عودة إلى قبضة المجهاديين!
يتساءل محمد ظريف ناصري قائلا: "ساورنا الظن في بادئ الأمر بأن مهمة المجموعة الدولية في أفغانستان سوف تخلق حلا للأزمة الراهنة وتوفر آفاقا ديموقراطية للبلاد. لكن لماذا تمت تقوية دعائم الأصوليين بدلا من الديموقراطيين ؟".
تبدو ملامح الغضب على عيني هذا الرجل الطويل القامة الذي ينتمي إلى قبائل الباشتون أثناء ذكره لاسم حاكم الإقليم. المعروف أن ناصري حارب لمدة تزيد عن عشرين عاما الشيوعيين ومن ثم طالبان، وقد قام لتوه بتأسيس حزب سياسي صغير. كان حاكم الإقليم قد وجه تهديدا لعائلة ناصري عندما عمد هذا في عام 2001 إلى ترشيح نفسه لانتخابات "لويا جيرغا" (مجلس الشورى التقليدي).
يقول ناصري: "إنه (أي الحاكم) يجلس الآن كعضو في البرلمان على الرغم من أن حركة طالبان وصلت إلى الحكم في غضون التسعينيات بسبب أمثاله من قادة الحرب وبسبب ما قام به أنصارها من أعمال سلب ونهب وقتل".
عشاء يضم بوش والمجاهدين
يروي أحد أصدقاء ناصري بأن إحساسا عميقا من الاستياء خيم عليه عندما رأى على شاشة التلفزيون في شهر مارس/آذار الماضي لقطات من حفل عشاء أقامه كرزاي تكريما لبوش بمناسبة زيارته لكابول، فيما جلس معظم قادة المجاهدين على مأدبة العشاء بجانب الرئيسين.
هذا على الرغم من أنهم كانوا قد دمروا أجزاء كبيرة من كابول وقتلوا آلاف المدنيين وشردوا نصف مليون إنسان من ديارهم. إن ناصري على حق في استيائه، إذ يعمد حميد كرزاي كثيرا إلى التشاور مع أمراء الجهاد حيال صنع القرارات ذات الأهمية لاسيما مع الرئيس الانتقالي في التسعينيات برهان الدين رباني وعبد الرسول سياف وهو رجل يتبنى المذهب الوهابي ويلقى دعما ماليا من السعودية.
يقول صديق لناصري لا يريد كشف النقاب عن كنيته فيما تخيم ملامح المرارة على وجهه "سياف هو من الناحية العملية الوزير الأول في حكومة كرزاي. لو عومل مجرمو الحرب هنا ذات المعاملة التي لقيها أمثالهم في البلقان لكانوا إما عمدوا إلى الفرار أو لأصبحوا قيد الاحتجاز في زنزانة تابعة لمحكمة العدل في لاهاي".
هذا على الرغم من أن آمالا كبيرة كانت قد ساورت النفوس بعد إسقاط نظام طالبان قبل خمسة أعوام. يومها وتحديدا في الثالث عشر من نوفمبر/تشرين ثاني انسحب مقاتلو طالبان فجأة ودون مقاومة تستحق الذكر من كابول وبعد برهة قصيرة من قاندهار التي كانت معقلهم الرئيسي.
اصطف من بعد ذلك آلاف من المعلمين والمهندسين والموظفين الحكوميين الذين كانوا قد أقيلوا من قبل طالبان أمام مكاتب الأمم المتحدة بغرض تجنيد أنفسهم للعمل في خدمة العهد الجديد. وتوجهت يومها أنظار الأفغان مشبعة بالأمل نحو بيترسبيرغ بالقرب من مدينة بون حيث انعقد فيه مؤتمر لرسم خريطة طريق جديدة لأفغانستان في مرحلة ما بعد طالبان وتم فيه تنصيب رئيس للمرحلة الانتقالية يسمى حميد كرزاي لم يكن متورطا بصراع التكتلات داخل صفوف أمراء الحرب في ذلك الحين.
أزمة ثقة
كثيرا ما ترددت في أسواق البلاد حينها جملة فحواها "أخيرا سوف تتحول أفغانستان إلى بلد يعيش ظروفا طبيعية سليمة". صحيح أن لأفغانستان اليوم رئيسا وبرلمانا منتخبين إلا أن حكومة كرزاي تجتاز أزمة ثقة حادة.
