الإيمان بقوة الحوار
منذ الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول عام 2001 شهد ما يسمى "بالحوار مع العالم الإسلامي" انتعاشا كبيرا. لكن الهجمات الإرهابية التي تقوم بها تنظيمات إسلامية جنبا إلى جنب مع الكراهية المتزايدة للمسلمين، ما تزال تلقي بظلال قاتمة على هذا المشروع الثقافي.
مساحة أكبر لتبادل الآراء
خلال زيارته لإذاعة الدويتشه فيلله الألمانية في بون تحدث الباحث المصري د. نصر حامد أبوزيد عن قناعته التامة بضرورة إجراء مثل هذا الحوار مع العالم الإسلامي:
"لا يتطلب الحوار بالضرورة إقناع من تحاوره، أحد أحلامي في هذه الحياة هي في فتح مساحات للحوار، فتح مساحات لتبادل الآراء، وليس فرض رأي أو استبعاد رأي، إذا تحاورت فقط مع من يقبل وجهة نظرك فهذا ليس حوارا".
في مواجهة حماة العقيدة
نصر حامد أبو زيد ليس بكافر على الإطلاق، لكنه كُفر في مصر، ولم يكن ذلك من قبل المتشددين الإسلاميين وحدهم. آنذاك، أي قبل ما يزيد عن عشر سنوات، عارض أبو زيد فهما أحاديا وجامدا للإسلام.
وحاول تقديم تفسيرات جديدة للإسلام، يتيسر من خلالها مساواة المرأة في المجتمعات الإسلامية- مع العلم أنه لم يخالف بذلك الشريعة الإسلامية، بل تعامل معها وفقا لفهمه الخاص.
وكانت النتيجة أن الجامعة رفضت منحه درجة الأستاذية. وقامت محكمة مصرية "بالتفريق" بينه وبين زوجته، حيث أنه وفقا للتعاليم الإسلامية التقليدية لا يجوز امرأة مسلمة أن تتزوج بـ"كافر".
كان هذا هو الوقت الذي تمنى فيه الكثيرون في مصر أن يخرس صوت أبو زيد، فيما كانت وسائل الإعلام في الغرب تحتفي به كشخص ليبرالي وتنويري.
حاليا يعيش أبو زيد في منفاه الهولندي، ويشغل منصب أستاذ كرسي ابن رشد بجامعة أوترخت، لكن التجربة التي خاضها في القاهرة تعاوده بين الحين والآخر ويقول:
"أنت تعلم وأنا أعلم أنه ربما لو وصل الإسلاميون إلى الحكم في مصر، ربما يلغون الديمقراطية ويكون أول شخص مطلوب للشنق هو نصر حامد أبو زيد".
رفض العنف بكل أشكاله
رغم ذلك فإن أبو زيد يؤيد الحوار مع كل من يصدرون أحكامهم عليه علنا. ويقول إن ذلك ليس ضمانا لعالم أفضل، لكنه خيار أفضل بمراحل من خيار العنف. لأن العنف لا يولد سوى العنف المضاد، حسبما يبين لنا التاريخ.
وقد تمكن أبو زيد بتوجهه "السلمي" من تحقيق نجاحات في العالم العربي. يتذكر أبو زيد الحوار التلفزيوني مع أشد معارضيه، وهو المفكر الإسلامي محمد عمارة ويقول:
"محمد عمارة كان هو نجم الحلقة وليس أنا، بسبب طريقته في الكلام، ولأن له كاريزما وأنا لست كذلك. لكن ماذا حدث؟ بعض أصدقائي في المغرب مثلا قالوا لي شيئا غريبا، وهو أن هذا البرنامج حول الناس 180 درجة من ضدك إلى صالحك."
قوة الحوار
يعتقد أبو زيد في قوة الحوار. وليس المقصود هنا الحوار كأحد أشكال التواصل التي ينبغي أن تؤدي في النهاية إلى التوصل إلى حلول أو تحقق في النهاية النصر لطرف من الأطراف، بل الحوار كطريقة تفكير، تحول من خلال التعود على استخدامها ورسوخها في أذهان الناس، دون جمود تفكيرهم ودون استخدامهم للعنف من أجل الدفاع عن عقيدتهم.
إنه يعتقد أيضا في قدرة الحوار على تعرية ما هو غير مقبول: "شاهد الناس البرنامج كي يروا هذا الشخص الكافر المرتد، هناك مخيلة لدى الناس، وهذه المخيلة خلقها الإعلام أيضا، فلا بد أن يكون شعره كثيفا ويتحدث بصوت عال، وما حدث أن الناس رأت أن المتشنج هو عمارة وكنت أنا هادئا ومبتسما".
ويرى أبو زيد أنه مما لا شك فيه أنه لا يمكن استبعاد أن يتزايد تأثير القوى المتطرفة في بادئ الأمر على الحوار المفتوح، وأن تمحى الإنجازات الديمقراطية في المجتمعات العربية مثلا، لو قام الإسلاميون بتشكيل الحكومة.
لكن الاحتمال الأكبر أن مثل هذه القوى ستتعرى ويتبين أنها عدم امتلاكها لتصور واضح للأمور، عندما تصل للحكم، وسيتبين أن مناداتهم بالشريعة والحاكمية مجرد دعاية، وأنه غير صالح لواقع الحياة السياسية، لكن أبو زيد يعارض تماما محاربة الإسلاميين باستخدام العنف.
الحوار بأي ثمن؟
ففي القمع العنيف للإسلاميين في العالم العربي، تكمن جذور الإرهاب والعنف المسلح. وفي هذا الصدد يقول أبو زيد:
"إذا كنت عاجزا عن تغيير المجتمع بأساليب ديمقراطية لأنها غير متاحة، فليس أمامك سوى أن تفرض على المجتمع النموذج الذي تريده".
لكنه يصر على توضيح فارق هام. الحوار مع الإسلاميين؟ نعم ولكن ليس مع هؤلاء الذين يدعون للعنف أو لممارسته. فهؤلاء مجرمون ويجب معاملتهم على هذا الأساس، أي باعتبارهم خارجين عن القانون.
وأهم من مطاردة هذه الثلة من الإسلاميين المتطرفين، لا بد من الحديث مع هؤلاء الذين يؤيدون الإرهاب بصمتهم، أو الذين يوفرون له الأرضية الخصبة من خلال أفكارهم المتطرفة.
ولو أُتيحت لهؤلاء الناس الفرصة لكي يعبروا عن آرائهم بشكل سلمي، لانكسر العمود الفقري للإرهاب كلية.
بقلم محمود توفيق
ترجمة أحمد فاروق
دويتشه فيلله 2004