: لدينا في حالات الاستثناء حدود أيضاً، انظر مثلا إلى شهود يهوى، لا يسمح القانون لهؤلاء أن يمتنعوا عن المعالجة الطبية لأطفالهم لأسباب دينية. دولتنا متسامحة أكثر في حالات أخرى، وهذا أمر جيد أيضًا. يمكن للنظام أن يكون متسامحا طالما لم يتعلق الأمر بمواضيع لا يمكن المساومة عليها. كرامة الإنسان مثلاً ليست تحت تصرف أحد، كما لا يمكن المساومة على المساواة بين المرأة والرجل. بالطبع أنا لست مضطرا لتعريض أطفالي للتعليم المختلط، فأنا أستطيع إرسال ابنتي إلى مدرسة للبنات تابعة لطائفة دينية معينة. ولكن مدارس كهذه لن تكون حكومية بل مدارس خاصة. لا مانع من أن يؤسس المسلمون المدارس، وإذا ما استوفوا الشروط المطلوبة للاعتراف بالمدارس الخاصة، سيكون بإمكانهم فتح مدارس للإناث.

لماذا نفترض بروز مشكلة مساواة أساسا، إذا لم يتعلق الأمر بإبعاد الفتيات عن درس السباحة، بل بأن يحظين بدروس للسباحة خاصة بهن؟

شويبله: عندها لا بد للمسلمين من أن ينظموا ذلك بأنفسهم، وطالما يذهبون إلى المدارس الحكومية تبقى دروس السباحة جزءا من الواجبات المدرسية. تكون دروس الرياضة في مرحلة المراهقة عادة غير مختلطة، هكذا كان الحال أيضاً لدى أطفالي الأربعة. لكننا في واقع الأمر نريد أن يتعلم الفتيان والفتيات الذين يترعرعون هنا أن الرجال والنساء يعيشون مع بعضهما البعض. لم يكن هذا سهلا بالنسبة لنا أيضا، فقد كان تحوّل ظروف الجنسين من أكبر التغيرّات بعد الحرب بالنسبة لجيلي وكان لهذا نتائج كثيرة انعكست على كنائسنا المسيحية أيضًا، فأصبح وجود القسيسات في الكنائس البروتستانتية مثلاً أمراً عادياً، وحتى وجود نساء بمنزلة الأسقف، وحتى إنهم تعلموا أنه يمكن للأسقف المرأة أن تتطلق أيضاً.

هكذا هو العالم الحديث، وعلى الرغم من ذلك لا تفقد الرسالة المسيحية جدواها. إذا راقب أحد أبناء جيلي نفسه وقارن نفسه بوالديه أو بأطفاله، لا بد وأن يرى التطورات القائمة. عندما قرأت للمؤرخ توماس نيبردي كتاب "التاريخ الألماني" ذكرتني الظروف الاجتماعية التي سادت في نهاية القرن التاسع عشر بالكثير مما عايشته في طفولتي في النصف الأول من الخمسينيات من القرن العشرين. ما اعتبره بالمناسبة تفسيراً لاقتراب حدوث حركة عام 1968 إلى الحتمية التاريخية. فقد أعاقت حربان عالميتان استمرار التكيّف مع العالم المحدّث في أوروبا الذي شق طريقه بعد ذلك ولا زال متواصلاً الآن.

والمسلمون لن يستطيعوا تجنب هذا التطور. لأننا على قناعة بأن النصف الثاني من القرن الماضي كان جيدًا للغاية في أوروبا بالمقارنة من المراحل السابقة. ندعو المسلمين لكونهم الآن بيننا إلى المشاركة بهذا التطوّر، ونحن على ثقة من أن هذا سينعكس على شكل حوافز إيجابية في الإسلام. وفي هذا السياق لابد من الإشارة إلى أن"المؤتمر الإسلامي-الألماني" الذي نعقده نحن يحظى باهتمام كبير في أجزاء أخرى من العالم، ليس في الفاتيكان وحسب، بل بالذات في البلدان ذات الطابع الإسلامي. لا نعتقد بأننا نخترع العالم من جديد. لكن لا بد للجميع من تحمل مسؤولياتهم والتحلّي بالأمل.

أجرى الحوار باتريك باهنرز
ترجمة: يوسف حجازي
فرانكفورت ألجماينه تسايتونج/قنطرة 2008

قنطرة

"المؤتمر الإسلامي الألماني" الثالث:
ضرورة المحافظة على تعددية المسلمين
أظهر "المؤتمر الإسلامي الألماني" الثالث من جديد أنَّ الجدال الدائر حول إضفاء الطابع المؤسساتي على الإسلام ودمجه في ألمانيا في شكل منظمة مركزية واحدة لا يطرح فقط أسئلة حول قدرة هذه المنظمة المطلوبة سياسيًا على تمثيل الإسلام والمسلمين في ألمانيا، بل يحمل مخاطر توظيف الإسلام سياسيا. تعليق لؤي المدهون

صورة الإسلام في ألمانيا:
"تطبيع التغطية الإعلامية ضرورة ملحة"
تثبت الكثير من الدراسات وعلى الرغم من تحقيق بعض التقدّم أنَّ صورة الإسلام التي تنقلها وسائل الإعلام الواسعة الانتشار مازالت تركز على الجوانب والمدلولات السلبية. الخلاف والاختلاف حول هذه الجوانب كان محور مؤتمر خاص عقد في برلين. لؤي المدهون يعرض أهم مجريات هذه النقاشات ومحاور هذا المؤتمر.

الاندماج:
فرصة لدعم مساعي اندماج المهاجرين في المجتمع الألماني
تسعى الحكومة الاتحادية إلى صياغة سياسة ناجحة لاندماج المهاجرين في المجتمع الألماني، لذلك اجتمعت المستشارة الألمانية ميركل مع عدد من ممثلي منظمات المهاجرين بهدف مناقشة العقبات، التي قد تحول دون تحقيق الاندماج في ألمانيا.