كذلك اضمحلت سمعة الجنود وكوادر مساعدات التنمية الأجانب بعد أن كانت قد عقدت عليهم آمال كبيرة. وبات ثلث مناطق البلاد يخضع لكتائب طالبان مما جعله بحكم المحظور على الغير. وتعاظمت خيبة آمال معظم المواطنين الأفغان لكون أوضاعهم المعيشية لم تتحسن منذ عام 2001 على نحو يستحق الذكر.
فانعدام آليات المراقبة على عملية توزيع المساعدات جعل الناس يشككون في سلامة هذا الأمر، كما أن 40 بالمائة من السكان عاطلون عن العمل وفقا للإحصائيات الرسمية. بالإضافة إلى ذلك فإن ستة بالمائة فقط من السكان مزودون بالتيار الكهربائي.
ناشد الوزير المختص السكان بتوفير الشموع تأهبا لحلول فصل الشتاء. أما رجال الشرطة فهم في العديد من أجزاء البلاد ليسوا سوى عصابات إجرامية يرتدي أفرادها الزي الرسمي. كما أن نظام القضاء يتسم بالفساد والرشوة علما بأنه إما لم يكن له وجود في بعض المناطق على الإطلاق أو نقصته في حالة تواجده الروح الإصلاحية. أما المحاكم التي نصبتها طالبان مجددا فإن المواطنين يعتبرونها نزيهة رغم الأحكام الصارمة الصادرة عنها.
التجارة بالمخدرات
أكثر المشاكل استفحالا في البلاد باتت في هذه الأثناء المتاجرة بالهيروين المدرة ربحا فائقا. وقد بلغ إنتاج أفغانستان لمادة الحشيش الخام 6100 طن مما يشكل رقما قياسيا. بالتالي فإن أفغانستان تصدر 92 بالمائة من مجموع الإنتاج العالمي المحرم للحشيش، هذا على الرغم من كافة برامج القضاء على المخدرات المعدة من كوادر المساعدات الإنمائية. وقد نجح تجار المخدرات في التسلل داخل شتى مستويات الإدارات الحكومية كما أن لهم وجودا سواء داخل أجهزة الحكومة أو في البرلمان.
لقد أفرزت ما سميت بعملية بون السلمية مؤسسات حكومية في أفغانستان لكنها لم تنجح في التغلب على هياكل العنف التي مضى على تأسيسها أكثر من 25 عاما رغم أن قواعد ثابتة وضعت لهذا الغرض بمجرد انسحاب طالبان من السلطة.
فعلى الرغم من أن الاتفاقيات الدولية كانت قد نصت على جعل كابول في مرحلة إنشاء حكومة انتقالية منطقة مجردة من السلاح فقد أعطت الحكومة الأمريكية ضوءا أخضر للمجاهدين السابقين في صفوف تحالف الشمال سمح لهم بالدخول إلى العاصمة.
لم يكن السماح لتحالف الشمال بالدخول إلى كابول ذا أهمية تذكر من الناحية العسكرية. لكن ذلك أضفى على التحالف نفوذا سياسيا هائلا. فقد تقلد أنصاره مناصب عديدة هامة داخل أجهزة الدولة وامتنعوا حتى اليوم تقريبا عن توزيع السلطة مع القوى السياسية الأخرى.
عودة أمراء الحرب
بناء على تقديرات الأمم المتحدة يبلغ اليوم عدد أفراد ما يسمى بالمجموعات المسلحة غير الشرعية حوالي 120000 فرد. وهذا العدد يتطابق من قبيل الصدفة مع عدد المقاتلين الذين حملوا بناء على معلومات المجاهدين في عام 2001 السلاح وحصلوا مؤقتا على رواتب لقاء ذلك أو نالوا تعويضات بعد إنهاء خدمتهم العسكرية من صناديق المساعدات المالية الدولية.
يستخلص من هذا السياق وزير سابق في حكومة كرزاي فيقول "اتفاقية بون تم نقضها حتى قبل أن ينشف الحبر المدون عليها".
دمرت أواصل عملية السلام الأفغانية بكاملها على وجه أكيد ثابت في العاشر من شهر يونيو/حزيران 2002. كان من المقرر يومها افتتاح جلسات مجلس الشورى التقليدي "لويا جيرغا" في مبنى كلية كابول للهندسة. وكان الأمل ما زال يحدو نفوس الأفغان بأن يمسكوا زمام المصير السياسي لبلدهم أخيرا بأنفسهم.
بلغ عدد المشاركين في الجلسة الافتتاحية 1600 شخص مثلوا كافة شرائح المجتمع الأفغاني من الأساتذة الجامعيين إلى زعماء القبائل الأميين ومن مدبرات البرامج التلفزيونية المتحررات حتى الشابات المتحجبات ومن دعاة الأيديولوجية الإسلاموية إلى أصحاب النهج الديموقراطي المتنور.
ساد أغلبية المشاركين اتفاق بشأن ضرورة الحيلولة دون عودة أمراء الحرب إلى مراكز السلطة. لهذا فعندما وقف أحدهم، وهو الرئيس السابق برهان الدين رباني، معربا عن نيته بترشيح نفسه لهذا المنصب واجه قدرا كبيرا من الرفض والمعارضة مما جعله يغادر مكان الجلسة فارا بجلده.
ظلت الخيمة الكبيرة المعدة لانعقاد جلسة مجلس الشورى التقليدي بعد ظهر ذلك اليوم مغلقة، الأمر الذي كان مدعاة للدهشة. وجاء في التبرير أن افتتاح الجلسة قد تأجل لمدة يوم وذلك "لأسباب تنظيمية".
أما الأسباب الحقيقية لذلك فقد عادت لكون زلماي خاليزاد المفوض الخاص للرئيس بوش للشؤون الأفغانية حينذاك والسفير الحالي للولايات المتحدة في بغداد قد سعى من خلال جهود حثيثة بذلها من وراء الكواليس إلى إفشال مساعي مرشح الرئاسة المنافس لكرزاي وبالتالي إلى تكريس إعادة انتخاب كرزاي في منصبه هذا.
كان الملك السابق محمد ظاهر شاه هو الذي رشح نفسه منافسا لكرزاي. وقد عاش منذ إسقاط نظامه عام 1973 في منفاه في روما. كان الملك السابق يعتبر بمثابة الشخصية السياسية الوحيدة القادرة على تجميع صفوف الأفغان على نحو حقيقي. وقد ساورت الأعضاء المنحدرين من قبائل الباشتون في جنوب البلاد على وجه خاص الرغبة في أن يتبوأ الملك السابق قيادة البلاد مجددا. لكن زلماي خاليزاد والمجاهدين رفضوا ذلك.
ساورت إدارة بوش شكوك حيال الملك السابق الطاعن في السن لأنه سبق وأن "تجرأ" على انتقاد سياستها عدة مرات، من أمثلة ذلك نقده لقصف المدنيين في أفغانستان والأسوأ من ذلك للسياسة الأمريكية حيال منطقة الخليج.
أما المجاهدون فقد هددوا قبل ذلك بترتيب انقلاب على الحكم مما اقتضى من ظاهر شاه تأجيل عودته إلى موطنه مرات عديدة. وقد صدر عن خاليزاد وليس عن ظاهر شاه نفسه تصريح علني بأن الملك السابق تنازل عن تبوء أي من مناصب الدولة. وجاء هذا التصريح ليكون بمثابة استعراض حي لسياسة السيطرة الإمبريالية.
ما زالت كلمات صديق أفغاني تتردد إلى سمعي،وهي كلمات حافلة بالمرارة : "لقد أخفق كلا حكم الشيوعيين والنهج الإسلاموي للمجاهدين وطالبان. فهل أخفق نهج الديموقراطية الآن أيضا؟".
بقلم توماس روتيغ
ترجمة عارف حجاج
صدر المقال في جريدة "تاغيس تسايتونغ"
عمل الكاتب لدى الأمم المتحدة في أفغانستان في الفترة بين 2000 و2003. وهو يعمل حاليا كضيف باحث لدى مؤسسة العلم والسياسة في برلين.
قنطرة
بعد مرور خمس سنوات على إسقاط نظام طالبان
بعد خمسة أعوام من إسقاط نظام طالبان من قبل قوات التحالف الغربية، يلاحظ الصحفي الألماني المختص بالشؤون الأفغانية مارتين غرنير انتشار مشاعر عدم الارتياح والتذمر بين الأفغان في مختلف أرجاء البلاد.
من ثقافة الحرب الى ثقافة السلام
تؤكد أعمال العنف الأخيرة في أفغانستان أن نشوب صراع جديد بعد فترة سلام قصيرة في البلدان التي أنهكتها الحروب يعود الى حد ما إلى عدم معالجة ماضي الحروب. أفغانستان بدأت تتخذ خطوات ذاتية لمعالجة هذه المشكلة بمساعدة الأمم المتحدة والإتحاد الأوروبي.
www